الاستقلال في ضَحكة نيجرفان بارزاني
إدريس سالم
ماذا يعني استقلال كوردستان؟
هو لا يعني انهيار الوطن العربي، أو اجتياح الشرق الأوسط، ولا تدمير سوريا والعراق وإيران وتركيا عن بكرة أبيهم، ثم لماذا يخافون من استقلال كوردستان ولا يخافون من تحرير لواء اسكندرون والجولان والقدس وسيناء؟
الاستقلال يعني أن تكون كوردستان تحت الوصاية الكوردية.
الاستقلال يعني أن نعيش تحت رحمة الاستعمار الكوردي.
الاستقلال يعني أن نرسم حياتنا بأيدينا، لا أن يرسموها لنا بدمائنا.
الاستقلال يعني أن يحكمنا كوردي، لا أن يستبدّنا عربي أو تركي أو فارسي.
الاستقلال يعني أن يقف الرئيس الكوردي – في كل خطاب أو لقاء – خلف علم واحد، وليس علمين اثنين.
الاستقلال يعني أن نفتح في كل دولة سفارة كوردية، وفي مدنها قنصليات، وليس ممثلية أو منظمة حزبية.
الاستقلال يعني أن نتعلّم لغة واحدة، ونكون أحراراً في تعليم باقي لغات العالم، وحتى نحصل على الاستقلال علينا أن نتعلّم ونتنوّر من ثورات وانتفاضات كوردستان على مرّ التاريخ.
مُخطئ مَن يرى أن جهة سياسية معيّنة تستطيع حجب الثقة عن أيّ حكومة شرعية، فالشعب هو مَن يحقّ له حجب الثقة عن الحكومات، عندما يخرج إلى الشارع أو يقاطع العمل في مؤسسات الدولة، لأن الحكومة تمثله وتعمل من أجله، وليس جهة سياسية معينة، التي تطالب بحلّ حكومة ما وتشكيل حكومة أخرى، تحت اسم ”حكومة إنقاذ وطني”، هذه الجهة التي لها أهداف حتمية خاصة بها وبأجنداتها، دون أخذ أي اعتبار أخلاقي وإنساني وسياسي للشعب «لعلّ الجميع يدرك لم تطالب حركة التغيير بتشكيل حكومة إنقاذ وطني!!».
لقد سمح الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لها بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، في الدول التي تعاني من الفوضى والارباك والتدهور، والتي لا تستطيع تشكيل حكومة لها، وبالتالي تؤثر في حالة السلم للدول المجاورة خاصة والعالم بشكل عام، وهذا الحال لا ينطبق على إقليم كوردستان، بقدر ما تنطبق على العراق، التي تحكمها أيد خفية كثيرة «قد يكون هناك سياسيون فوضويون، ولكن لا يوجد أي فوضى أو إرباك على أرض الإقليم»، لكون هذه الحكومة لها شرعيتها المستمدّة قانونياً ودستورياً من قبل الشعب الكوردي في الإقليم، ومعترف بها دولياً وإقليماً، بدليل أن بعد أحداث خيانة 16 أكتوبر أبدى غالبية الدول الأوروبية عن دعمهم لهذه الحكومة، والعمل معها.
هذا وقد شهد إقليم كوردستان بفضل قيادتها وحكومتها تطورات مهمة وكبيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بدأت ملامح ظهورها في عام 2008 ولا زالت مستمرة حتى اليوم، رغم الصعوبات والعقبات، وعلى طريق هذه التطورات كانت هناك التضحيات الجسام لتعبيد طريق الحرية مع إيمان راسخ بأن قدر شعب كوردستان لا يضعف أمام أي امتحان ربّاني أو نكسة أو خيانة.
حيث قدمت حكومة نيجرفان بارزاني إلى جانب الحكومات السابقة صورة جديدة عن إقليم كوردستان للعالم، ما استقطب اهتمام الشركات الدولية ورجال أعمالها وتجّارها، هذه الصورة التي قدمت انفتاحاً دولياً واسعاً على كوردستان أرضعاً وشعباً وقضية تاريخية، إضافة إلى مصادقة قوانين وتشريعات مهمة على القطاعين العام والخاص، والدفاع عن قضايا المرأة والطفل، وتطوير التعليم الجامعي، وإقامة معارض تجارية دولية، والعديد من المشاريع الخدمية وغيرها لمواطني الإقليم.
تلعب حكومة نيجرفان بارزاني الآن دوراً بارزاً وقوياً مع حكومة حيدر العبادي، التي أصابتها الغرور والجشع، للحوار حول المادة 140 وبقية المشكلات العالقة، رغم التخاذل والحياد الذي تلعبه دول أوروبية «الغرب مع الحوار.. فقط إعلامياً»، إضافة إلى عِناده كرئيس للحكومة وعناد القيادة الكوردستانية التي ترفض إلغاء نتائج الاستفتاء، رغم أنه لا يوجد أي جهة سياسية معينة تملك أحقية إلغاء النتائج، فإلغاء استفتاء الاستقلال يحتاج إلى استفتاء الإلغاء، وستكون نتائجه 0% لو حصل ذلك «حتى لو نطق الكورد للعراق بإلغاء الاستفتاء ألف مرة فلن يغير ذلك شيء من طبع قادته وشعبه وسياستهم المستبدة، لإن الحكومة العراقية الاتحادية وبرلمانها لم يبلغا سنّ الرشد الديمقراطي».
إن رئيس وزراء إقليم كوردستان ليس رجل مرحلة محدّدة، بحسب ما يُقال ويُحلّل من قبل البعض، بل سيكون رجل كل مرحلة «العائلة البارزانية عائلة كل مراحل الحركة الكوردية التحرّرية، منذ ظهورها، وحتى اليوم»، فهو شخصية شابة وقوية وطموحة وذكية ومدعومة من الشعب الكوردي، وعلاقاته بالغرب والدول الإقليمية قوية، يملك مفتاح مستقبل إقليم كوردستان، يضحك في لقاءاته ويُحسن انتقاء هذه الضحكة في توقيتها وبشكل عملي، فهو لا يضحك على حساب دماء شهداء كوردستان، ولا دمار مدنها، ولا تشتت شعبها، وهو ما يجعل ضحكته حالة وعي سياسي، وخلف ضحكته استقلال قادم.
ختاماً يجب التذكير والتوضيح على حقيقة أن نيجرفان بارزاني لم يقفز إلى موقع المسؤولية في حكومة إقليم كوردستان وأيضاً كنائب لرئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بل إن وجوده في هذين الموقعين لم يأتِ بشكل فجائي، كما أنه لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولم تتوفر له في بداية نشأته حياة العزّ والترف، بل على العكس من ذلك تماماً، شأنه شأن غالبية قادة إقليم كوردستان، والعائلة البارزانية التي فقدت الآلاف من أبنائها، من خلال الحروب والثورات والانتفاضات والمجازر، التي عاشوها في عهد نظام صدام حسين، فالرجل الذي عرف مقاتلاً في صفوف البيشمركة إبان حرب التحرير أصبح اليوم أملاً لكل شباب كوردستان والجيل الجديد، في أن ينهض بالإقليم من نكسته وخيانته باحتكامه للغة العقل والتوازن، وسياسته الحكيمة، وضحكته التي يخبّأ خلفها حلم الاستقلال، الذي مُحال أن يتبخّر.