يدالله الفيلي .. رجل من زمن النضال
فؤاد روند/ الغريب في الامر وبعد 88 سنة من حیاته لم یعرف احد اسمه الحقيقي إلا القليلون منهم. عرف باسم یدالله الفیلي وكاكه یدي، وكان یحمل اسما حركيا ایضا یعرف به "زال". ذكي فی عمله السیاسي وحتی آخر ایام حیاته ذاكرته كانت تحتفظ بأدق التفاصیل عن عمله السیاسي من سنة 1948 الی رحیله.
عبد كریم مراد فتح الله، من موالید العام 1934 مدینه بغداد. خریج اعدایة التجارة، من أسرة كانت تعمل بالتجارة، كان یحتفظ بكل وارده من المال ویدون كل مصاریفه، بأدق التفاصیل، مع انه كان سیاسيا لم ینس بأنه تاجر ایضا، حتی كان یدون أسعار كل شيء يشترى له. عند ذلك اكتشفت بانه أنسان دقیق ونزیه.
یتقن الكوردیة بـثلاث لهجاتها الفیلیة، السورانییة، والبهدینیة، مع العربیة، الفارسیة والانگلیزیة. قاريء جید، كانت له مكتبة، كل مقتنیاتها نظيفة وبأحسن الاحوال. في سنة 2017 تيمنا بالأستفتاء في جنوب كوردستان اهداها لمؤسسة موسوعة الحزب الدیمقراطي الكوردستاني. كتب، مجلات، وجرائد. لكنه لم یهد البوم صوره، وقال: انها لیست ملكي بل ملكا لأسرتي. أعجب بكتاب للتاریخ بقلم الزعیم مسعود البارزاني وكان یردد دائما، أن الزعیم أكمل عملیة أستفتاء استقلال كوردستان بكتابته لهذا الكتاب.
ترعرع بمدینه بغداد، ومن المعجبین بالدكتور جعفر محمد كریم الفيلي، عضو المكتب السیاسي للپارتي، وكان اول من اعلمه بوجود زعیم كوردي في المنفی، وعلم بأن مصطفی البارزاني یعیش في الاتحاد السوفیتي، وبتعلیمات منه شجع شباب محلته بالانخراط في مظاهرات بغداد ضد معاهدة بورتسموث، التي كانت تخدم بقاء النفوذ البریطاني في العراق. وجد نفسه العام 1950 بین انتخاب الحزب الشیوعي العراقي أو الحزب الدیمقراطي الكوردي. لم یطول الأنتظار وأصبح من أنشط اعضاء الفریق الثاني. سنة 1951 لنشاطه المشهود رشح لعضویة لجنة محلیة بغداد، العام 1953 كان الوسیط لایصال البرید الحزبي بین قیادة الپارتي والدكتور جعفر محمد كریم الساكن في مدینة طهران، العام 1953 أشترك بالمؤتمر الاول لاتحاد الشبیبة الدیمقراطي الكوردستاني، الذي انعقد بمدینة بغداد وهو من مؤسسیها الأوائل. العام 1954 عین موظفا حكوميا وكان یستفید من اجهزة الطباعة المتوفرة في عمله لطباعة النشرات السریة. العام 1957 أصبح المسؤول الأول للجنة محلیة بغداد، المهم في ذلك ان هذا الترشیح جاء بعد الاتحاد الثاني العام 1956 والاتحاد الثالث 1957 للحزب الدیمقراطي الموحد الكوردستاني. في 6 تشرین الأول 1958 كان في مطار المثنی ضمن فریق أستقبال الزعیم مصطفی البارزاني. وبأمر من الزعیم أصبح عضوا في اللجنة الخماسیة لتجدید أنتخاب الهيئة العاملة لنادي الترقي الكوردي، وهو اعرق ناد كوردي بمدینة بغداد.
