الأديب المؤدب كوردياً
عباس عباس
لو أن الذي كتبه أو دونه سليم بركات (كمثال) باللغة الكوردية وبتلك الفصاحة المعروفة عنه، هل كنا سنقرأه ونتابعه أو ننقده كما نقدناه البارحة واليوم؟
الحقيقة لا أعلم مدى شهرته في الأوساط الثقافية الكوردية في شمال كوردستان، أي في القسم المحتل تركياً، ولا أعلم أن كان على قائمة أفضل الكتاب في سليمانية أو في مهاباد، إنما الذي أعلمه حقاً هو أنه كاتب له مكانته المميزة في الوسط الثقافي العربي وإلى حدٍ ما بين الكورد المستعربة أو الذين يتقنون اللغة العربية!
هذه المكانة المميزة كما قلت عنها، وكما أعتقد لم تأتي من فكره المتقد أو من مواقفه الإنسانية الخيرية للبشرية أو حتى لشعبه الكوردي، إنما لأمرين تميز بهما.
إتقانه للغة الضاد وقدرته على التلاعب بالكلمة ضمن جمله الخنوق، حين ينقل القارئ من جملة لأخرى بدون أحرف عطفٍ أو جر، وكذلك تقديمه الكلمة العربية المنتهية صلاحيتها على الكلمة الدارجة اليوم أو المحكية، وهو ما يجعل القارئ العربي أو غيره يعتقد أنه إنما فحل الكلمة بدون منازع!
أما الأمر الثاني فهي لا تعود له أو بفضله، إنما متعلقة بشخص محمود درويش نفسه، وإلى تلك القصيدة التي قالها لشخص سليم بركات كما يقال (ليس للكوردي إلا الريح)، أي أن المكانة المميزة التي توقف عندها سليم بركات كانت بدرجة التابع لدرويش وليس العكس.
ككتاب أو كمثقفين من العهد الماضي حيث الأممية والاشتراكية واعتبر نفسي منهم إلى حدٍ ما، لم نميز بين القضية الفلسطينية وبين القضية الكوردية، بل كنا نحارب الرأسمالية والاستعمار حتى في كوبا وأرجنتين وجنوب أفريقيا، وهذه كانت حلاوة الماض، إلا أن الغريب في الأمر وفي تلك الحقبة من الزمن الجميل كما يسميه البعض، هو عدم مشاركة الفلسطيني أو العربي بل حتى الأمميين في العالم أجمع هموم الكوردي كما فعلها درويش في قصيدته تلك، أي كانت دائماً قضيتنا على الرف حتى بدون اعتراض الكاتب أو المناضل الأممي الكوردي على ذلك!..
حاربت مع الفدائيين (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. نايف حواتمه) كما حارب سليم بركات وصلاح بدر الدين ضمن الفصيل التابع لياسر عرفات بشكلٍ أو بآخر، ولم نسأل أنفسنا أو لم أسأل نفسي حتى بعد حين، كم هو عدد الفلسطينيين ضمن الثورة الكوردية، هذا طبعاً إذا كنا على يقين أن أغلبهم كانوا مع صدام حسين ضد ثورة البرازاني، والأهم فيهم المقبور ياسر عرفات نفسه.
لم تدم هذه الحالة حتى استيقظ الكوردي من سباته، ليتحول بعد فترة وجيزة إلى لسانه وعظماء إمته من كتاب وشعراء لينهلوا من تراثهم العريق، وكما تشاهدون اليوم حيث المئات، بل الآلاف من الشعراء والكتاب رجالاً ونساء وهم يقدمون كل ما باستطاعتهم تقديمه حتى بدون أن ينالوا كلمة شكر من قومهم أو من باقي القوميات كما هو دارج في هذا المجال عالمياَ.
إلا فئة قليلة وهي التي ثابرت على خطها بعيداً عن القضية الكوردية وعن لغتها، ولا أعلم إن كان بإمكاني تسميتهم بالفئة الضالة، وخير من يمثلهم الكاتب سليم بركات، فهو لم يبرح عن خطه الداعم للفلسطيني الصدامي ولم يلتفت للغته الكوردية على الرغم أن كل الإمكانيات متوفرة في دولة السويد حيث يسكن الآن، بل أنه وقد وضع نصب عينه معادات الثورة الكوردية بحجج لا تعنيه ككاتب عربي فلسطيني إن صح التصنيف النهائي لما يقدمه من نتاج.
أحترمه ككاتب بخلاف فكره وموقفه من القضية الكوردية عموماً، والخلاف بيننا مبدئي، هو لم يقدم على خيانة الفلسطيني، إنما كشف سره المحفوظ لديه، واعتبر ذلك نقيصة في شخصه كمؤتمن، وهو ما يتم النقاش عليه اليوم بين الطبقة المثقفة العربية والكوردية على حدٍ سواء، وأظن أن الأخ حليم يوسف أراد أن يقول هذا بدون رتوش أو تعسيل، كعادته كأي عامودي (من مدينة عامودا).
مع ذلك يبقى سليم بركات حقيقة صاحب المكانة المميزة في اللغة العربية وقد سبقوه في هذا الخط أكراد أعتقد نعتز بكرديتهم وإن لم يفعلوا للكورد شيئاً، وخيرهم أحمد شوقي ومحمود عباس العقاد ومحمد عبدو وقاسم آمين وكورد علي …وووو الخ.