أسطورة فيروز الأحدب

أسطورة فيروز الأحدب
2016-05-19T10:14:24+00:00

 هدية حسين/ كلما قرأت قصة للكاتبة نيران العبيدي أحسست بأنها مشروع رواية، لأن نيران العبيدي في قصصها، مثلما في روايتيها «منعطف الصابونجية» و «أوراق شجرة الدفلى» تهتم بالتفاصيل الصغيرة التي هي من خصائص الرواية، لأن الرواية كما نعلم هي فن التفاصيل الصغيرة، وأن تلك التفاصيل التي تلجها في قصصها هي جزء لا يتجزأ من الشخصية والبيئة المحيطة بها، بل تكاد البيئة تتحكم بالشخصية لأنها، أي الشخصية، هي نتاج تلك البيئة.

وقد اختطت نيران العبيدي في أعمالها أسلوبا يعتمد اللهجة البغدادية تحديدا، مع بعض اللهجات المحلية حين يتطلب الأمر، ربما من وجهة نظرها أن اللهجة الدارجة هي الأقرب لإقناع القارئ بواقعية شخصياتها، كما أنها عرفت باقتحامها المناطق الحساسة في الجسد الاجتماعي، حيث النساء المومسات لابفعل إرادتهن، بل بفعل ظروف لم يخترنها قذفت بهن الى الشوارع الخلفية من قاع المجتمع، فصنعن عالمهن قانعات بما هن عليه، أو حالمات بمن ينقذهن من هذا الواقع المزري عن طريق الزواج.. إذن القاع هو القماشة التي بنت عليها نيران العبيدي معمارها القصصي والروائي، وهو جرأة تحسب لها في زمن باتت الكلمات فيه مهدورة الدم بفتاوى المشايخ. من مجموعتها القصصية «فيروز الأحدب» التي صدرت عن دار ميزوبوتاميا سنة 2013، اخترت القصة التي حملت المجموعة عنوانها، وفيروز هذا رجل عراقي كردي فيلي، أبتلي بوجود حدبتين، واحدة على ظهره والثانية على صدره، يعمل في حمام نساء في منطقة الفضل ببغداد، يشتري الأدوات التي تحتاجها النساء في الحمام ويبيعها الى هدية الحمامجية مالكة الحمام، وكثيرا ما تراه يجلس على الدكة الخارجية عارضا خدماته على المارة، ومعروف عنه بأنه رجل شريف لا يسترق النظر الى النساء، كما أنه الشخصية الغريبة من بين شخصيات هذه القصة، ليس له في الدنيا سوى حلم واحد، هو أن يستيقظ ذات يوم فلا يجد الحدبتين، ولذلك فهو يدعو الله والملائكة أن يتحقق له هذا الحلم.. فما الذي غير حاله فاستبدل هذا الحلم بحلم آخر؟ الأحداث التي مر بها العراق في الثمانينيات غيرت الكثير، ليس فقط صورة البلاد وإنما حياة الناس وأحلامهم، لقد حصلت المصيبة الكبرى، وحينما تحدث مصائب كبرى فإن المصائب الفردية تنزوي أو تختفي، لقد قام النظام وقتذاك بتهجير الكرد الفيليين، باعتبارهم من وجهة نظر السلطة غير عراقيين، ماذا يفعل فيروز وهو المشمول بهذا الإجراء؟ المولود هو وأبوه وجده على أرض العراق؟ لقد تغيرت خططه، ما عاد يطلب من الله والملائكة أن تزول الحدبتان، صار حلمه الوحيد أن تبقى الحدبتان مقابل أن يعيش ويموت في العراق. ذات يوم، قبل أن تظهر الحدبتان على صدره وظهره،  وبعد الانتهاء من العمل في الحمام، دخل فيروز وهو غارق في همومه لينظف الحمام، فنسيته هدية الحمامجية وأقفلت الباب، يبيت ليلته هناك، ويرى مجموعة كائنات ليست على هيأة بشر، تدخل وتقرع الطبول وتتراقص، فيشاركها الرقص ويتقافز ويغني، لكن أحد هذه الكائنات يمسك به غاضبا، ويخبره أن هذا مأتم وليس فرحا، فيعاقبه بالمسح على صدره وظهره مخلفا حدبتين، وأشار إليه أن كائنات أخرى ستأتي وتزيل عنه هذا العبء، هذا ما يحكيه للناس ليبرر وجود الحدبتين، وله حكايات أخرى أكثر غرابة لا تصدق، لكن السامعين له يتفاعلون معه ويوحون إليه بأنهم يصدقونه، وهو من جانبه ظل طيلة السنوات الماضية يحلم بقدوم كائنات تزيل عنه الحدبتين، لكن الحلم تغير الآن، وصار العيش والموت في العراق هو الحلم. يتداخل في هذه القصة الواقع بالخيال الأقرب الى الأسطورة، حتى يصبح فيروز الأحدب هو الأسطورة الجديدة التي تضاف الى أساطير العامة من الناس، فأثناء ما كان يختبئ ليلا في الحمام من الأمن المحلي، تأتي مجموعة كائنات لتزيل حدبتيه، لكنه يتوسلهم أن يتركوا الحدبتين ويحققوا له حلم البقاء في العراق، فيعتذرون منه لأن هذا الأمر ليس من اختصاصهم، بل من صلاحيات الملائكة، ويقوموا بمهمتهم التي جاؤوا من أجلها، وفي صباح اليوم التالي اختلف الناس في سر اختفاء الحدبتين وموت فيروز الذي لم يعد أحدب، وتحولت الدكة التي مات عليها الى مزار للنساء، يقرأن على روحه الفاتحة ويطلبن المراد.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon