رحلة مع جثث الموتى.. مهاجر عراقي يروي معاناة الطريق إلى اوروبا
شفق نيوز/ روى مهاجر عراقي إلى أوروبا رحلة المعاناة التي اختبرها في البحر والغابات والدول التي اجتازها ليصل أخيراً إلى فرنسا على أمل مغادرتها إلى بريطانيا.
يترك المهاجرون العابرون إلى أوروبا عبر خطوط التهريب خلفهم قصصاً مأساوية ولحظات معاناة لا سيما خلال اجتيازهم المعابر الحدودية للدول المناهضة للجوء.
وسواء أكان المهاجر هو صاحب المعاناة أم شاهدها أمامه، ستترك أثراً نفسياً ينعكس على رحلته وربما على كل سنين حياته.
إيهاب هرب من العراق إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، في رحلة فيها من الشقاء والأسى ما جعله يعيش حالة نفسية صعبة حتى بعد وصوله إلى بر الأمان الأوروبي، بحسب موقع قناة "The black box" على يوتيوب.
احتيال المهربين ومخاطر البحر
قرر إيهاب ابن مدينة الفلوجة ترك العراق هربا من تنظيم داعش والأوضاع الصعبة في العراق، وعاش في تركيا لسنوات عانى فيها أيضا من تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار، فقرر السفر والبحث عن حياة أفضل.
وقال إيهاب "الهدف كان الوصول إلى بريطانيا، والرحلة الأولى ستكون إلى اليونان ومنها إلى إيطاليا، وبعدها سيكون التنقل سهلا داخل القارة الأوروبية.. هكذا ظننت".
وأضاف "تواصلت مع مهرب كوردي يعيش في تركيا واتفقت معه على الإبحار عبر اليونان إلى ايطاليا مقابل 12 ألف دولار، وذلك في قارب VIP يحمل 100 شخص، لكننا تفاجأنا قبل الإبحار أن العدد يفوق الـ150 شخصا ومعظمهم أتراك وأفغان وإيرانيون".
انطلق القارب الساعة الثامنة ليلا، وبعد يومين من الإبحار، توقف محرك القارب عن العمل وبدأ الماء يتسرب إلى داخله.
وبين إيهاب "بدأنا نفرغ القارب من الماء بالأكياس البلاستيكية كي لا نغرق، ثم قام أحد الركاب بإصلاحه، وتابعنا الإبحار، وفي اليوم التالي ارتفعت أمواج البحر إلى حد كبير، وأصبحت تضرب القارب فغرقت غرفة المحركات مع أمتِعتنا، وتوقف القارب عن التحرك".
يوم عصيب في البحر
وقضى إيهاب ومَن معه يوما كاملا في عرض البحر، ينتظرون غرق القارب الذي امتلأ بالماء.
وعن هذه اللحظات تحدث إيهاب "كان بجانبي طفل إيراني عمره ثلاثة أشهر، أصبحت أفكر في مصيره ومصيري إذا غرق القارب، وعندما وصل الماء إلى ارتفاع 80 سم داخل القارب، لم يبق أمامنا إلا تلاوة الشهادتين، كل من على القارب أصبح يتلو الشهادتين، فنحن انتهينا.. مصيرنا هو الغرق".
خلال دقائق لمح إيهاب وصديق له على القارب باخرة كبيرة قادمة من بعيد، فتيقنوا أنها أملهم الوحيد، بعدما تجاهل العديد من الباخرات استغاثاتهم.
قرر إيهاب وصديقه إشعال أي شيء على القارب لتلتفت الباخرة إلى الدخان، وفعلا بدأت الباخرة بالاقتراب من القارب، وعندما وصلت قام طاقم الباخرة بإسقاط حبال إلى القارب لإنقاذ المهاجرين.
وعن عمليات الإجلاء تحدث إيهاب "قررنا البدء بسيدة إيرانية حامل في الشهر الثالث، قمنا بربطها في الحبل وبدأ طاقم الباخرة بالسحب، بعد ارتفاعها عن سطح القارب أمتار، لا ندري ماذا حدث، سقطت المرأة والجنين في داخلها إلى المياه".
