أزمة رؤية رغم وضوح الطريق
جاسم الحلفي
يبدو الامر مفهوما عندما تغيب رؤية الحل لأزمة نظام الحكم في عيون شاب يافع. وكذا الأمر حينما يصعب فهم طرائق التغيير عند بسطاء الناس. لكن الامر يغدو مؤلما حينما تتضبب الرؤية عند المثقف، وتضيع عنده الحلول، وتتعقد امامه الطريقة، ويصاب بالسوداوية واللا جدوى.
صحيح ان ازمتنا العامة من العمق بحيث لا يمكن للحلول البسيطة، ولا للنظرة السطحية في التحليل ولا للتفاؤل الساذج، ان يفضي الى مخرج سريع. وصحيح ايضا ان التعقيد في الاوضاع السياسية وتشابكها وما تنتج من مخاطر يتطلب عقلا خلاقا وتحليلات رصينة وفكرا متقدا لطرح ممكنات التغيير، الى جانب الارادة الصلبة، والاصرار والتفاني، والعمل الدؤوب والنشاط المستمر. وهنا يكمن دور المثقف الواعي لدوره التاريخي وتمييزه في الاسهام باحداث التغيير.
للاسف نرى البعض من مثقفينا لا يرى لنفسه دورا غير التذمر والسلبية واشاعة اليأس واللاجدوى في اي عمل. وهناك من يشكك في الحركة الاحتجاجية ولا يرى اي ايجابية في معارضتها نظام المحاصصة والفساد. يراها فعلا غير مجد ولا يمكن له مجرد ازعاج فاسد! بل يراها تزين صورة الحاكم وتجملها!
لسنا هنا في معرض استعراض ما حققته الحركة الاحتجاجية، واشاعتها للأمل في النفوس بأن التغيير ممكن. فهذه الحركة التي واصلت انشطتها واستمرت في احتجاجاتها، دون كلل او ملل، وواجهت كل الضغوط والعراقيل والمخاطر التي لم يكف الفاسدون عن وضعها امامها، تمكنت من توجيه النظر الى المعركة باعتبارها معركة شعب كامل يطالب بحقوقه مقابل طغمة فساد نهبت خيرات البلد.
لنفترض جدلا صحة الفكرة التي يتبناها بعض المثقفين، بان طريق الاحتجاج، أو المآل التي وصلت اليه حركة الاحتجاج لا يحقق المبتغى في حشد المواطنيين حول مطلب التغيير. لكنهم لم يطرحوا طريقا اخر للتغيير، وتلك واحدة من صور العجز الفكري الواضح.
كما انه في الوقت الذي يتم التركيز فيه على ان مدخل التغيير، هو اصلاح المنظمة الانتخابية برمتها، من قانون الانتخابات والمفوضية الى الاجراءات الاخرى نلحظ جوا مناسبا لانتخابات حرة، دون تزييف ارادة المواطنين وتزوير اصواتهم. هذه المطالب التي تحسس المتنفذون خطورتها على مواقعهم، واستنفروا قواهم للتصدي لها بكل الطرق والسبل، لم يلاحظها بعض المثقفين، ولم يتأملوا ابعادها. بدلا عن ذلك نجد فيهم من يعلن عدم استعداده للمشاركة في الانتخابات القادمة، وبهذا لا يتنازل عن حق الاسهام بالتغيير وحسب، بل ويستسلم سلفا في بداية المعركة، الى جانب اشاعته اليأس والقنوط امام الواقع المر، الذي يعد تغييره من صميم واجبات المثقف.
ان هناك طريقا واحدا لا غير يفضي الى انهاء ازمة النظام السياسي القائم، وهو طريق تغيير موازين القوى لصالح المشروع الحامل للهوية الوطنية. ولم تعد معرفة ذلك مستعصية على الفهم، ولا العمل من اجلها مستحيلا.
انه الطريق المفضي الى تغيير بنية النظام من اساس المحاصصة الى دولة المواطنة، الدولة المدنية الديمقراطية، دولة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية.