البطاقة الموحدة بديلا عن 'الماستر كارد'

البطاقة الموحدة بديلا عن 'الماستر كارد'

صادق الازرقي

2025-11-20T16:32:23+00:00

البطاقة الموحدة بديلا عن 'الماستر كارد': صيحات المواطنين لتنظيم حصص الوقود بعيدا عن التعقيد الرقمي

مع حلول فصل الشتاء وحاجة العراقيين للنفط لأغراض التدفئة، أعلنت السلطات المعنية التحول في تسلم الحصة من البطاقة الوقودية الورقية إلى الالكترونية بوساطة تطبيق عن طريق الهاتف وحساب ماستر كارد، وعلى الفور بدأت شكاوى قطاعات واسعة من المجتمع من ان القضية معقدة وانهم لا يعرفون كيفية تسلم حصصهم عن طريقها.

هذا التحول مهم ويثير بالفعل عديد التساؤلات والتحديات، بخاصة في بلد مثل العراق يواجه تنوعا في الظروف المعيشية والوصول إلى الخدمات الرقمية.

وبرزت على الفور مشكلات رئيسة للتحول، من ذلك ان كثيرين لا يمتلكون حسابات مصرفية أو بطاقات دفع إلكتروني، ما يجعلهم غير مؤهلين لتسلم حصتهم التي اشترطت تفعيل البطاقة التموينية مع بطاقة الدفع الالكتروني الشخصية، كما يعاني ذوو الدخل المحدود وسكان المناطق العشوائية والريفية من تداعيات ذلك، كما لا يعرف كثيرون كيفية استعمال التطبيق، والهاتف الذكي، أو التعاملات الإلكترونية المعقدة، ومن ذلك كبار السن، والأسر التي تفتقر إلى فرد ملم بالتكنولوجيا، والأفراد في المناطق النائية.

ان التحول الرقمي يتطلب غالبا بيانات دقيقة وموثقة للسكن لتحديد الاستحقاق الجغرافي، وهو ما تفتقر إليه كثير من المساكن العشوائية، فكثير من سكان العشوائيات غير مسجلين رسميا لاسيما فيما يتعلق بالقضايا الخدمية؛ كما ان تنظيم الحصول على البطاقة الوقودية يتطلب هاتفا ذكيا محدثا وإنترنت سريع، وكثيرا ما تعطلت تلك العملية لتلك الأسباب، فليس الجميع يمتلك هاتفا ذكيا متوافقا أو اتصالا مستقرا بالإنترنت لاستعمال التطبيق، لاسيما في الأسر الفقيرة، وبعض المناطق ذات التغطية الضعيفة، وقد يترتب على استخراج بطاقة الماستر كارد رسوم إصدار أو رسوم شهرية، وهي عبء إضافي على المواطن ذي الدخل المحدود.

وكحل يمكن للسلطات تبني انموذج هجين يوازن بين متطلبات "الرقمنة" وواقع المجتمع لضمان وصول النفط للجميع بسهولة وعدالة؛ الهدف هو تحقيق الكفاءة الرقمية من دون التضحية بالشمول الاجتماعي، ومن ذلك الإبقاء على بديل ورقي / مادي للفئات الخاصة بإصدار بطاقة بلاستيكية بسيطة (ليست ماستر كارد) تستعمل كنظام تعريف مادي/ رقمي لحصة الوقود فقط، يمكن شحنها إلكترونيا أو دفع ثمنها نقدا في مراكز مخصصة، كما يمكن الإبقاء المؤقت على البطاقة الورقية لمدة انتقالية محددة في الأقل سنة "شتاء واحد" للفئات غير المشمولة رقميا (كبار السن، سكان العشوائيات) وتحويل مكاتب توزيع الوقود الحالية، أو مكاتب المخاتير إلى نقاط "خدمة رقمية"، و يمكن للشخص الذي لا يمتلك ماستر كارد دفع ثمن حصته نقدا في هذا المركز، ويقوم الموظف بتسجيل الدفع إلكترونيا في النظام، وتسليمه إيصالا يمكنه من تسلم حصته؛ وبدلا من الاعتماد الكلي على عنوان رسمي مسجل بدقة وهو مشكلة لكثير من سكان العشوائيات، يجري ربط حصة الوقود بالبطاقة الموحدة او أي بطاقة تعريفية، وتخصيص نقطة توزيع جغرافية بناء على أقرب نقطة خدمة كما في نظام توزيع الحصص التموينية.

هذا الأنموذج يضمن انتقالا سلسا للجميع، اذ يستفيد القادرون من سهولة التطبيق والدفع الإلكتروني، فيما يحصل غير القادرين على خدمة بديلة وميسرة لضمان حقهم في التدفئة الأساسية.

ويحق التساؤل هنا عن جدوى اشغال السكان بعمليات لا تسير بصورة سلسة، وبما ان العراق بلد نفطي رئيس، فإن إلغاء نظام الحصص والتحول الكامل إلى البيع الحر للنفط الأبيض كوقود للتدفئة، يعد امرا مطروحا؛ ولكن ربما تكون هناك اسباب تدفع الحكومة للإبقاء على نظام الحصص (أي التسعير المدعوم) من ذلك البعد الاجتماعي والاقتصادي المتمثل بحماية السكان، فالنفط الأبيض للتدفئة هو سلعة حيوية، بخاصة في فصل الشتاء لاسيما في المناطق الشمالية الأكثر برودة، ويباع للناس بسعر مدعوم جدا (أقل بكثير من سعر الكلفة والأسعار العالمية)، وان إلغاء الدعم وتركه للبيع الحر سيرفع سعره بشكل كبير جدا، مما يجعل التدفئة أمرا باهظ الثمن وغير متاح لملايين العراقيين، ويزيد من معدلات الفقر والتوتر الاجتماعي، كما ان ارتفاع سعر وقود التدفئة يؤثر بشكل غير مباشر على أسعار كثير من السلع والخدمات الأخرى ومن ذلك تكلفة النقل، وتكلفة تشغيل المولدات، وغيرها، مما يغذي التضخم العام في البلاد.

ويعتقد كثيرون أن النفط هو ثروة وطنية يجب أن يستفيد منها المواطن بشكل مباشر عبر توفير المحروقات بأسعار رمزية، ولكن ما دامت الدولة تبيع النفط الأبيض محليا بسعر مدعوم (رخيص جدا)، فيما يباع في الدول المجاورة بأسعار عالمية مرتفعة، سيظل هناك حافز قوي لـتهريب هذه المادة الى خارج الحدود.

ان نظام الحصص بالبطاقة الوقودية وضع في الأصل كآلية للسيطرة على كميات الوقود وتوزيعها بإنصاف نسبي على جميع العائلات المستحقة، وبالنتيجة منع وصول الكميات المدعومة إلى شبكات التهريب والمضاربين بدلا من السكان، وبرغم أن العراق ينتج النفط الخام بكميات كبيرة، فإنه لا زال يعاني من نقص في طاقته التكريرية المحلية لإنتاج المشتقات النفطية (كالنفط الأبيض والبنزين) بالكميات الكافية لتلبية الطلب المحلي المتزايد؛ و لتغطية هذا النقص، قد تضطر الحكومة أحيانا إلى استيراد بعض المشتقات النفطية بالأسعار العالمية، ثم تبيعها داخليا بسعر مدعوم؛ وهذا يمثل عبئا ماليا ضخما على موازنة الدولة بنتيجة فرق السعر بين الشراء العالمي والبيع المحلي بصيغة الدعم.

أي ان إلغاء نظام الحصص يتطلب إصلاحا اقتصاديا جذريا بإلغاء الدعم الحكومي، وهذا ممكن، لكنه يجب أن يجري عبر آليات تعويضية لتخفيف الصدمة فبدلا من دعم السلعة (النفط)، يصار الى دعم المواطن الفقير بتحويل نقدي شهري مباشر يودع في حسابه، ويسمح له بشراء الوقود بالسعر الحر؛ وهذا يتطلب نظاما مصرفيا شاملا، وهو ما يفسر جزئيا التحول لبطاقة الماستر كارد.

ومن المعالجات ايضا، السماح للقطاع الخاص باستيراد وتوزيع المشتقات النفطية لزيادة المعروض وتخفيف الضغط على الحكومة، وزيادة كفاءة المصافي المحلية لتقليل الاعتماد على الاستيراد المكلف؛ أي ان إلغاء الحصص من دون توفير شبكة حماية اجتماعية قوية يؤدي إلى كارثة إنسانية واقتصادية للطبقات الفقيرة.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon