التعليم الطبي في العراق.. من سيء إلى أسوأ

التعليم الطبي في العراق.. من سيء إلى أسوأ

ا.د. محمد العبيدي

2021-08-22T08:28:19+00:00

لو تحدثنا عن التعليم الطبي العالمي اليوم، لوجدنا إنّ أبرز ما يميزه هو أن الطالب الجامعي هو محور العملية التعليمية، إضافة إلى أهمية اكتساب المهارات الأكاديمية من العام الأول في الدراسة والاهتمام بالمهنية وسلوكيات الممارسة الطبية. فقد أصبح من المعروف عدم فاعلية الأسلوب التلقيني في العملية التعليمية المطبقة الآن في التعليم العالي بشكل عام، والطبي بشكل خاص حيث ينبغي على الطالب أن يكون نشطاً في الحصول على المعلومات من المصادر المختلفة خاصةً مع الثورة التي حدثت في مجال الاتصالات والمعلومات والوسائط، والتقدم السريع في العلوم الطبية ومهارات البحث العلمي.

ولهذا نرى أنه على جميع كليات المجموعة الطبية وفي جميع الجامعات العراقية أن تقوم بتسريع التغيير في التعليم الطبي من خلال إنشاء نظام يقوم بتدريب الأطباء والمهن الطبية والصحية الأخرى لتلبية احتياجات المرضى وتوقع التغييرات المستقبلية.

هذا وقد تواصلنا شخصياً مع الأكاديمية البريطانية لتطوير التعليم الطبي والقائمين على التعليم الطبي إضافة إلى مؤسسات طبية أكاديمية أخرى حيث أبدى الجميع إستعدادهم لمساعدة العراق في تطوير نظامه الطبي التعليمي، وبشكل خاص العلوم الطبية الأولية Basic Medical Sciences.

وفي مجال التعليم الطبي، أرى إن واجبنا أن نجعل المهن الطبية تتماشى مع مهنة الطب في القرن الحادي والعشرين في جميع المجالات التالية:

  1. جعل التكنولوجيا وتعزيزها في خدمة التعليم الطبي

  2. توفير الخدمات الصحية الرقمية

  3. تطوير الطب الرقمي

ولهذا يجب العمل على:

  • إنشاء فريق لتحسين الجودة يتحمل المسؤولية الاستراتيجية لقيادة والإشراف على عمليات ضمان جودة التعليم وإدارته في جميع كليات المجموعة الطبية من خلال تحوير المناهج المعمول بها حالياً وذلك من أجل تحسين التعليم الطبي بكافة تخصصاته.

  • تشجيع روح العمل المتكامل والمتعدد المهنية، لأننا نعتقد أن تحسين الجودة في التعليم والتدريب هو في صميم تقديم رعاية صحية متميزة للمرضى.

  • تولي اهتماما بالغا بتدريب الطالب على مهارات البحث العلمي منذ اليوم الأول من انضمامه لكليات المجموعة الطبية، حيث يتم تعليمه كيفية قراءة الأبحاث العلمية من مجلات علميّة محكّمة، والبحث في قواعد البيانات المتوفرة، كما يجب تدريس مادة التعليم الطبي والتعلم مدى الحياة، وهو مقرر هام يكسب الطالب مهارات العمل كفريق وكيفية أداء البحث العلمي وإعداد ما يسمى بالمحفظة التعليمية لتجميع المشاريع والأنشطة والدورات التدريبية وبذلك نحصل على صورة واقعية لما اكتسبه من مهارات وقدرات تسمح للممارسة الآمنة والفعالة.

  • وضع خطة لتعزيز البحث العلمي ودعم بحوث الطلاب آملين من وراء ذلك أن يكتشفوا وينشروا بحوثهم العلمية.

  • أن تولي كليات المجموعة الطبية اهتماما كبيرا لإنجاح برامجها التعليمية وتمكينها من تخريج نخبة وطنية من الأطباء والمهن الطبية والصحية الأخرى الذي سيقومون بتطوير القطاع الصحي في الدولة وتحقيق الرؤية الوطنية في تطوير القطاع الطبي للبلاد .

يجب أن يكون الملفت في منهج التدريس المُطبق في كليات المجموعة الطبية هو أن تقييم الطالب لا يُبنى على مجرد إكمال مقررات دراسية معينة بنجاح، وإنما على أًسس اكتساب القدرات والكفاءات التي يجب أن يكون قد اكتسبها الطالب الخريج وقياس قدرات الممارسات الحقيقية وليس قدر المعلومات النظرية التي يعرفها الطالب فحسب.

  • التركيز على تعزيز قدرة الطالب من الجانب العملي من دون الاكتفاء بالجانب النظري واجتياز الامتحانات فقط، خاصة ويجب العمل على أن يبدأ التدريب السريري (الإكلينيكي) لطلبة كليات المجموعة الطبية منذ السنة الثانية وذلك بخلاف مناهج التعليم الطبي التقليدية في كليات المجموعة الطبية الآن، التي تقوم بتدريس العلوم الطبية الأساسية لمدة ثلاث سنوات ليتم بعدها التركيز على الجانب العملي والسريري.

