المرأة الفيلية محراب الصبر وبيرق الامل
عبد الخالق الفلاح/ تحيةً أخرى للمرأة الفيلية العظيمة محراب الصبر وبيرق الامل التي لم تغيرها قساواة الحياة وهي مصدر الإلهام والإبداع وكل معاني العطاء والوفاء، جعلت من الحجر ان ينطق بجمالها الاخلاقي وأساليبها الراقية في التعامل مع كل شيء حولها لتجمله وتجعله ينطق جمال قلبها بل وبالغ أفلاطون في التطرف فجعلها الرئة التي نتنفس منها المثل ، بوعيها تعكس صبرها ويظهر ذلك مليا في سلوكها ورقي تعاملها وتميزها في كل شيء ، حساسة شفافة تؤذيها كلمة أو تصرف غير لائق إزاءها فتحزن وتتألم دون أن يشعر بها أحد، وقد سجل حزن النساء آثارا سلبية في الكثير من المجتمعات ومنهم المجتمع الفيلي لقساواة الظروف ولكن تحملت وسكتت وسكنت. فكانت مضرب الأمثال في صبرها وثباتها وتجلدها وصمودها وتحملها للمحن وعونها لبقية أسرتها وتأقلمها مع كل الظروف التي تعيشها فتحولت الى ثورة وبركان غاضب يتفجر حمم حارقة في وجه الاعداء ، فقدمت فلذات الأكباد وساندت أخيها الرجل فكانت شريكة في الصمود والتحدي.
تُعدُّ المراة الفيلية جزءاً لا ينفصلُ بأيّ حال من الأحوال عن كيان المُجتمع الكُلّي ولا يقل دورها أهمية عن دور الرجل، وقوله تعالى في سورة التوبة 17: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض»، فهي عضو هام فيه، وهي العامل الأساسي في المجتمع فهي الأم والأخت والزوجة والابنة والموظفة والعالمة والعاملة والسياسية ، حيث تتحمل الكثير من الضغوط وظروف الحياة، ولها دور بارز في تنمية المجتمع، وفي الحياة السياسية والاقتصادية والتنموية والتربوية،فهي مُكوّنٌ رئيسي له، بل تتعدّى ذلك لتكون الأهمّ بين كلّ مكوّناته، فقد لعبت عبر العصور أدواراً مهمّةً، وكانت فاعلةً ونَشطةً في تكوين المجتمع النزيه والمثالي بحكمتها ووضع السياسات المجتمعية ، وتسيير حركة الحياة ، ويُعدُّ دورُها في المُجتمعِ كبيراً وحسّاساً جدّاً، و اي تقليل منه واستهلاك واستغلال قدراتها يقودُ لضياع وتشتّت المُجتمعات، وهدم الأسَرة فهي كغيرها تواجه التحديات التي تواجه أجيال هذا العصر والأجيال القادمة والمتمثلة في المشكلات الاخلاقية بمختلف أنواعها وأشكالها، والتي يتطلب التعامل معها كقناعة شخصية والتزاماً مجتمعياً بضرورة ترسيخ أولويات المحافظة عليها واعطائها حقها و يعول علي أن اقول بأن معيار التقدم والرقي في أي مجموعة منقوص دون مشاركة المرأة في صنع قرارها ، السياسي والاجتماعي والثقافي ، وقيامها بدور أساسي في بناء مجتمع أكثر رقيّ وديمقراطية، ولن ينجح أي بلد مهما كان شأنه في رسم خطوط استراتيجياته ما لم تكنِ المرأة شريكاً مناصفاً في سورة النحل: «من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فَلَنُحْيِيَنَّه حياة طيبة»،وعلى مستوى عالٍ من الوعي بمسؤوليتها في المجتمع ولم يجذبها النفوذ، ولكنها آثرت أن تكون صدى أميناً لضمير امة يقظة وبشعور إنساني رفيع، وسوف تبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً. لتضع بصمة مميزة في وطنها الحبيب، وأن تساهم في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام ؛ حيث يحاول الكثيرون فيه أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء. بعد ان وقفن في الخطوط المتقدمة للعطاء ووهبن انفسهن وروحهن لخدمة مجتمعهن ولئن كان بعض الناس يقول: المرأة نصف المجتمع! فأنا اقول: إن هذه العبارة غير وافية بحقيقة دور المرأة في المجتمع، فهي في الحقيقة سبب لصلاح المجتمع كله أو العكس المرأة أكثر حضوراً ومكانة وحظاً من الرجل في الإسلام، فجعلها الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) مقدَّمة ثلاث مرات على الرجل في صحبة أبنائها، فقال للسائل عن أحق الناس بصحبته: «أمك... ثم أمك... ثم أمك... ثم أبوك»؛ أي الربع لأبيك، فالرجل بالكاد وصل إلى الربع، ونظراً لتذاكي الرجل وطيبة المرأة سكتت عن أنَّه جعل من نفسه النصف الآخر ... وهي اليوم في امس الحاجة للتطوير الفكري الحديث المبتكر أكثر مما تحتاج إلى تكرار المقولات في التحرر والانعتاق، تحتاج إلى نظرة موضوعية تلائم بين المطلوب والممكن ولكن في سياق حضاري يأخذ بما أخذ به العالم من حولها. المرأة الفيلية رغم كل ذلك لا أملك إلا أن أقول عنها لقد صدقت ما عاهدت الله عليه.واخيراً كما قال ميخائيل نعيمة :يا نبضة الخالق في المخلوق، يا مجمع الآزال والآباد، يا مركب الأحزان والأفراح،يا فوّارة الأنوار والظّلمات،يا مرخم الهمّ والألم،يا سرير ال "آه"وال "أوّاه"،يا مهد الحياة ولحد الموت، يا مذبح الشّوق ويا محراب الأمل؟ تحية للمراة الفيلية في كل صباح مساء