جعفر محمد كریم الفيلي.. طبیب وسياسي ومؤرخ

فؤاد روند/ للحركة الكوردية شخصيات وقيادات برزت في اربعینیات القرن المنصرم، وعلی رأس القائمة الجنرال مصطفى البارزاني. كانت تلك الشخصيات تواصل الليل مع النهار بالعمل من أجل قضيتها القومية العادلة. كلُّ واحد منهم یعمل في عدة مجالات ولا يهاب الموت، انهم ولدوا من أجل قضية أمُّة.

یجب أن نرفع قبعاتنا لهم اجلالا واعتزازا، ومن بينهم الطبيب والسياسي المحنك جعفر محمد كریم الفیلي (1910 ـ 2000)، وهو الأخ الأكبر للمحامي حبیب محمد كریم سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي كان له دور بارز في الحركة الكوردية خلال السنوات الممتدة 1964 ـ 1975.

الدكتور جعفر محمد كریم من مؤسسي حزب "رزگاري كورد" العام 1945، أُنتخب في العام 1946 عضواً في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردي. ومن الذين كانوا يزورون المناطق المحررة بعد ثورة بارزان الثالثة العام 1945، وجمهورية كوردستان الدیمقراطیة محملا بالدواء والغذاء، والمساعدات المادية من متبريعها وهم تجار بغداد الكورد.

قبل أن يدخل حشود الكورد الجنوبيين الحدود الدولیة للعراق، وهم راجعون بعد نكسة جمهورية كوردستان الدیمقراطیة، وبعد معارك ضارية مع الجیش الایراني. كتب الدكتور وبكل جرأة مقالاً في جريدة صوت الأهالي البغدادية في تأریخ 17/4/1947، یطالب فيه الحكومة العراقية بحسب ما ذُكر في المادة الأولى من منهاج تشكيلتها الوزارية بأنها تهتم بوحدة العراق وسعادة شعبها. ويذكر بأن سوء الإدارة فجرت ثورة بارزان الاولی، وتم قمعها بالنار، وبعد نفي 600 بارزاني رجع منهم 90 بارزانياً فقط، ومات البقية!. وانفجار ثورة بارزان الثانیة العام 1943 هي: من أجل إحقاق الحق، حيث لم تكن بغداد ترید إيجاد حل سلمي.

وانفجرت ثورة بارزان الثالثة العام 1945، وهنا يتعين الوقوف على هذه‌ المعلومة. (الثورة البارزانية الثالثة) كما كتبها الدكتور جعفر الفيلي شاهدا على هذا المصطلح بكتابات أُخری من كتاب وصحفيين عرب وعراقيين في الستينيات من القرن المنصرم.

وبعد تأسيس لجنة "آزادي" في شهر كانون الثاني للعام 1945 ومن بعدها اندلاع المعارك خارج مناطق ثورة بارزان الثانیة، أي في العمادية، عقرة، رواندز، وخلیفان، ومحاولات في گرمیان، و السلیمانیة. ودخول الثورة بقيادة سیاسیة كوردیة‌، كان أعضاؤها من بارزان، و العمادیة، وعقرة، السلیمانیة، و خانقین. وبین الثورتين فترة وقف إطلاق النار. لذلك توصل الدكتور كملمٍّ بدراسات التاريخ بأن المطالبات السیاسیة و القومیة وسعت جغرافیا الثورتین و غيرتها مع كون زعیمهما واحد وهو مصطفی البارزاني.

إن لم يكن الدكتور جعفر مؤرخاً لما كان يستفيد من مصطلح كهذا. ثم سرده‌ لحوادث الثورات الثلاث، والتدخلات الاقلیمیة حول ضربها، واتفاق تركيا وإيران والعراق على قمعها. واستمرار الثورات ما لم تحل المشاكل التي سببت اندلاعها. وفي الأخير یضع الحلول: العفو العام، رجوع الكلِّ الی محل سكناه‌، و مساعدتهم حتی یستطيعوا أن یجدوا لهم مصدر رزق. ورفع كل العوائق الموجودة. في آخر المطاف يوجّه انتقاداً لاذعاً للحكومة العراقية في حينها ويكتب: كیف تقبلون بقتل مواطنيكم بید الجیش الایراني؟ و المستر بیغن رئیس وزراء بریطانیا العظمی يتدخل شخصیاً عند إستالین رئیس الاتحاد السوفيتي لسفر خمس نساء سوفیتیات تزوجن من خمس رجال بريطانيين، لأجل لمِّ شمل خمس أُسر، و10000 عراقي من البارزانیین تحت وابل رصاص وقنابل الجیش الایراني، والجوع والبرد یداهمهم.

هذا المقال ينبغي دراسته من كل الجوانب. كُتِبَ في اربعینیات القرن العشرين، وفي أحلك الظروف، وبعد انتصار البريطانيين في الحرب العالمیة الثانیة وغطرستهم، وانسحاب الاتحاد السوفيتي من دعم القضية الكوردية، ونكسة جمهوریة كوردستان الدیمقراطیة، و اعدام رئیس جمهوريتها القاضي محمد.

لم يكن للأمل محل للإعراب، كان هناك رجال يدافعون عن قضيتهم، و منهم الدكتور جعفر محمد کریم، و الشیخ لطیف الحفيد، كاكه‌ زیاد الكویي، والمحامي حمزة عبدالله، وحسين حزني الموكریاني. عمالقة اسطوريون من جیل أسطوري. لم ينتهِ مسارهم، ونراهم الیوم بشكل آخر، بعناوين جديدة، ونكهة جديدة، ولون آخر.