  • تعزيز قدرة الطالب على التعلم المبني على دراسة معضلات طبية وحل المعضلات الطبية، حيث يقوم الطلبة بالدراسة من خلال مجموعات صغيرة للعمل على حل معضلة طبية كل أسبوع. وسيقتصر دور عضو هيئة التدريس في بادئ الأمر على توجيه الطلبة، حتى يقوم الطلبة من خلال دراسة المعضلة باستكشاف الأهداف التعليمية من خلال التحليل وتفسير الأعراض والظواهر المرضية واستنتاج الحلول. إضافة إلى ذلك، يتم القيام بإتاحة الفرصة أمام الطلبة للبحث والتعمق واستخدام مصادر المكتبة وأحدث وسائل التكنولوجيا في التعليم.

  • وضع كليات المجموعة الطبية جودة التعليم وتأثيرها على مخرجات الجامعة من الجانبين العلمي والعملي على رأس أولوياتها للوصول بالتعليم الطبي بكل مكوناته وعناصره إلى مستوى مقارن بمعايير إقليمية أو دولية بهدف تخريج أطباء وأطباء أسنان وصيادلة قادرين على تحقيق الأداء الأفضل والممارسة السليمة لمهنة الطب والصيدلة سواء داخل الدولة أو خارجها.

  • وأهم ما يجب القيام به هو العمل على تبني كليات المجموعة الطبية للمعايير المعتمدة للجودة في مجال التعليم الطبي لمرحلة البكالوريوس كما حددها الاتحاد العالمي للتعليم الطبي (WFME) للمرحلة الجامعية الأولى. وكذلك في مرحلة ما بعد التخرج ومرحلة التعليم الطبي المستمر.

  • تعزيز قدرة كليات المجموعة الطبية على ضمان الجودة ومواكبة المعايير الدولية في جميع نواحي العملية التعليمية. وفي إطار سعيها لتكون كليات ذات بعد دولي حيث ستستعين الكليات بممتحِنين دوليين من تخصصات طبية مختلفة لتقييم المستوى العلمي للطلبة (معرفي/مهاري/سلوكي) وذلك مع نهاية كل مرحلة رئيسية من مراحل برامج التعليم، وخصوصا في كليات الطب وطب الأسنان. وسيطلع الممتحِنون الدوليون على جودة الاختبارات التي يخضع لها الطلبة من ناحية المحتوى والأدوات، وبمراجعة مخطط التقييم Assessment Blueprint الذي ستضعه الجامعة موضع التطبيق. ولضمان الجودة على مستوى الجامعة، تعنى «لجنة ضمان الجودة، وتقييم البرامج، والاعتماد الأكاديمي» بمتابعة كل ما يتعلق بتطوير الجانب الأكاديمي لكليات المجموعة الطبية لا سيما تقييم إجراءات ضمان الجودة وفاعليتها وتأثيرها على البرامج الدراسية، وتحديد المؤشرات والمقارنات المرجعية Benchmarks المناسبة، وتفعيل برنامج للتطوير المستمر لأعضاء الهيئة التدريسية بهدف ترسيخ مبادئ ضمان الجودة. وفي هذا السياق يجب أن يخضع مخطط منهج البرامج الدراسية لكليات المجموعة الطبية لتقييم المراجعين الدوليين من عدد من كليات عالمية رائدة على مستوى العالم من أجل الحصول على تقييم عالي.

  • أن تشرك كليات المجموعة الطبية مؤسسات دولية رائدة في تطوير الاستراتيجية، والبرامج الأكاديمية وأجندة البحث فيها. ونأمل بإتخاذ قرار استراتيجي في وقت مبكر بالتعاون مع العديد من الشركاء الدوليين، كلٌ في مجال تميزه، بدل الشراكة مع مؤسسة واحدة فقط من أجل الحفاظ على المستوى العالي لكليات المجموعة الطبية.

ومن خبرتنا في مجال التعليم الطبي في بريطانيا، التي تعتبر رائدة في هذا المجال، فإننا نرى أن بقاء التعليم التقليدي في كليات المجموعة الطبية على ما هو عليه الآن والذي لا يتماشى إطلاقاً مع التطور الحاصل في هذا الجانب من التعليم، فإن التعليم الطبي في العراق سيبقى يسير من سئ إلى أسوء، في وقت هناك منظمات دولية عديدة بإمكانها مد يد المساعدة لتطوير هذا التعليم وجعله يعود بمساره الموازي لأفضل أنظمة التعليم الطبي في العالم.

أ. د. محمد العبيدي

بروفيسور متخصص بعلم الفسلجة والعقاقير الطبية، ومستشار بالإدارة الصحية وخبير دولي بالصحة البيئية والتغذية العلاجية

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon