الاعتقالات السياسية زعزعت بنية الهاشتاغ
د. محمود عباس
لئلا يفرغ من مضمونه، وينجح، لا بد من أخلاء سبيل المعتقلين السياسيين والإعلاميين، ومنع تكرارها لاحقا. بالاعتقالات السياسية لن تبنى الفيدرالية، وتضعف احتمالات بناء النظام اللا مركزي، وتعيق من نجاحات الإدارة الذاتية.
نؤيد الهاشتاغ (#Status4NorthAndEastSyria) رغم عدم تقبلي للصيغة السياسية والجغرافية لأسم المنطقة، مع ذلك نعمل على أن تعترف الدول الكبرى والعالم بنا كشعب وحراك كوردي، ويقتنعوا على أننا نقيم على أرضنا التاريخية، ويتعاملوا مع الإدارة الذاتية سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا ضمن سوريا اللا مركزية، مثلما يتعاملون مع الدول الإقليمية. ونطالب أن يتفق الإقليمين الكورديين، الجنوبي والغربي، على صيغ مشتركة، ليتمكنوا من التعامل مع الدول والأنظمة العالمية على مستوى قوانين هيئة الأمم.
لكن كيف يمكن مطالبة تلك الدول والقوى الديمقراطية الاعتراف بالإدارة الذاتية سياسيا، ومعظم معارضيها الكورد من السياسيين أصبحوا في الخارج رهبة، والباقون إما في سجونها أو معرضون له؟ وأخر الاعتقالات لبعض الإعلاميين والحزبيين الكورد، المرفوض من قبل جميع القوى الديمقراطية، تمت قبل أسبوع، العملية التي ندينها، من البعدين القومي والديمقراطي، ولتحقيق الهاشتاغ نوع من النجاح على الساحتين الوطنية والدولية، نطالب بإخلاء سبيلهم دون قيد أو شرط.
ومن أوجه الغرابة والتناقض، أن جل قادة الإدارة الذاتية، يصمتون على مثل هذه التجاوزات، ويقدمون خيرة ما لديهم من الإمكانيات الفكرية والإدارية لتحسينها وتطويرها، لكن على منطق منهجية البعض الرافض للكوردي الأخر، ويسايرها وجود التناقض الحاد ما بين النظرية والفعل، وبين ما يتهم به وما تقدمه على أرض الواقع، فليس كما يقال على أن مسؤوليها أدوات لقوى إقليمية، أو ينفذون إملاءات قواهم الأمنية، رغم أن العلاقات موجودة، لكنهم وحسب ما بلغته الإدارة اليوم، تجاوزوا منطق الإملاءات، هنا نتحدث عن سلبياتهم وإيجابياتهم من وجهة نظر الشارع الكوردي. ولا نظن أن حراك كوردستاني أو قيادي كوردي نشيط لم يكن له علاقات مماثلة، ومعظمها أصبحت معروفة للجميع، ولكل جهة تبريراتها وتأويلاتها.
لكن كل ذلك لا تثنينا عن القول إنها تتلكأ كإدارة، والأسباب عدة، انفرادها بقراراتها، تدفع بها لتغوص في الأخطاء، بعضها قد تكون مصيرية لقادمها؛ وقادم الشعب الكوردي في جنوب غرب كوردستان. بغض النظر عن واقع الحرب والظروف التي تمر بها المنطقة بسببها، والكوارث التي حلت بها من جرائها، والقوى المتربصة بالشعب الكوردي عامة وبالحزب الحاكم، إن كنا نسميها الـ ب ي د أو امتداد ألـ ب ك ك كما يروج، نرى أن التفرد بالرأي، رغم الدعاية على أنهم يتقبلون الرأي الأخر، من أهم العوامل التي تؤدي إلى، ليس فقط تكرار الأخطاء، بل تشعبها.
وهنا نود أن نقول لقادة الإدارة الذاتية، أن الشعب عندما يعاني؛ لن يدعم نشر هاشتاغها، وبالتالي فهي لن تتمكن من إنجاز ما تطالب به، إلا إذا حاولت وعملت على تخفيف المعاناة، وأثبتت الديمقراطية في الواقع العملي ليتوافق مع الطروحات النظرية، وبينت على أنها أفضل من الأنظمة الشمولية؛ المطالبة من الدول الاعتراف بسيادتها على سوريا؟ ومن المعارضة المرتزقة التكفيرية المتهالكة على المشاركة في السلطة؟
أؤيد الهاشتاغ المتداول منذ أيام على وسائل التواصل الاجتماعي (#Status4NorthAndEastSyria) ولا بد من أن تحظى بتأييد أبناء المنطقة عموما، وبشكل خاص من الشعب الكوردي، لكنها في ظل الإشكاليات المتداخلة التي تثيرها شريحة من قيادة الإدارة الذاتية، تعكس نوع من السذاجة، وتكاد أن: تعدم احتمالات نجاحها في إقناع المسؤولين في الدول المعنية بالأمر. فما يتم في الإدارة الذاتية من الأفعال، في نفس الفترة التي يتم الترويج للهاشتاغ، تتعارض مع أدنى درجات الديمقراطية التي تتحلى بها الدول المطلوبة منها الاعتراف بالإدارة الذاتية سياسيا.
