إصابات بين المدنيين وخسائر مادية.. ظاهرة الخنازير البرّية "تتمدد" في كركوك
شفق نيوز- كركوك
يشهد قضاء داقوق ونواحي الرشاد والعباسي في محافظة كركوك
شمالي العراق، "تصاعداً خطيراً" في أعداد الخنازير البرية التي بدأت
تتحرك في مجموعات كبيرة داخل الأراضي الزراعية وفي أطراف المناطق السكنية، في
ظاهرة باتت تُرهق الأهالي وتهدد أمنهم ومصادر رزقهم، ومع غياب تدخل الجهات
الرسمية، تحوّلت هذه الحيوانات إلى خطر يومي يتزايد مع مرور الوقت، وسط مخاوف من
تفاقم الوضع خلال المواسم الزراعية المقبلة.
وفي السنوات الماضية، كانت الخنازير تظهر في أطراف
الوديان والأحراش، لكن المشهد تغيّر اليوم بشكل لافت؛ لأن المجاميع الكبيرة باتت
تقترب من حدود القرى، وتجول على مسافات قصيرة من منازل الأهالي.
ويصف سكان القرى الجنوبية لداقوق المشهد بأنه "غير
مسبوق"، إذ بات ظهور الخنازير شبه يومي، خصوصاً خلال ساعات الفجر والليل.
وتشير شهادات السكان إلى أن هذه المجموعات تتكون أحياناً
من عشرات الخنازير، تتحرك بسرعة وتدخل الحقول، ولا تتردد في مواجهة أي شخص يعترض
طريقها، ما تسبب في حوادث لم تكن مألوفة في السابق.
هجمات مباشرة
الهجمات التي كانت نادرة سابقاً أصبحت اليوم حقيقة يومية
تواجه الأهالي، وقد سجّلت المنطقة خلال الأيام الأخيرة إصابات بين المدنيين.
وفي هذا الصدد، يقول عبد الله العنزي، من أهالي المنطقة،
لوكالة شفق نيوز: "قبل يومين فقط هاجمت مجموعة كبيرة من الخنازير أطراف
داقوق، وأصيب ستة مدنيين بجروح مختلفة أثناء محاولتهم الابتعاد عن الطريق الذي
كانت تعبره الخنازير. كما قامت هذه المجموعات بتجريف مساحات واسعة من المزارع في
الهجوم نفسه".
ويضيف أن "الأهالي يعيشون حالة قلق دائمة، وأن بعض
الأسر باتت تمنع أبناءها من الخروج ليلاً أو حتى صباحاً قبل شروق الشمس خوفاً من
مواجهة مفاجئة مع هذه الحيوانات التي أصبحت أكثر جرأة وعدوانية".
في حين، يوضح شعلان عادل، أحد وجهاء المنطقة، لوكالة شفق
نيوز، أن "الخنازير تأتي الآن على شكل مجاميع كبيرة يصل عددها إلى خمسين
خنزيراً. شاهدناها تتجول بين البيوت ليلاً، وهاجمت عدداً من المزارعين أثناء ريّ
الحقول. نعيش حالة خوف حقيقية".
ويشير إلى أن "الأهالي قدموا عشرات المناشدات إلى
الجهات المعنية، لكن الاستجابة بقيت محدودة جداً، ما جعلهم في مواجهة مباشرة مع
خطر يتزايد كل يوم".
الخسائر الزراعية
وتعد مناطق داقوق والرشاد والعباسي من أهم المناطق
الزراعية جنوبي كركوك، لكن الخنازير البرية ألحقت بها خسائر كبيرة، خاصة في محاصيل
الحنطة والشعير والخضروات.
المزارع حسن نجم تحدث لوكالة شفق نيوز، عن معاناته
قائلاً إن "ما زرعناه خلال أشهر أتلفته الخنازير في ليلة واحدة. تدخل الحقول
وتقتلع المزروعات أو تدهسها أثناء مرورها. حاولنا إقامة سياج، لكنه لا يصمد أمام
قوتها. خسائرنا كبيرة ولا أحد يعوضنا".
ويؤكد مزارعون آخرون أن استمرار الهجمات دفعهم إلى تقليل
المساحات المزروعة هذا الموسم خوفاً من الخسائر، ما قد ينعكس سلباً على الإنتاج
الزراعي في المنطقة.
أسباب الانتشار
ولتشخيص أسباب تفاقم الظاهرة، يبين المختص في مجال
الزراعة زاهر العزاوي، لوكالة شفق نيوز، إن "هناك عدة عوامل ساهمت في انتشار
الخنازير بهذا الشكل، أبرزها غياب حملات المكافحة خلال السنوات الأخيرة، وتوفر
الغذاء بكميات كبيرة داخل الحقول، إضافة إلى غياب المفترسات الطبيعية التي كانت
تحد من أعدادها. كما أن التراجع في النشاط البشري في بعض المناطق الزراعية منحها
مساحة مثالية للتكاثر".
ويضيف أن "الخنازير تمتاز بسرعة التكاثر، إذ تلد
الأنثى من ستة إلى عشرة صغار في الولادة الواحدة، ما يؤدي إلى تضاعف أعدادها خلال
فترات قصيرة"، مؤكداً أن "مواجهة هذه الظاهرة تتطلب خطة حكومية منظمة
تشمل المكافحة، والحماية، والدعم الفني للمزارعين".
ويلجأ السكان إلى استخدام الأضواء القوية والمفرقعات
لطرد الخنازير، لكن هذه المحاولات لم تحقق نتائج واضحة، إذ سرعان ما تعتاد
الخنازير على الأصوات وتعود مجدداً إلى الحقول.
ويؤكد شعلان عادل، أن جهود الأهالي تبقى محدودة أمام حجم
المشكلة، مضيفاً: "نحن بحاجة لحملة حكومية حقيقية تشمل دعم المزارعين وتسييج
بعض الأراضي الحساسة، إضافة إلى جهود مكافحة مكثفة. الوضع خرج عن السيطرة".
وبين الإصابات البشرية وتدمير المحاصيل وتزايد أعداد
الخنازير يوماً بعد آخر، يبقى سكان داقوق والرشاد والعباسي في حالة ترقب وقلق. ومع
استمرار غياب التدخل الرسمي، تتسع المخاوف من أن تتحول الظاهرة إلى مشكلة أكبر
تهدد الأمن الغذائي والسكاني في المنطقة. وحتى تتحرك الجهات المعنية، سيظل الأهالي
يواجهون الخطر وحدهم، في معركة غير متكافئة مع مجموعات من الخنازير البرية
التي تتوسع دون رادع.