من ملعب إلى مقبرة.. فلوجيون يناشدون السلطات: "الشهيد المجهول يعاني الاهمال"
شفق نيوز/ ما تعانيه مقبرة "الشهداء" الواقعة بمدينة الفلوجة شرقي محافظة الانبار من إهمال، دفع سكان المدينة لمطالبة الحكومة المحلية بـ"إجراءات فعلية" للحيلولة دون اندثار القبور ومحو آثار واحدة من كبرى الاحداث الدموية التي تلت سقوط النظام السابق عام 2003.
ويطالب سكان الفلوجة، السلطات بغلق المقبرة وادامتها، كونها تعد "شاهدٌ على قيد الحياة"، يدين ما اقدمت عليه القوات الامريكية من "جرائم" بحق الإنسانية في البلاد والفلوجة على وجه الخصوص.
وأنشأت "مقبرة شهداء الفلوجة" في نيسان عام 2004، والتي كانت ملعب كرة قدم لنادي الفلوجة الرياضي، وذلك بعد محاصرة القوات الأمريكية للمدينة بكاملها، اثر ما اطلق عليه "معركة الفلوجة الأولى" وسقوط آلاف الضحايا، ما اضطر الفلوجيين على دفن موتاهم في الملعب الذي تحول إلى واحدة من أشهر المقابر في البلاد.
وتضم المقبرة اكثر من سبعة آلاف جثمان لضحايا تلك المعركة من ابناء المدينة، منهم ما يقارب الألفي "شهيد" كتب على قبره "مجهول الهوية"، بسبب الإعداد الهائلة التي كانت تدفن في المقبرة على مدار الساعة، فضلا على عدم وجود عوائلهم، للتمكن من معرفة هوية الجثمان.
ويوضح الصحفي العراقي نورس عامر لوكالة شفق نيوز، وهو أحد الصحفيين الذين شاركوا بتغطية الحرب آنذاك، بأن "عشرات الشهداء كانوا يسقطون في المعركة آنذاك بنفس الوقت، ويتم الإسراع بمراسم التشييع والدفن للحاق بتطبيق المراسم لبقية الشهداء، الأمر الذي لم يسمح بأخذ الوقت لمعرفة هوية الشهيد، فتقرر حينها الكتابة على قبورهم، مجهول الهوية".
وأضاف أن "قيام أبناء الفلوجة بتسفير عوائلهم خارج المدينة، والبقاء لمقاومة قوات الإحتلال، منع أيضا من معرفة هوية المئات من الشهداء" وفق قوله.
ويقص حارس المقبرة، مالك أحمد (52 عاما)، قائلا "في الوقت الذي تشتعل به نار الحرب آنذاك، يعمل السكان على نقل الشهداء والضحايا من المنازل والشوارع إلى هذه المقبرة حين إنشاؤها"، مبينا "كنت أنا ومعي عشرة أفراد حينها، نحفر القبور بشكل متواصل واحيانا على مدار الساعة، ومجموعة أخرى تقوم بتغسيل الشهيد وتكفينه، ومجموعة ثالثة تقوم بمراسم الدفن".
ويضيف أحمد لوكالة شفق نيوز، قائلا "هذا المكان الذي كان ملعب كرة قدم نأتي إليه لقضاء وقت جميل ولعب الكرة، أصبح مكان حزن نأتي إليه لنستذكر ضحايانا"، لافتا إلى أن "المقبرة تضم قبور لاعبين كانوا يلعبوا هنا".
ويقول أحمد، أيضا "منذ أن أنشأت المقبرة وأنا حارس بها بالمجان، ولا أريد ثمنا لعملي، كوني أعمل وفاءا لدماء شهداء الإحتلال، لكن اتمنى أن تقدر الحكومة دمائهم ايضا وتوجه بالاعتناء بالمقبرة".
أما الشيخ انس حميد، وهو أحد شيوخ مساجد الفلوجة، الذي اشرف على مراسم تشييع "شهداء المقبرة"، إنها "أصبحت مكتظة بالاموات، حتى أن ارصفتها غطتها القبور، وقد طالها القصف الذي تعرضت له الفلوجة في حروب الاحتلال الأمريكي وداعش، مما شوه صورة القبور بداخلها، كما أنها نالت نصيبها من الإهمال، فالنفايات والنباتات الضارة تتكاثر دون وجود أي عناية لها منذ إنشاؤها".
ويضيف حميد لوكالة شفق نيوز، أن "المقابر أماكن مقدسة وعلى الإدارات المحلية في المدن إيلاء الاهتمام بها إلى الدوائر البلدية او الأوقاف، وخاصة مثل هذه المقابر التي تعد بمثابة تاريخ مدينة، وشاهدا على مقاومة مدنيين وعسكريين لقوات اغتصبت أرض بلادهم، واجرمت بحقهم وحق أبناءهم وقتلت الكبير والصغير وحتى الرضع ذكورا وإناثا" وفق تعبيره.
ومعركة "الفلوجة الأولى" هي محاولة فاشلة من القوات الأمريكية لدخول مدينة الفلوجة والسيطرة عليها، وبدأت بعد أن تم قتل أربعة من قوات المرتزقة من شركة بلاك ووتر الأمريكية في مدينة الفلوجة وسحب جثثهم في الشوارع لتعلق فيما بعد على جسر في أطراف المدينة على نهر الفرات. وتكبد الجيش الأمريكي في هذه المعركة خسائر جسيمة دفعت الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن التصريح قائلا:
«لقد واجهت قواتنا أسبوعا قاسيا.. وأنا أصلي كل يوم من أجل أن تتراجع الخسائر..»
لتنطلق بعدها "معركة الفلوجة الثانية" والتي يطلق عليها الامريكيون "عملية الفجر" حيث كانت هجوما مشتركا بين الجيشين الأمريكي والبريطاني في تشرين الثاني وكانون الاول من عام 2004 ، وكانت تمثل ذروة المعارك خلال حرب العراق. ووصفها الجيش الأمريكي بأنها "من أعنف المعارك الحضرية التي شارك فيها مشاة البحرية الأمريكية منذ معركة مدينة هوو في فيتنام عام 1968.