احتلال عثماني بتواطؤ حكومي

احتلال عثماني بتواطؤ حكومي

احمد حسين

2025-11-02T21:47:19+00:00

أطلّ علينا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يوم الأحد الماضي بما أسماه جزافاً ومجانبة للحقيقة بـ"اتفاقية المياه" بين حكومته التي تلفظ أنفاسها الأخيرة وبين رجب طيب أردوغان "المهووس بالعثمانية الغابرة"، هي ليست اتفاقية أساساً بل أنها مشروع استثماري "استعماري" تركي لاحتلال العراق تحت عنوان كاذب، بل أنها ليست حتى استثماراً حقيقياً وإنما هي "خاوة" منحها رئيس الوزراء إلى أردوغان بكل ممنونية.

هي ليست اتفاقية لأنها أُبرمت وفق مقاسات الطمع والحلم الأردوغاني بعودة الاحتلال العثماني بعنوان جديد، ولا تتضمن هذه الاتفاقية أي حق للعراق بل أنها تسلبه حقوقه الوطنية والدستورية والطبيعية والأممية حيث سلّم رئيس الوزراء حصص العراق المائية وسدوده وخزاناته إلى الشركات التركية لتتحكم به كيف تشاء، فأي اتفاقية هذه التي تمنح شركات استثمارية لا تنظر للعراق إلا ككعكة يجب قضم أكبر حصة منها؟، وكيف الحال إذا كانت هذه القضمة هي سر الحياة وأساس وجود العراق، فما حاجتنا للنفط إن خسرنا الماء؟!.

وهي مشروع لأنها تُدار من قبل شركات استثمارية وليست من قبل الدولة العراقية ولا حتى الدولة التركية، وبطبيعة الحال هذه الشركات لا تعمل مجاناً ولا هي مؤسسات خيرية تقدم خدمات استشارية دون مقابل، بل المصيبة أن العراق سيدفع لهذه الشركات أموالاً "غير معلوم مقدارها" مقابل ما ستقدمه من خدمات لم يتم الكشف عن طبيعتها أساساً.

كما أننا لا نعرف ما هي هذه الخدمات التي ستقدمها الشركات التركية، فالسدود موجودة منذ عشرات السنين، فما الذي ستضيفه هذه الشركات للبنى التحتية العراقية؟، أما المليار متر مكعب من المياه التي ستطلقها تركيا للعراق ضمن هذه الاتفاقية فهي مجرد وعد لا أكثر لا يختلف عن عشرات الوعود الأردوغانية السابقة، وحتى في حال إطلاق هذه المليار الافتراضية فهي أشبه ما تكون بقيام أحدهم بسرق مليون دينار منك ومن يعيد إليك 100 ألف دينار، وانت بكل سذاجة تفرح بهذه "المكرمة السخية" حيث أن الواردات المائية لنهر دجلة فقط، كانت تصل إلى نحو 23 مليار متر مكعب سنوياً.

والأمر لم يقف عند هذا الحد من الاستغلال والاستعمار، فالرجل لم يسلم الملف المائي إلى "عدو خطير" بل أنه أسقط الديون العراقية المترتبة بذمة "جارة الشر"، ولم يكتفِ بذلك بل رفع سقف الاستيراد العراقي من تركيا إلى 30 مليار دولار سنوياً أي ما يقارب ضعف السقف الحالي، أما مسمى "التبادل التجاري" فهو كذبة سياسية لأن العراق لا يصدر لتركيا أي شيء.

وهي أيضاً استعمار بوجه آخر لأن الماء سلاح أخطر من الثروة النفطية حيث أن هناك العديد من البلدان في مختلف القارات التي لا تمتلك نفطاً ولا غازاً ولا أي ثروات معدنية أخرى لكنها حققت ازدهاراً اقتصادياً أو على أقل تقدير اكتفاءً ذاتياً بفضل الثروة الزراعية التي تنعش بدورها الثروة الحيوانية من مواشي وأسماك وغيرها، وكل هذه الثروات تعتمد بالأساس على الماء، وهنا تمكن خطورة الغزو العثماني الجديد الذي تم توثيقه رسمياً بما أسماه رئيس الوزراء "اتفاقية"، أي بمعنى أوضح هو غزو بتواطؤ حكومي.

لا أدري ما هو مبرر هذه المسماة "اتفاقية"، ولماذا تتولى شركات تركية أو غير تركية إدارة ملف المياه في العراق، هل نهريّ دجلة الفرات ظهرا فجأة قبل أيام، من قبلهما كان العراقيون يجهلون كيف يستثمرون مياههم، أم هل نحن من سكان الصحاري والبراري ولا نجيد توظيف الماء، أو ربما جئنا من كوكب آخر ليس فيه ماء وحين هبطنا في بلاد الرافدين فوجئنا بهذا العنصر الطبيعي الجديد على أعيننا وعقولنا، فبادر رئيس الوزراء "المنقذ المخلص" ليتدارك جهلنا وعدم معرفتنا بالثروة المائية واتفق مع جارتنا العزيزة جداً والمخلصة جداً والحنونة جداً لتنقذنا من الفناء؟!.

حاولت أن أجد تفسيراً منطقياً لإقدام رئيس الوزراء على توقيع هذه "المؤامرة" ضد العراق والعراقيين وثرواتهم الزراعية والحيوانية والسمكية والصناعية ولم أصل إلى نتيجة سوى أن الرجل على ما يبدو يئس تماماً من الولاية الثانية فأراد "الانتقام" لنفسه أو ربما الانتقام من الأحزاب أو العراقيين عموماً بتوريط البلاد والعباد بهذه الطامة الكبرى التي لن نتخلص من تداعياتها الخطيرة لعقود من الزمن.

لو أن الشعب التركي بأجمعه اعتكف لمدة عام كامل للتفكير بمكافئة لرئيس الوزراء على ما قدمه لتركيا فأنا على يقين أنهم لن يوفوه حقه لقاء خدماته الجليلة التي لن يقدمها أشد الأتراك وطنية وتعصباً وحباً لبلده، رئيس وزراءنا يستحق تمثالاً من الماس يُنصب في قلب أنقرة، لكن أخشى أن تكلفة هذا التمثال يدفعها العراقيون وليس الأتراك.

وكالة شفق نيوز لا تتحمل مسؤولية الآراء الواردة في المقالات

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon