محافظة للكرد الفيلية، بحاجة لتوقيع لينين
حسين القطبي/ لو جاز للتاريخ ان يتذكر الرجل الذي حقن دماء الملايين من البشر فلا شك ان ذلك الرجل سيكون هو الرئيس الاول لاتحاد الجمهوريات السوفياتية، فلاديمير اليتش لينين. ولو جاز للتاريخ ان يلعن من تسببوا بمقتل مئات الالاف من البشر بدون سبب، ان لم اقل الملايين، فلا بد ان يتذكر حقبة البعث في العراق. لينين، اطلق مشروع تحديد اوطان الامم والقوميات التي كانت تعيش كاقليات غير معترف بها في عهد مملكة روسيا الذي سبقه، عبر برنامج اطلق عليه تسمية "تعيين حدود مناطق القوميات" (*) يقوم البرنامج بتشخيص حدود القوميات في روسيا على الارض، وتاسيس كيانات ادارية لها لم تكن موجودة اساسا، حتى بدون ان تطالب بها، ولم توقف عمليات الروسنة التي كانت قائمة في العهد الملكي فقط، بل كبحت حتى محاولات التروسن الطوعية التي كان تقوم بها بعض الجماعات غير الروسية في الاتحاد السوفياتي من اجل الحفاظ على الميزات والخصوصيات القومية. وبذلك فقط اطفأ مشاريع حروب قومية كانت ستكون كارثية على سكان تلك المناطق. بينما اختار العراق، الذي تأسس في نفس الفترة (عام 1921) الطريق المخالف، فقد عمدت الحكومات المتعاقبة على طمس الحدود بين مناطق القوميات والمذاهب من اجل تعريبها بصيغة قسرية، توجتها فترة البعث بتغيير الحدود الادارية في المناطق الفاصلة بين القوميتين الرئيسيتين (العربية والكردية) شملت كل المحافظات الاربع (نينوى، كركوك، صلاح الدين وديالى) مما اوجد قاعدة لنزاعات وحروب كامنة، مبدئيا، لم يكن لها ثمة مبرر. وهكذا فان مشروع لينين في الاتحاد السوفياتي قد حقن دماء الملايين من البشر، فعندما انهار الاتحاد السوفياتي، في العام 1991 لم تجري حروب ولم تسل دماء، فكل قومية كانت تعرف حدودها، قرية بقرية، ومزرع بمزرعة. اما سياسات البعث، فعندما انهارت دولتهم، تلك التي سحقت مئات الالاف من الضحايا، خلفت نزاعات على مناطق جغرافية واسعة تعد بؤرة حروب مستقبلية ماتزال تحت الرماد، نتيجة لسوء التخطيط وروح العنصرية التي كانت تقف وراء عمليات التخطيط الاداري. شعوب الاتحاد السوفياتي جربت الحل العلمي الناجح للقضاء على مشكلة القوميات، وفق الفكر الاشتراكي الاممي، بينما الشعب العراقي (ومثله شعوب الشرق الاوسط الاخرى) تختلق لها مشاكل قومية لم تكن موجودة اساسا، تحت حكم السلطات الشوفينية القومية المتطرفة منها، ثم الدينية الطائفية. فوفق برنامج لينين، الذي استمر تنفيذه حتى اواخر الثلاثينات من القرن الماضي قسمت اراضي روسيا الى 15 جمهورية على اساس قومي (اخرها مولدافيا، دولة الناطقين باللغة الرومانية، التي تاسست في العام 1940)، وكل جمهورية تتمتع رسميا بحق تقرير المصير بما فيه الاستقلال، معززا ذلك بكامل الحقوق الثقافية بما فيها استخدام اللغات المحلية بدلا من الروسية في المدارس والدوائر العامة. اما القوميات الصغيرة فقد انشأت لها كياناتها الفيدرالية الخاصة داخل كل جمهورية من هذه الجمهوريات الفيدرالية، اي فيدراليات داخل فيدراليات، تتمتع بحكم ذاتي، والقوميات الصغيرة التي لم تكن لها لغات مكتوبه انذاك، فقد استحدثت لها الفباءها الخاصة، ووضعت لها القواعد، وبدأ باستعمالها بالمدارس مثل لغة الشيشان المعروفة اليوم. اما في العراق، فان سياسة التطهير العرقي، من تهجير لابناء القوميات، واستقدام مستوطنين لتعريب المناطق يستولون على المزارع والدور السكنية، قد اقترنت بتغييرات ادارية غير مبررة، واذا اردنا ان نأخذ منطقة