الإدارة الذاتية
عباس عباس
أو الحكم الذاتي للمناطق ذات الغالبية الكردية، وهي المناطق التي تم السيطرة عليها كرديا بالدم، دماء الألاف من الشهداء من خيرة شبابنا وبناتنا.
كنت اتخذت قراراً منذ أشهر بعدم الولوج لساحة السياسة الخاصة بهذه المناطق، والابتعاد قدر الإمكان عن الذي يجرى على ساحاتها من أحداث، خاصة تلك التي تمس قومي الكرد مباشرة، والتقيد بقدر الإمكان بالوجه الأدبي كحاجة ملحة هي الأخرى.
طبعاً قرارٌ بهذا الشكل في عصر التقنية المتطورة في نقل الأحداث الساخنة جداً صعبٌ تنفيذه، مع ذلك حاولت إلا أني فشلت، وأعتقد أن الأمر كان أصعب ليس لأني كاتب فحسب، بل لأني كردي والأمر يتعلق بمصير أمةٍ مسحوقة من كل الجوانب، سياسياً واقتصاديا وعرقياً، بل حتى إنسانياً، وليس كما هو الحال في البلدان المتطورة، اقتصادية شاملة أو حزبية ضيقة فقط.
لنعد للب الموضوع، الإدارة الذاتية، وحتى أثبت فشلي في تنفيذ القرار، سأدلو كذلك بما يختلج في صدي من همٍ وغم على مصير ومستقبل هذه الإدارة، طبعاً من وجهة نظري ككاتب ومن على كرسي في غرفة بعيدة جداً عن مركز القرار، أي لنقلها صراحة إنما هو رأي، والصواب والخطأ متساويان.
طبعاً الحديث عن الإدارة الذاتية إنما نعني قوتها العسكرية والسياسية، أي القسد، وليس الإدارية فقط، وأعتقد أن إدارة بهذا الحجم والحديثة العهد، ستكون مغامرة غير معروفة العواقب، مع ذلك لطالما عشت مغامراً فلنجرب.
قيل فيها بأنها صنيعة النظام، وقيل كذلك أنها صنيعة حزب العمال الكردستاني، وكذلك قيل إنها أمريكية بل حتى إيرانية،
والحقيقة وكما قلت من وجهة نظري الضيقة جداً، هي أنها صنيعة كل هؤلاء مجتمعين، ذلك لسببٍ بسيط جداً، فالنظام حاول وبكل الطرق إبعاد الكرد عن الصراع الداخلي لعلمهم المسبق بماهية الكرد وقوتهم، ولم تجد وسيلة سوى إطلاق صراح المئات من شباب وبنات الكرد السوريين المعتقلين لديها بحجة انتماءهم للحزب العمال الكردستاني، وكان ذلك بهدف ترطيب الجو مع كردوغان حين ذاك، أي قبيل الزيارة التي قام بها الأسد الأهبل لإستانبول، وهنا يمكننا القول بأن الأمر يتعلق بالنظام، وكذلك بالعمال الكردستاني. (طبعاً لست على اليقين).
طبعاً الهدف كما قلت، إبعاد الكرد أو إقناعهم بالابتعاد بشروطٍ ووعود، الشرط الأول كما هو معلوم، الحفاظ على مراكز الأمن الخاص بالنظام ضمن تلك المناطق، أما الشرط الثاني، هو الإبقاء على الديمغرافية التي كانت عليها في لحظتها، أي بما معناه، الحفاظ على الغمريين كما هم عليه، أما الوعود وأظنها كانت كذلك متعددة إلا أن الأسد لم ينفذ منها حتى اللحظة سوى منحه الجنسية لبعضٍ من كان قد سحبت منهم الجنسية، وكانت هذه كذلك في البدايات وفي الوقت العصيب له . إلا أن المفاجئة التي أوجعت النظام وعملائها قبل أن توجع كردوغان، هي النجاح الباهر لقسد في صدهم التاريخي لداعش ونجاحهم المستمر في كيفية اللعب على جميع الأوتار، بخلاف ما كانوا يتوقعون، وهي أن تبقى تحت الطلب.
داعش كانت المفاجئة ليس للإدارة الذاتية فحسب، بل كذلك وبشكلٍ خاص للإقليم الكردي في العراق، طبعاً هناك اختلاف في وجهات النظر بخصوص هذه القوة المارقة التي تجاوزت كل القيم الإنسانية، منشأها والهدف من وجودها.
والحقيقة ومن وجهة نظري، هي لم تكن سوى لعبة من نوري المالكي الإيراني، وهي شبيهة حتى التطابق لما قام به النظام السوري مع العناصر المعتقلين لديها من العمال الكردستاني السوريين، وكان الهدف من وجودهم ضرب السنة في العراق، ولم يكن تعدادهم يتجاوزون الثلاثمائة فرداً، وهم من بقايا البعث الصداميين المتأسلمين في سجونهم، إلا أن المفاجئة للداعشيين قبل أن تكون للمالكي كانت في الموصل، ذلك بهروب فرقة كاملة من الجيش العراقي وتركهم كامل السلاح من دبابات ومدافع في مكانها، حتى تحول الهدف الأساس السنة بعد حصولهم على السلاح اللازم والعناصر اللازمة، إلى القضاء على الإقليم الكردي، ومحوه من الوجود، طبعاً باتفاق تركي بعد أن تدخلت على الخط مادياً وسياسياً، وكادت أن تنجح داعش لولا تدخل الأمريكي بشكلٍ مباشر.
طبعاً هنا لسنا بصدد التضحية المعروفة من القوات البيشمركة وغيرهم في مجابهة هذه القوات وقد كادت أن تصل لمشارف أربيل.
اليوم تعيش الإدارة الذاتية أحلك الظروف، بعد أن خسرت عفرين وغيرها من المدن لصالح ألد أعداءها، تلك التي دفعت ثمن تحريرها من الدواعش الألاف من الشهداء، وهي تعيش اليوم كذلك حصاراً خانقاً ليصل إلى حدود رغيف الخبز، وهي تعيش اليوم على وتر التناقضات الأمريكية الروسية حتى تجعلها في دوامة من أمرها.
والأشد إلاماً من هذه وتلك هي الأخوة الأعداء، طبعاً أعني المجلس الوطني الائتلافي، المتربصين بإخوتهم في الإدارة للانقضاض عليها بحجج يدركونها أنها كانت في صميم ثورة البرازاني في حينها، كتهمة العمالة لدولة عدوة أو لدولة رأسمالية وما إلى ذلك من تهم أصبحت معلومة، وللحقيقة هم متهمون بها قبل غيرهم، فواقعهم وموقعهم السياسي يثبت ذلك قبل غيرهم.
والسؤال المطروح اليوم:
هل ستستمر الإدارة الذاتية في نجاحاتها كما فعلت لمدة العشرة السنوات الماضية، أم أنها ستقع في شرِ اتفاقياتها مع النظام أولاً ومع الروس والأمريكان ثانياً؟
أعتقد أن الجواب سنسمعه بعد تفعيل إدارة بايدن لعملها هناك، وما تحركات تركيا في المدن الكردية المحتلة مع الفصائل الإرهابية التابعة لها الآن، وكذلك النظام من مجموعات عشائرية وخلايا بعثية داعشية نائمة، إلا إشارة لما ذهب إليه المالكي مع داعش ضد الإقليم، واستباقه لما يمكنه أن يفعله بايدن من أمرٍ إيجابي للكرد أولاً وللمجموعات العرقية المشاركة للقسد.
الأيام القادمة ستكون حالكة وحالكة جداً، وستكون محكاً حقيقياً لذكاء وحكمة القيادة في هذه الإدارة، وما نرجوه هو أن يسدد الرب خطاهم، وأن يجعل نار الأعداء برداً وسلاماً على أمتنا وعلى الإنسانية جمعاء.