الأسس السياسية والثقافية والاقتصادية التي تبنى عليها الإدارة الذاتية، بشكل عام، تعكس عنجهية المطالبين به، كما وتظهر مدى جهالتنا (نحن المؤيدين والمتناولين للهاشتاغ قبل الذين استخرجوها) في معرفة منهجية القوى الدولية، التي نتعامل معها أو التي نأمل منها أن تظل حليفتنا في المنطقة وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وتبين على أن أغلبية حراكنا الكوردي لا يحترم منطق دساتيرها.
جمعينا ندرك أننا نتعامل مع قوى تتمتع شعوبها بكامل حرية الرأي، والديمقراطية مترسخة في ثقافتهم، بغض النظر عما يقال عنهم في الدول الدكتاتورية، فكل أنواع الحريات الفردية والجماعية من البنود الأولى في دساتيرها، وقد يقول البعض أن دساتير الدول الشمولية أيضا تملك مثلها، لكن الفرق أن أنظمتها تقدس دساتيرها، لا يوجد في سجونهم سياسيين وإعلاميين والمطالبين بحقوق الإنسان، ولا يمكن زج الفرد في الأقبية المظلمة بدون محاكمة، أو محام يدافع عنه، عندهم الكل برئ إلى أن تثبت إدانته، بعكس أنظمتنا، حيث الكل مدان إلى أن تثبت براءته. وعلى هذا الأساس تمتلئ سجون الأنظمة الدكتاتورية، وتظهر حالات الاغتيال والاختطاف، وقتل السياسيين تحت تعذيب، كتكملة لمسيرتهم السياسية والإدارية.
العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية، والتي تم تعديلها قبل أيام، يتضمن نصه العديد من البنود الديمقراطية، وحرية الرأي والصحافة، ولكن هل يتم التقيد بهم؟ وهل تحترم من قبل الأجهزة الأمنية؟ وهل يتم محاسبة المتجاوزون على تلك البنود؟
نحن هنا لن نعود إلى ما يعانيه عامة الشعب من شظف العيش، وكارثة نقص المياه، وانعدام الكهرباء، وغيرها من القضايا الكارثية، وبالمناسبة، هنا لا بد من التذكير، جنوب كوردستان، الإقليم الفيدرالي، على أنها ليست بأفضل من غربه من حيث تأمين المياه والكهرباء والفساد والبيروقراطية، خاصة وهي تتمتع ومنذ عقدين من الزمن بالإمكانيات المادية الهائلة، بغض النظر عن الخلافات الأخيرة مع سلطة بغداد، وهم من فتحوا لها الأبواب لهذا التمادي.
نؤكد على أن الحصول على الاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية من أهم المطالب على الساحتين الدولية والإقليمية، وداخل سوريا، فهي سترسخ تجربتها، وقد تقدمها كنموذج لسوريا القادمة، وقد تفتح الأبواب لنقل سوريا من نظام مركزي دكتاتوري، إلى نظام فيدرالي لا مركزي، تتمتع فيه كل مكوناتها بالحرية والديمقراطية، وهي من أول الشروط التي ستحسن ظروف حياة للمجتمع، وستفتح الأبواب للراغبين بالعودة إلى الوطن. ولا شك فهي في واقع الإدارة الذاتية من ضرورات مرحلة إثبات الذات، وبداية البناء، وحيث الإمكانيات المتوفرة ودون مقارنة بالنظام أو المعارضة التكفيرية، لكن ما يجري يزيد من المطبات والعوائق أمام النجاح.
لا شك المعني بالاهتمام هو الشعب، ففي كل أحاديثنا، وانتقاداتنا لأطراف الحراك، يكون واقع المجتمع هو البوصلة، وللأسف ما بلغه شارعنا الكوردي حتى اللحظة شبه كارثي، وهو ما سهل شرخه إلى جهتين أو أكثر ويتمتع البعض بتوسيعه يوما بعد أخر، وهو ما تبين من خلال دعم أو اللامبالاة بالهاشتاغ من جهة، والرفض أو السكوت على الاعتقالات السياسية الجارية من قبل اسايش الإدارة الذاتية، علما أن أغلبية الشعب الكوردي يؤيدون مضمونه، ويرفضون الاعتقالات التعسفية. فهل من ينتبه ويدرك ما يرغبه الشعب، ويعمل على تحقيق أقل مطالبه، والمعني هنا هما طرفي الحراك الكوردي المفروضين على المجتمع بقدرة قادر؟