الحمى القلاعية وحمى الانتخابات

الحمى القلاعية وحمى الانتخابات

صادق الازرقي

2025-02-22T07:20:57+00:00

ورد في الاخبار ان وزير الزراعة العراقي ربط بين تفشي الحمى القلاعية والانتخابات، بالقول انها هجمة مقصودة.

وأوضح الوزير عباس المالكي، ان ما يُثار بشأن مرض الحمى القلاعية التي أصابت المواشي في عدة محافظات في العراق "هجمة مقصودة"، قائلا، ان "تناول الموضوع بهذا الشكل هي حرب على المواطنين، وهي هجمة مقصودة من بعض المستفيدين مع قرب الانتخابات التشريعية في البلاد".

ويلفت مراقبون وباحثون الى شقي تصريح الوزير، فمن جهة ان المرض الذي تسبب في هلاك آلاف الحيوانات المزرعية متواجد فعلا، اما قضية استعمال الخبر كدعاية انتخابية في الوقت الذي لم تزل الانتخابات بعيدة، فلا تعني الوزير بشيء لأنه جهاز تنفيذي، والمهم بالنسبة له أداء دوره في العناية بالثروة الحيوانية، بحسب وصفهم.

وبالإشارة الى موضوع الدعايات الانتخابية وربطها بالواقعات اليومية، فان تجارب الدول اثبتت ان استغلال المشكلات اليومية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية كورقة انتخابية، يعد ظاهرة شائعة في عديد الأنظمة الديمقراطية، اذ يسعى المرشحون والأحزاب السياسية إلى جذب أصوات الناخبين عن طريق التركيز على المشكلات التي تهمهم بشكل مباشر، مثل ارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات العامة، وانتشار البطالة "وفي واقعنا يجري الحديث عن هلاك الثروة الحيوانية".

ان من أسباب استغلال المشكلات اليومية كورقة انتخابية، سهولة الوصول إلى الناخبين، اذ ان المشكلات اليومية هي قضايا ملموسة تؤثر على حياة الناس بشكل مباشر، ما يجعلها أسهل في الفهم والتواصل مع الناخبين.

و تثير المشكلات اليومية مشاعر قوية لدى الناخبين، مثل القلق والخوف والغضب، فيجعلهم أكثر عرضة للتأثر بالرسائل الانتخابية التي تتناول هذه المشكلات.

و غالبا ما يقدم المرشحون والأحزاب السياسية حلولا سهلة وبسيطة للمشكلات اليومية، فيظهرون وكأنهم قادرون على حل هذه المشكلات بسرعة وفعالية.

وبحسب بعض الباحثين، فان اثارة القضايا اليومية والاحداث الآنية في أوقات معينة لها اهداف يسعى اليها مروجوها منها تشتيت الانتباه عن القضايا الأهم، اذ يمكن أن يؤدي التركيز على المشكلات اليومية وقضايا مستجدة إلى صرف الانتباه عن القضايا الأهم، مثل القضايا السياسية والاقتصادية الكبرى التي تؤثر على مستقبل البلاد.

كما ان مخاطر استغلال المشكلات اليومية كورقة انتخابية وتضخيمها وتصويرها على أنها أكثر خطورة مما هي عليه في الواقع، يخلق حالة من الذعر والقلق لدى الناخبين، الامر الذي تطمح له بعض الجهات لإخفاء قضايا مصيرية تهم الناس.

وقد تدفع المشكلات العراقية بعض المرشحين المحتملين المقبلين "تجري الانتخابات في تشرين الثاني 2025 وتأجيلها مطروح" الى ان يقدموا هم والأحزاب السياسية التي تمثلهم وعودا كاذبة بحل المشكلات اليومية، من دون أن يكون لديهم القدرة أو النية على تنفيذ هذه الوعود، ويلفت المتخصصون هنا الى قضايا جرى الحديث عنها كثيرا من دون ان تحل منها: توفير الكهرباء والقضاء على الفساد والقطارات المعلقة و "متروات" الانفاق وغيرها من الامور التي جرى طرحها من دون ان يجري تنفيذها.

كما يشير المراقبون الى تحريك عمليات اكساء الشوارع "بالسبيس" وبعض اعمال التبليط في بعض المناطق، يقوم بها مرشحون قبيل كل انتخابات بغرض كسب أصوات تلك المناطق التي تتوقف فيها الخدمات بمجرد اجراء الانتخابات وظهور النتائج.

ويتخوف البعض من ان يؤدي استغلال المشكلات اليومية والاحداث المستجدة، إلى تأجيج الانقسامات، فيجري تصوير بعض الجهات والافراد على أنها مسؤولة عن هذه المشكلات، و يؤدي التركيز على الاحداث اليومية إلى إعاقة الحلول الحقيقية للمشكلات الأكبر، اذ يجري تجاهل القضايا الأكثر أهمية التي تتطلب حلولًا طويلة الأجل، ومنها في أوضاع العراق حصر السلاح بيد الدولة وحل الميليشيات وحل عقدة التصويت على قانون النفط والغاز وتنفيذه وغيره من القضايا الرئيسة، التي يجري تأجيلها مع كل دورة انتخابية، بخاصة في ظل التحذير من ان أكثر من 150 مشروعا ومقترح قانون متراكم منذ أول دورة للبرلمان إلى يومنا هذا، وهناك احتمال بأن تؤجل الى ما بعد الانتخابات والى الدورة البرلمانية المقبلة.