الكرد الفيلية في شرق العراق، وتمتد على مساحة اقضية خانقين ومندلي في ديالى، وبدرة في واسط، فقد عمدت الحكومات المتعاقبة على سلسلة من الاجراءات التعسفية غير الانسانية من اجل تغيير هوية المنطقة بالاكراه، فقد منعت الحكومات ترقية خانقين، التي كانت اول قضاء مرشح ليصبح محافظة في العهد الملكي، واستحدثت محافظات في اقضية اقل نفوسا مثل صلاح الدين والمثنى، وغيرها. كما تم خفض قضاء مندلى الى ناحية (وهو قرار لا مثيل له) وتم الحاقه بقضاء بلدروز، بل محو بعض النواحي وتخفيضها لقرى كما حصل لناحية زرباطية في قضاء بدرة. المشكلة ان احزاب الاسلام السياسي التي ورثت الحكم من حقبة البعث لا تمتلك اية رؤيا في لحل النزاعات القومية او الطائفية، فلم تقدم خلال السنين العشر الاخيرة من حكمها اي مشروع انساني لحل مشكلة قومية واحدة في العراق، فقد استمرت بالعمل ليس فقط بالحدود الادارية التي رسمها عهد صدام حسين، وترفض تغييرها، بل تنظر الى المشكلة الكردية بنفس الروح العنصرية والتعالي الشوفيني. واذا استطاع مشروع لينين حل مشكلة 176 قومية تتعايش معا، خلال السنوات الخمس الاولى من الحكم في الاتحاد السوفياتي، عن طريق تاسيس مبدئي لـ 30 منطقة حكم ذاتي للقوميات، وصولا لبناء 15 عشر دولة منها 5 مساحة كل منها اكبر من العراق، فان مشروع الاسلام السياسي لم يستطع خلال السنوات العشر المنصرمة من حل مشكلة مدينة واحدة (كركوك) على سبيل المثال. اطلق رئيس الوزراء العراقي على اعتاب حملته الانتخابية هذه الايام مشروع تحويل اقضية طوزخورماتو، تلعفر وسهل نينوى الى محافظات، ولمن يلم بجغرافية العراق وديمغرافيته، فان هذه المناطق كلها تقع ضمن الاراضي التي تسكنها اغلبية كردية ولكنها لا تتبع اداريا لاقليم كردستان بسبب سوء التوزيع الاداري، ذلك التوزيع الذي جعل منها (مناطق متنازع عليها) وفق المعايير الرسمية في العراق. فقضاء طوزخورماتو تم استقطاعه (في زمن الرئيس صدام حسين) من محافظة كركوك القريبة والمتجانسة قوميا، وضم الى محافظة صلاح الدين (تكريت) البعيدة جغرافيا والمختلفة قوميا، ضمن سياسة قضم حدود القوميات. ورغم فشل سياسة قضم حدود القوميات في تهيئة حل للمشكلة القومية، الا ان السيد المالكي، الذي يمثل حكومة الاسلام السياسي، وحزب الدعوة الذي يعتبر (صاحب نظرية) في الفكر الاسلامي السياسي، لا يمتلك برنامجا ناضجا للحل، بل لا يبحث عن حلول، وانما يرى فيها مجرد محاولة لكسب اصوات انتخابية كجزء من التصعيد الاعلامي بين الحكومة والاقليم، في نفس الوقت الذي يقف السيد المالكي مع ترقية المزيد من الاقضية الى محافظات، فانه وقف بالضد من تشكيل محافظة الكرد الفيلية سواء في بدرة، او مندلي، او في خانقين، رغم انها الاكثر استحقاقا من الاقضية الاخرى التي تحولت الى محافظات. وتشكيل محافظة الكرد الفيلية، باقضيتها الثلاث، خانقين ومندلي وبدرة، سوف ينهي النزاع، ويحل المشاكل في هذه المنطقة، ويحقن الدماء ويطفئ بؤر حروب مستقبلية على مصير المنطقة قد تكلف العراق واجياله القادمة الكثير. ولكن الستراتيجية التي تتبعها الحكومة اليوم، كما يبدو من قرارات الحكومة، هي اثارة المشاكل، والحروب (كما في الانبار) من اجل استغلالها في الحملات الانتخابية، اما الحل الجذري الذي يوفر السلم ويطفئ بؤر التوتر المستقبلي، مثل تشكيل محافظة الكرد الفيلية، فان ذلك يحتاج لتوقيع من لينين، لا غير. (*) برنامح تخطيط حدود القوميات واسمه بالروسية: национально-территориальное размежевани