الخطاب الوطني.. بين الواقعية والسراب
ماجد الجبوري
بسقوط اللانظام في العراق والفوضى في مراكز القرار, أرادت كل قومية أو كل طائفة أن تثبت قوتها, وتثبت لنفسها رايةً في سدة الحكم, قافزين على نسبة كل مكون في المجتمع العراقي, وكانت من وسائلهم الخبيثة, أن يرفعوا من حدة صوتهم الطائفي والقومي, فلم يكن إلا الصراع الطائفي وتكوين الميليشات والمجاميع الأرهابية, نتيجةً لتلك الأصوات الطائفية المسمومة, فكان أصحابها ينفخون الموت في سماء السلام, بالرغم من أن المجتمعات الحية تمتلك الخطاب الذي يجمع كل طوائفهم وقومياتهم, ولايمكن لمجتمع أن يُكمل مسيرة الحياة بدون ذلك الخطاب.
غياب الوطنية بين أفرد المجتمع جاء نتيجة غياب السلطة وضعف القانون, تجار الدماء أستغلوا ذلك الضعف, حتى بدأوا بترويج بضعاتهم البالية, فكانوا يشترون الأصوات الأنتخابية وكراسي السلطة بها, فهي أختصاراً لطريق طويل قد يمتد لسنواتٍ من العمل, وكذلك للتغيطة على الجهل وقلة الخبرة في العمل السياسي والأداري, وتحت غطاء الطائفية يتسترعلى الفساد, فكل حزب أو تيار إذا كان لديه وزير أو إي مسؤول متهم بالفساد, يستقتل بالدفاع عنه بأسم الطائفة, والحزب الآخر في الجهة المناوئة يعمل أيضاً على حماية وزرائها؛ كل ذلك أتى بأستجداء عواطف ومشاعر الجماهير والأدعاء بالدفاع عنهم, وهؤلاء جهلاً دفعتهم عواطفهم ليدعموا أصحاب الأصوات الطائفية ليسندوهم الى السلطة ومراكز القرار.
عندما كانت الأجواء مملؤة بالطائفية والقومية, أصحاب المبادئ والقيم الوطنية من الصعب جداً رفع أصواتهم, ومزاولة أنشطتهم السياسية والأجتماعية, بل تسبب لهم خسائر كبيرة, مثل أبعادهم عن جماهيرهم, لأنه لايمكن لهم العمل إلا في مساحات طائفتهم أو قوميتهم, بل أصبح من يتحدث باللغة الوطنية, يُشار له بأصابع التخوين وأتهام بيع القضية, حتى أتسع الطريق أمام الأرهابين لتجنيد الشباب, بحجة الدفاع عن الطائفة والمذهب, وحصل ماحصل من هدرٍ للدماء وضياعٍ للأموال وهدمٍ للبناء, كانت تلك العواقب مُصحية لأبناء الوطن المغرر بهم, ومُنضجة لطريقة العمل السياسي لدى عمال السياسة, ورفعت من رصيد الوطنيين, وبدأ التفكير الجدي من قبل عُلية القوم السياسي, بتشكيل تحالفات والكتل على الأساس الوطني لا الطائفي والعرقي, بل الساحة السياسية بدأت تفرز الكيانات الطائفية, وتبعدها عن العمل السياسي.
ونحن نعيش أيام النصر النهائي على الأرهاب, هذا الأرهاب الذي قتل الآلاف من العراقيين, بأسم الدفاع عن الطائفة والمذهب, لابد أن نمنعه من عودة ذلك الظلام الأسود, بمنع عودة مسببات مجيئهُ, والأعلام العراقي عليه أن يبتعد عن لغة الطائفية في برامجهِ السياسية واللقاءات الصحفية, وكذا المواطنين لابد لهم من نبذ من يتحدث باللغة الطائفية والقومية, ونبدأ بالعمل جدياً بالخطوات القادمة, وكيف ندعم من يرفع راية الوطن والوطنية, وعدم الأنخداع بمن سيركب موجة الخطاب الوطنية, لأنهم يُجيدون أستغلال الفرص التي توصلهم للمناصب والأصوات الأنتخابية.