وهنا يجب على الناخبين أن يكونوا على دراية بمخاطر استغلال المشكلات اليومية كورقة انتخابية، وأن يكونوا قادرين على التمييز بين الوعود الانتخابية الصادقة والوعود الكاذبة، و يجب عليهم التحقق من الحقائق والمعلومات التي يقدمها المرشحون والأحزاب السياسية، وعدم الاعتماد على المعلومات غير الموثوقة.

ويجب التركيز على القضايا الأهم، و على الناخبين الاهتمام بالقضايا التي تؤثر على مستقبل البلاد، وعدم الانجرار وراء الوعود الانتخابية السهلة والبسيطة، و على الناخبين التعبير عن آرائهم ومطالبهم بشكل واضح ومباشر، وان يكونوا واعين ومسؤولين في تعاملهم مع استغلال المشكلات الآنية كورقة انتخابية، وأن يختاروا المرشحين والأحزاب السياسية الذين يقدمون حلولا حقيقية ومستدامة للمشكلات التي تواجه البلاد.

وفي واقعة الحمى القلاعية فان العراق شهد تفشيا واسعا للمرض، ما أدى إلى نفوق أكثر من مليون ونصف المليون رأس ماشية في السنوات الثلاث الماضية، وفقًا لأطباء بيطريين؛ ويعزو الخبراء تزايد انتشار المرض إلى تراجع برامج التطعيم في الحكومات المتعاقبة، اذ ألغت الحكومة السابقة اللقاحات لمدة ثلاث سنوات، ما أدى إلى تفاقم الأزمة، وبرغم محاولات الحكومة الحالية السيطرة على المرض، إلا أن اللقاحات المستعملة قديمة وغير محدثة، بحسب المتخصصين.

واستنادا الى ارقام حديثة فان لجنة الزراعة والاهوار النيابية اشارت الى نفوق 700 رأس جاموس في 5 أيام بسبب الحمى القلاعية، واصفة الامر بـ "المؤامرة على ثروة العراق الحيوانية".

وبشأن بناء الثقة مع الجمهور، والتخلص من الاتهام بنظرية المؤامرة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للسكان، يحدد المتخصصون شروطا واجبة التنفيذ منها، الشفافية في تقديم الخدمات، اذ يجب على الحكومة نشر معلومات مفصلة بشأن الخدمات التي تقدمها، بما في ذلك أهدافها، وميزانيتها، وطرق تقديمها، ومعايير الجودة.

و يجب على الحكومات إشراك الجمهور في عملية صنع القرار المتعلقة بالخدمات، بوساطة استطلاعات الرأي، والاجتماعات العامة، والمنتديات الإلكترونية، وعلى الحكومات تسهيل وصول الجمهور إلى المعلومات المتعلقة بالخدمات، بتوفير قنوات اتصال مفتوحة، والاستجابة السريعة للاستفسارات، وتوفير المعلومات بلغات متعددة إذا لزم الأمر، يجب على الحكومات استغلال وسائل الإعلام المتعددة للتواصل مع الجمهور، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، والتلفزيون، والإذاعة، والصحف.

و يجب على الحكومات وضع معايير أداء واضحة للخدمات، وتحديد مؤشرات لقياس التقدم، كما يجب على الحكومات مراقبة أداء الخدمات بشكل دوري، وتقويم التقدم المحرز، وعليها نشر نتائج المراقبة والتقويم على الجمهور؛ ويتوجب على الحكومات الاعتراف بالمشكلات والإخفاقات في أداء اعمالها، وتحمل المسؤولية عن ذلك، مع اتخاذ إجراءات تصحيحية لمعالجتها وتحسينها.

على الحكومات تطوير الخدمات بما يتناسب مع احتياجات السكان، يجب أن تكون الخدمات مرنة وقابلة للتكيف مع التغيرات في المجتمع، ويجب تقديم الدعم والمساعدة للسكان الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى الخدمات.

ويتفق ذوو الرأي، على ان التواصل بين الحكومة والجمهور يجب ان يكون واضحا ومفهوما، وتجنب استعمال المصطلحات المعقدة، والقاء الاتهامات، فمهمة الحكومة تنفيذية وعليها العمل وتحديد الإخفاق ومعالجته وعدم الانشغال بالجدل السياسي؛ وعلى الحكومة تقديم المعلومات بشأن عملها في الوقت المناسب، فيما يجب أن يكون الجمهور على علم بالتطورات والتغييرات في الخدمات، وتشجيع مشاركة السكان في مراقبة أداء الخدمات، والإبلاغ عن أي مخالفات أو فساد.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon