محلة الصدرية ببغداد معالم وشخصيات
شفق نيوز/ عرفت محلة "الصدرية" في بغداد بهذا الاسم نسبة الى دفينها الشيخ صدر الدين محمد الهروي المدرس في المدرسة البشيرية المتوفى سنة 677 للهجرة بدلالة رخامة وجدت عند قبره، بحسب المؤرخين.
من أبرز معالم محلة الصدرية جامع سراج الدين، وكانت فيه مدرسة تدرس فيها العلوم العقلية والنقلية ولهذا الجامع رواق رائع البناء، وأمام ذلك الرواق ساحة صغيرة تضم ضريح الشيخ سراج الدين.
وبحسب المصادر فإن أول عمارة معروفة له جرت سنة 1131 للهجرة بأمر والي بغداد الوزير حسن باشا؛ وقد أنشأت عنده سقاية يصل إليها الماء عن طريق قناة عالية مبنية على العقود يرفع إليها الماء من كرد (دولاب) يصب عند شاطئ دجلة في شريعة السيد سلطان علي، وما يزال الجامع عامراَ وأعيد بناؤه على هيئة ٍ جديدةٍ في سبعينات القرن الماضي والسنوات اللاحقة.
من شخصيات محلة الصدرية بحسب المصادر والمعاصرين، محمود فهمي المدرس السياسي والمؤلف والشاعر، ولد في الصدرية سنة 1905 وتلقى علومه في الكتاتيب العثمانية واتم دراسته في دار المعلمين العالية سنة 1926، كما درس الصيدلة واجازت له الحكومة إنشاء اول مختبر كيمياوي وهو (مختبر ابن سينا) وكان يلقي محاضرات في العلوم الطبيعية في منتدى التهذيب ونادي الاصلاح، كما نال اجازة بعلوم اللغة واخرى بعلوم الفلك وكان خطيباَ مرتجلاَ بليغ العبارة، بارع في الادب واللغة والتاريخ، بحسب معاصريه، وتولى ادارة المدرسة الحسينية عام 1829 في محلة الدهانة.
ومن شخصيات الصدرية ايضا الدكتور خالد الجادر، ولد فيها عام 1924 و تخرج من معهد الفنون الجميلة عام 1946 نال شهادة الليسانس من كلية الحقوق عام 1947 وحصل على الدكتوراه في الاداب من جامعة ليل بفرنسا؛ وحصل على الجائزة الاولى من اكاديمية الفنون العليا بباريس اشترك في معارض عراقية وعالمية، له مؤلفات باللغة الفرنسية؛ شغل منصب عميد معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1960.
ومن الشخصيات الاخرى المعروفة في الصدرية، الحاج مومن، اشهر مجبرجي في الصدرية، توارث هذه المهنة من ابيه وتوراثها اولاده عنه وهو من الكورد الفيليين، و اشهر القراء في الصدريه الملا حسن وهو من الكورد الفيليين ايضا في المحلة، و الملايه بهيه، في دربونة العطار بالصدرية ايضاَ و الملايه زهره في محلة سراج الدين.
و التجوال في محلة الصدرية وسراج الدين يبدأ من رحبةٍ واسعةٍ في نهاية السوق، وهذه الرحبة كانت تسمى علاوي الحبوب؛ وبحسب المصادر فان بغداد كانت لا تعرف السوق السوداء وهي بعيدة عن الغلاء والتلاعب بالاسعار؛ وتكون الامطار وحدها كافية لانتاج محاصيل الحبوب التي من انواعها، الحنطة الداوودية وحنطة القنطرة والحنطة التي تسمى عراكيه، ومن اشهر اصحاب محال بيع الحبوب في هذه الرحبة احمد جمعه، وهو والد الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، وقد كان محله في هذا المكان الذي يشغله الآن مطعم للباجة، وفي مكان قريب من سوق الصدرية، وما عاد له من اثر في الوقت الحاضر، وكان ثمة خان يسمى خان اللآوند ، يباع فيه الملح .
وتواجدت في محلة الصدرية ايام زمان مقهى تعرف بكهوة النبكه، وكانت تلك المقهى خاصة بهواة "مهارشة" الديكه او "مكاسرة" الديكه، وقد توارثها البغداديون جيلاَ بعد جيل وهذه الهواية معروفة في بغداد منذ القرن الخامس للهجرة ويتباهى "الكسارون" بنوعين من الديكة هما، الهراتي و العراكي .
وعند الباب الخلفي لجامع سراج الدين وفي داخل سوق الصدرية، انتشرت اشهر مطاعم الكباب لقرب هذه المطاعم من القصابين وكانت بائعات الخبز يفترشن وسط السوق كل صباح، كذلك بائعات القيمر والروبه القادمات من دربونة في المحلة تسمى دربونة المعدان .
وفي دربونة الكبي والآتون (اي الموقد) كانت هناك بعض الدكاكين التي تختص بجلي وتبيض وتفضيض الاواني والقدور والطشوت والاباريق واللكن البغدادي.
وبامتداد السوق الملاصق لجامع سراج الدين كانت محال بيع الاقمشة بانواعها، والمكان يسمى سوق البزازين (جمع بزاز)، وثمة دكاكين اخرى لصاغة الذهب والفضة.
اذا استمر المسير نحو بوابة سوق الصدرية، سنمر بدربونة تختص بصناعة الطرشي، اذ ان صناعة الطرشي والمخللات لازالت قائمة في شتى مدن العراق؛ ولمحلة الصدرية حصتها في صناعة اجود انواع الطرشي والمخللات، ومقابل دربونة الطرشي تواجدت فيما مضى من الزمن عدة حوانيت لعطارين؛ و يحكى ان لمطرب المقامات الشهير محمد العاشق واحدة من هذه الدكاكين، فقد كان العاشق من شخصيات هذه المحلة العريقة.
بالقرب من سوق الصدرية كان موقع سينما الفردوس الصيفي، وكانت هذه الدار تعرض في امسيات صيفية جميلة اجمل الافلام العربية كأفلام فريد الاطرش ومحمد عبد الوهاب ومحمد فوزي وانور وجدي وليلى مراد وإسماعيل ياسين وغيرهم، والى الجوار من دكاكين العطارين باب حديدي وجدار من الطابوق يسور جزءاَ من مرآب الفردوس او سينما الفردوس الصيفي سابقا، و هنا كان ذلك الحمام المشهوربـ "حمام السيد" تنزل اليه بثلاث "بايات" اذ كان يقع في ارضٍ منخفضةٍ، بحسب المعاصرين.
وحمامات بغداد ايام زمان عبارة عن دهاليز مظلمة، ماؤها حار لا يستطيع المستحم بها البقاء اكثر من نصف ساعة ، فيخرج منها مختنقا متضايقاَ، بل كان عدد من المستحمين يغمى عليهم من شدة الحر؛ وينقلون هنا قول الشاعر:
وحمام دخلـتــــــــه صباحا دخول ذوي الجرائم للجحيم
غسلت الجسم فيه بماء طهرٍ فكان جحيـمـه عيـن النعيـــم
وكانت المقاهي المنتشرة في اطراف الصدرية، مقرات لرياضي الفرق الشعبية، مثل مقهى غازي ابو طويره ، الذي كان مقراَ لأشهر الفرق الشعبية بكرة القدم، كفرق العاصفة وشباب الطليعة وانوار الطليعة، وكانت هذه الفرق تضم لاعبين من المنتخب العراقي في ستينات القرن الماضي، اما مبارياتها فكانت تقام على ملعب العوينة الشعبي وبحضور جماهيري مكثف.
وخارج بوابة سوق الصدرية حيث الشارع الموصل بين شارعي الجمهورية والكفاح، تنتشر اعداد مكثفةَ من المحال المتنوعة، منها مطاعم واكشاك لبيع الفواكه والخضروات وبسطات لبيع الالبان والجبن والبيض والمرطبات والمعلبات وافران للصمون والكعك والحلويات وصالونات حلاقة، ولم تزل تلك المحال تتميز بطابعها المحلي حتى الآن، برغم تغير معالم اكثر احياء بغداد.