في 30 حزیران 1959 كان مندوب كونفرانس بغداد الثانی، وأعجب بالزعیم الكوردي عندما ختم الكونفرانس بقوله : یا رفاق، أنتم تتهمون المحامي حمزه عبدالله بالذیلیة للحزب الشیوعي العراقي، یجب علینا حل هذا الموضوع في المؤتمر الرابع. ولیكن المؤتمر هو الحكم. كان مندوبا في المؤتمر الرابع للحزب العام 1959، ومن خلال البارزاني تعرف علی الدكتور مراد عزیز، وهو فیلي من شرق كوردستان، الذي اصبح عضوا في المكتب السیاسي. العام 1960 انتخب احتیاطا لعضویة لجنة المتابعة والتفتیش العلیا وبعد مدة قصیرة اصبح عضوا رسمیا، وقال: إن البارزاني كان یرید بسلطة قانونیة اعلی من خلال المؤتمر كمحكمة عند وقوع المشاكل التي تقع بین مؤسسات الحزب. وشاهدت عمق تفكیر البارزاني حول هذا الموضوع في وقائع العام 1964. في ایلول 1961 كلف مع المرحوم جلال الطالباني من خلال المكتب السیاسي، الی الذهاب الی السلیمانیة للتنسیق مع العشائر المنتفضة ضد سلطة بغداد. كان معجبا بشجاعة صدیق دربه الطالباني وكان یقدر قدراته السیاسیة، لكنه لم یوافقه الرأي بعد انشقاقه العام 1964 و 1966.
سنة 1961 كان مسؤول تمویل قوات ثورة أیلول بالمعدات اللازمة. ویساعد عبدالحسین الفیلي عضو اللجنة المركزیة في ادارة الخط العسكري السري.
العام 1963 كان مندوب مؤتمر الشعب الذي اقام في كویسنجق، وانتخب عضوا في لجنة التفاوض مع حكومة بغداد، في 9 حزیران 1963 سهل هروب المحامي حبیب محمد كریم الی مملكة ایران، وجلس في بغداد بصورة سریة مع الجنرال تیمور بختیار الرئیس السابق للسافاك الایراني، لانقاذ جلال الطالباني الموجود في مدینة بیروت، الذي كان ینوي الرجوع الی بغداد، تكلما بالكوردیة معا، ساعد الجنرال لایصال رسالة الی الطالباني مفادها، بأن الرجوع فیه خطر. مع كل الاحتیاطات اللازمة لكنه اخیرا وقع في الأسر بعد كشف وكره. عذب حتی الموت علی ید الحرس القومي، لكشف خیوط الخط العسكري. اعتقل في سجن الحلة وسجن بغداد المركزي، واصبح ایقونة المقاومة وتوج من قبل الحزب بلقب بطل كوردستان، خطط للهروب من المعتقل مرتین وفشل لعدم استجابة رفاقه خارج المعتقل.
العام 1964 كان ینوب عن حبیب محمد كریم، في الإجتماع الموسع في ماوت، تحدی القرارات لجناح المكتب السیاسي، واقترح الحوار مع الرئیس، لكنه فشل. أنتخب سنة 1964 من قبل مندوبي المؤتمر السادس لعضویة اللجنة المركزیة، رغم انه لم یكن موجودا في قاعة المؤتمر الواقع في قلعةدزه. وفي نفس السنة اصبح عضوا بمجلس قیادة الثورة في كوردستان العراق والمكتب التنفیذي وعضوا في اللجنة المالیة لهذا المكتب، الذي كان يشبه بعمل مجلس الوزراء والحكومة. وبخبرته قام بتنظیم السجلات، والاستمارات و الارشیف، وضع الارشادات للعمل بها وتربیة الكوادر اللازمة للقیام بالعمل المخول لهم. العام 1965 اصبح عضوا في المكتب السیاسي ومسؤول الفرع الخامس في بغداد، الذي كان محل الاتصالات الخارجیة للثورة ومحل تمویل اكثر احتیاجاته.
انتخب سنة 1966 في المؤتمر السابع في گلالة الواقعة بمحافظة أربیل لعضویة اللجنة المركزیة، في اوئل نیسان 1967 خرج بأعجوبة من مدینه هولیر المحاصرة، المتجحفل فیها قوات عسكریة عراقیة كبیرة وهو ینوي السفر لمقر المكتب التنفیذي في ریزانوك الواقعة في منطقة بالك، للاشتراك بكونفرانس هام، (أشترك بتاریخ 15 نیسان 1967 في الكونفرانس السیاسي ـ العسكري).
سألته كیف عبر كل حلقات الحصار وسر وصوله الی ذلك المكان، قال : كان لي أتصال سري مع أسعد آغا الهركي شیخ عشیرة الهركي في هولیر، وصدیقنا المشترك كان كریم مكنزي وهو مثقف وطني فیلي وصاحب مكتبة مكنزي المشهورة بمدینة بغداد.