وأوضح "ارتطمت السيدة الحامل بحافة الباخرة ثم ارتطمت بجدار القارب فغابت عن الوعي، وسقطت في المياه، نظرنا إليها فوجدناها غائبة عن الوعي، وقامت الأمواج بسحبها وابتلاعها".
توترت الأجواء كثيرا بعد فشل أول عملية إنقاذ وظن البعض أن طاقم السفينة قاموا بإفلاتها عمدا.
حبال الأمل
وتابع إيهاب "لم يكن لدينا خيار آخر، سوى محاولة النجاة، فمضينا في الصعود إلى الباخرة عبر الحبال وعبر الصناديق، وبعد إجلائنا اكتشفنا أن وجهة الباخرة هي اليونان".
وأردف بالقول "عندما وصلنا إلى اليونان وجدنا خفر السواحل بانتظارنا، وقاموا باعتقالنا وأخذونا إلى كامب على جزيرة يونانية، ومن ثم إلى سجن في أثينا".
بعد خروجه من السجن نفذ إيهاب بضع محاولات تهريب إلى إيطاليا، بعضها كان بحرًا وبعضها في الشاحنات، لكنها جميعها فشلت.
موت جديد على اليابسة
المحاولة الأخرى كانت في البر وعبر الحدود الألبانية، وهنا تحدث إيهاب "تواصلنا مع المهرب الذي نقلنا إلى نقطة قريبة من الحدود عبر حافلات سياحية، وبعدها بدأنا بالسير وهناك شاهدنا جثة مهاجر كان توفي قبل أيام بسبب البرد".
وتابع إيهاب "صرنا نتناوب على حمل الجثة لإيصالها إلى ألبانيا ودفنها على الطريقة الإسلامية، لقد كانت متفسخة ومن غير المعقول تركها في الغابة على هذه الحال".
"غدا أو بعد غد، من الممكن أن أكون مثل هذا الشاب، جثة هامدة" هكذا قال إيهاب في قرارة نفسه وهو يحمل الجثة، لذلك قرر مواصلة الطريق بها، ودفنها مهما كلف الأمر.
اضطر الشباب إلى تسليم أنفسهم من أجل دفن جثة المهاجر، وقامت الشرطة الألبانية بمساعدتهم للتواصل مع أهل المتوفَّى ثم أعادتهم إلى الحدود بعد إثبات براءتهم من جرم تهريب البشر.
جدار المجر المنيع
وبقي إيهاب هناك 4 أيام وحاول مرة أخرى ولم ينجح، فقرر العودة إلى اليونان والمحاولة من هناك.
وعبر شاحنة نقل مغطاة بالقماش سافر إيهاب ونحو 25 شخصا من أثينا إلى صربيا، واستغرقت رحلتهم يوما كاملا.
وأضاف "من صربيا انتقلنا إلى المجر عبر الأنهار التي كنا نجتازها بالقارب تارة وسيرا أو سباحة تارة أخرى، وفي الغابات الهنغارية اعترضتنا الشرطة وأعادتنا إلى الحدود الصربية عبر حافلاتها".
ليست النهاية
صربيا – فيينا، كانت طريق محاولة التهريب الأخيرة لإيهاب والتي تكللت بالنجاح، وهنا قال إيهاب "من فيينا انتقلت إلى ألمانيا، ومنها إلى فرنسا وتحديدا مدينة دينكير الفرنسية، وأنتظر إلى الآن هناك في منطقة على الحدود مخصصة للاجئين الراغبين في العبور إلى بريطانيا التي ستكون المحطة الأخيرة".
ويعيش إيهاب ظروفا صعبة في الكامب على الحدود، فالطقس بارد جدا والخدمات المقدمة للمهاجرين في هذا الكامب خجولة جدا، كما إنه يعاني مشكلات نفسية على أثر ما رآه خلال رحلته التي لم تنته بعد، على أمل أن يصل قريبا إلى بريطانيا ويعلن نهاية تغريبته.