حارسٌ في مرمى الظلم.. قصة "أبو حمرة" في دوامة الترحيل والتنمر

حارسٌ في مرمى الظلم.. قصة "أبو حمرة" في دوامة الترحيل والتنمر
2025-03-21 21:49

شفق نيوز/ ما زالت تلك الذكريات الحزينة راسخة في وجدان الكورد الفيليين، يتجرّعونها بمرارة وحزن، بعدما عانوا الظلم في مختلف شرائحهم الاجتماعية. فلم ينجُ أحدٌ من بطش الحكم الاستبدادي آنذاك، ولم يستثنِ حتى نجوم الكرة العراقية المعروفين.

من بين هذه الأسماء الفيلية المظلومة يبرز نجم الكرة العراقية وحارسها الأمين الكابتن قاسم أبو حمرة، الذي يُعَدُّ من أبرز حرّاس المرمى في تاريخ الكرة العراقية على صعيد الأندية والمنتخبات الوطنية.

يحكي لنا أبو حمرة معاناته مع النظام السابق والظلم الذي تعرّض له في ذلك الزمن، ولم يشفع لعائلته ما قدمته من تضحيات حين خسرت اثنين من أبنائها شهيدين في الحرب العراقية الإيرانية، وهما باسم وحازم. ورغم ذلك، فإن الظلم طاله وطال عائلته بالرغم من هذه التضحيات.

يروي الكابتن أبو حمرة لوكالة شفق نيوز تفاصيل رحلة معاناته الطويلة: "أبان النظام السابق، حينما كانت تُسفَّر عوائل الكورد الفيليين، كان من ضمن الذين هُجِّروا أهلي من جهة أخوالي وخالاتي، إذ كنّا نسكن جميعاً في بيت كبير بحي القشلة في منطقة الصدرية ببغداد، كان البيت يضم ست عوائل؛ أنا ووالدي ووالدتي وإخوتي في غرفة كبيرة، وأخوالي وخالاتي في بقية الغرف. وفي أحد الأيام داهمنا رجال الأمن، وأخذوا الجميع عدا عائلتي، فبقينا وحدنا في هذا البيت الكبير. غادروا وتركوا لنا حزناً ممضّاً، لكن نجونا لأن والدي كان يحمل الجنسية العثمانية، رغم كونه فيلياً أيضاً، وربما أيضاً لكوني حينها لاعباً دولياً معروفاً، ما جعل الأمن يتردّد في ترحيلنا، ومع ذلك، بقينا في قلق كبير لا يعلمه إلا الله".

"أتذكر عندما ساقوا أخوالي وخالاتي، تابعتهم ورأيت مراحل ترحيلهم، إذ جُمِعوا في كراج بغداد الجديدة (رقم واحد)، ثم سيقوا بالحافلات إلى الحدود ليُترَكوا هناك من دون رحمة أو إنسانية في أرض مزروعة بالألغام. وقد انفجر أحدها ببنت خالتي، فتمزّقت أشلاؤها، ودُفنت هناك غريبة”.

ويضيف أبو حمرة متحدثاً عن معاناته مع التنمّر والعنصرية في الوسط الرياضي: "كنت أسمع بعض زملائي اللاعبين يتهامسون ويطلقون عليّ كلمة (كوردي... كوردي) على سبيل الانتقاص. كان ذلك يؤثر كثيراً في نفسيتي، ويدمي قلبي، خاصةً أننا عراقيون جميعاً، ولا فرق بيننا. ومع هذا لم أكن أستطيع الرد عليهم؛ لأنني كنت أحاول دائماً الابتعاد عن إثارة المشاكل، خوفاً من وضعي الحرج آنذاك بصفتي كوردي فيلي”.

ويروي الكابتن موقفاً في غاية الخطورة واجهه بعد تهجير خالته، فيقول: "خالتي التي كانت بمثابة أمي، ربتني واعتنت بي أنا وإخوتي، ولم تتزوج طوال حياتها، هُجِّرت إلى إيران، قررت أن أسافر خِفية وأبحث عنها، ونجحت في ذلك. اصطحبتها معي عائداً إلى العراق وسط مجازفة كبيرة (تهريب- قچق). كنت قاب قوسين أو أدنى من فقدان حياتي؛ لأن رجال الأمن في كل مكان، فضلاً عن معرفتهم بكل صغيرة وكبيرة عن سكان المنطقة بواسطة المختار. أخفينا خالتي في منزلنا، وحينها كانت البيوت الفيلية تحت المراقبة المستمرة، بما فيها بيتنا. ولو كُشِف أمر خالتي لانتهت مسيرتي في كرة القدم، وربما فقدت حياتي. ولأن الأمن اعتاد استدعائي كل عشرة أيام للتحقيق في مركز شرطة السراي، قررت تغيير مكان سكننا والانتقال إلى بيت جديد قرب مسرح الخيمة لتجنّب الخطر، ونجحنا في ذلك”.

ويواصل أبو حمرة رواية المصاعب التي تعرّض لها قائلاً: "من المواقف العصيبة الأخرى التي واجهتني أن أهل زوجتي الحالية، وكانت حينذاك خطيبتي، اعتُقلوا جميعاً وبقوا في السجن أسبوعاً بانتظار الترحيل، قبل أن يصدر عفو للوجبة الأخيرة من المرحَّلين، فعادوا إلى منازلهم”.

وعن سبب إبعاده عن المنتخب، يروي أبو حمرة تفاصيل مباراة مهمة في تصفيات دورة الألعاب الأولمبية: "مثّلت المنتخب الوطني حارساً في الذهاب والإياب أمام البحرين والإمارات، وخضنا مباراة أمام الإمارات في بغداد انتهت بالتعادل 2-2. فوجئت بالمعلّق طارق حسن وهو يستهزئ بي في بث مباشر، ويقلل من شأني. لا أعلم إن كان موجهاً من جهة معينة أم لا، لكنه كان يعلم بأنني من الكورد الفيليين، وراح يقول إنني لا أستطيع توجيه اللاعبين، واستمرّ في التنمّر المبرح. بعد ذلك أبعدني الجهاز الفني، رغم أنني قدمت أداءً جيداً وتمكّنا من التأهل للأولمبياد”.

ويستذكر أبو حمرة موقفاً آخر حدث معه عام 1983 في ألمانيا: "ذهبنا إلى مدينة ميونخ لأداء مباراة هناك، وكان أخي الذي هاجر من العراق قبل عشرين عاماً يعيش في ألمانيا، فالتقيت به أمام الجهاز الفني واللاعبين. وبعد عودتي إلى العراق بأسبوع، استدعاني الأمن للتحقيق، وكرّروا ذلك مراراً متهمين أخي بأنه يتحدث عن العراق بشكل سلبي في الخارج، وأنه لا ينبغي لي اللقاء به. أثّر ذلك كثيراً على وضعي النفسي، وعلى علاقتي بالمنتخب أيضاً، وبقيت أعاني القلق لفترة طويلة”.

ويختم الكابتن قاسم أبو حمرة حديثه قائلاً: “نحن الكورد، والفيليون على وجه الخصوص، كنا ولا نزال نعاني كثيراً مما أصابنا في تلك الحقبة، وأتمنى من حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية إنصافنا. فنحن الأكثر معاناةً من الظلم والقهر والتهجير، وقدّمنا آلاف الضحايا والشهداء من أجل هذا البلد العزيز”.

يُذكَر أن الكابتن قاسم أبو حمرة مثل أندية الصناعة والجيش والزوراء، ولم يأخذ فرصته الكاملة مع المنتخب الوطني، إذ لعب 15 مباراة دولية فقط، وكانت أفضلها أمام المنتخب اليوغسلافي. يعزو ذلك لوجود حراس كبار مثل رعد حمودي وفتاح نصيف وكاظم شبيب، وبعد اعتزالهم بدأت المحسوبية والواسطات تؤدي دوراً في اختيار حراس المنتخب.

احترف أبو حمرة بعد اعتزاله عام 1995 في نادي الوحدات الأردني من 1994 إلى 2000، وأحرز معهم أربع بطولات دوري وكأس. وفي سنة 2000 عمل ضمن الجهاز التدريبي البرازيلي لنادي الوكرة القطري، وتُوِّج معهم بالدوري القطري، ثم عاد للتدريب في الأردن مع الوحدات، وانتقل بعدها إلى الإمارات للعمل في نادي الشارقة لفئاتٍ عمرية. عاد مجدداً إلى قطر بمساعدة زميله الحارس كاظم شبيب، وأخيراً درّب فريق الميناء البصري عام 2014.

00:00
00:00
Shafaq Live
Radio radio icon