بعد الاتصال المباشر وشرح اهمیة سفره، خول أسعد آغا ابنه محمد آغا ذا الخبرة العسكریة العالیة والكتوم لایصاله بسلام الی المنطقة المحررة، ومحمد آغا حي یرزق ویتذكر هذه المجازفة الممیته المشتركه لكلیهما. ودامت صداقة أسعد آغا الهركي مع یدالله الفیلي حتی أستشهاد الاول بمواد كیمیاویة سامه من قبل حكومة بغداد، ومرات كثیرة اراد مني ان ارشده الی بیت المهندس محمود أغا ابن الشیخ الشهید وشیخ عشیرة الهركیة ولم تتسن لي الفرصة، وكان یقول: دائما بان المعلومات العسكریة التي كان یقدمها أسعد آغا للثورة كانت سریة جدا ومهمة للغایة، رغم مرور كل السنین كان كتوما واحیاننا كان یجبرني علی وقف التصویر وكان یتكلم لي باختصار لكي یوضح لي الموضوع.
1969 ـ 1970 ساعد يدالله الفيلي الجنرال تیمور بختیار ضد شاه ایران، وسافر عدة مرات الی شرق كوردستان لیبني تنظیما سريا له، واخذ منه عهدا بعد وصوله الی السلطه بأن تكون ایران جمهوریة فدرالیة. ویحظى الكورد بحكم فیدرالي. وبذلك رد له الجمیل بانقاذ جلال الطالباني من الموت علی ید الحرس القومي، سألته ذات مرة الم تخف من هذه المجازفة، قال : الكفاح من اجل قضیة يراد منها التضحیات.
العام 1970 قدم مذكرة الی وزارة الداخلیة في بغداد، لطلب اجازة اتحاد الشبیبة الدیمقراطي الكوردستاني. ثم ساعد القاضیة زكیه اسماعیل حقي للم شمل تنظیمات اتحاد نساء كوردستان واخذ الاجازة من وزارة الداخلیة وعقد مؤتمرهم الاول.
العام 1972 أنتخب سكرتیرا من قبل مندوبي المؤتمر الثاني لاتحاد الشبیبه الدیمقراطي الكوردستاني، العام 1974 أنتخب في المؤتمر الثالث للاتحاد لعضویة القیادة، العام 1974 أصبح عضوا عاملا للفرع السابع للحزب وكان عضوا في الجنة المشرفة علی اعمال اللاجئین في المملكة الایرانیة. كان معجبا بنزاهة واخلاص محمد امین بیگ القیادي في الپارتي، ویصفه بالشجاعة في عمله والتواضع في سلوكه، وكان یذكره بالخیر دائما. كان لأعجابه اسباب كثیرة لا يسع المقام بأن اذكرها. من صفاته الحمیدة ذكر مناقب الصالحین والمخلصین. وذكر لي مرات عن اخلاص وشجاعة الشهید عمر شریف زنگنه القیادي الپارتي، قال : إن عمر شریف كان یتجول بدون حمایة، ولم یكن یهاب العدو والموت، كان محل عمله الحزبي في كركوك، مع ان كركوك كانت محل تجمع اصناف لاتحصی من قوات سلطة بغداد. ویكرر مرارا كنا لانعرف الخوف، التعب وقساوة النضال، بقي مخلصا لاصدقائه مع كل الفوارق السیاسیة.
بعد النكسة رجع في العام 1976 الی مدینة بغداد، بعد مدة قصیرة احس بالندم، كان یترقب الظروف للعودة الی النضال من جدید. وللاسف طالت به السنین. وبقی علی أتصال بالشهید صالح الیوسفي والشهید شوكت عقراوي. دون في ذاكرته شجاعة صالح الیوسفي بعد النكسة وكیف كان یتكلم بدون خوف من بطش البعث ویدافع عن المنفیین الكورد الی جنوب العراق، كان الشهید ینتقد بصورة علنیة البعث واسلوبهم بتعریب كوردستان.
العام 1991 بعد الانتفاضة رجع الی صفوف حزبه، في 8 كانون الثاني 2001 رشح لوزیر الاقلیم في الكابینة الخامسة. توفی یوم الأثنین المصادف 19 ایلول 2022 ودفن في یوم الثلاثاء المصادف 20 ایلول 2022 في مقبرة كسنزان الواقعة بضواحي مدینة هولیر عاصمة اقلیم كوردستان. قبل وفاته بعدة اشهر اخذته بنزهه علی الشارع 120، فرح جدا بمشاهدت كل مشهد یوحي بالاعمار، علق علی ذلك وقال : هولیر سوف تصبح عاصمة دولة. لم یتزوج بحیاته، كان الكفاح همه الوحید. رجل نزیه، شجاع، مغوار وعاشق لقضیة شعبه. لكنه بقی شامخا بنضاله.