بعد مائتي عام من الكتب ومخطوطات ذهبية.. شارع النجفي يعود بمكتبة "يتيمة"
شفق نيوز/ بالرغم من الخراب الذي طال شارع النجفي، إلا أن الموصليين مازالوا يمرون به ويتصفحون ذكريات تعبق فيها رائحة الكتب واحبارها.
العديد من كبار السن يمرون في الشارع ويتأملون المحال الموجودة فيه وما حل بها بسبب الخراب والدمار وكأنهم يتخيلون المشهد عندما كان الشارع في ابهى صوره قبل احتلال تنظيم الدولة للمدينة.
ذكريات تثير الحزن
العم احمد من سكنة منطقة رأس الكور في المدينة القديمة، دائم المرور بالشارع ويجول ببصره على واجهات المحال الموجودة فيه.
لدي ذكريات جميلة في هذا الشارع؛ يقول العم أحمد لوكالة شفق نيوز؛ ويتابع: "آتي الى المكان لاتذكر ايام الشباب وكيف كنت ازور المكان بصورة يومية، وقد اشتريت ذهب زوجتي في عرسنا من الصاغة الذين كانوا متواجدين في السوق".
ويضيف العم بعد أن نفث حسرة حزن؛ "كلما مررت من هنا اتذكر زوجتي التي خطفتها الحرب مني واتذكر أجمل أيامنا التي قضيناها في هذا المكان الذي كنا نزوره بين الحين والآخر طوال فترة زواجنا ولكن الأشرار دمروا هذا الشارع وخطفوا مني روح شريكة حياتي ولم يبقَ لي الا الذكريات فقط.
قرنان من الزمان
ويعود تاريخ شارع النجفي الى العهد العثماني عندما انشأه العثمانيون في العقد الاول من القرن التاسع عشر ليربط عدد من أحياء المدينة القديمة ببعضها ويصل طول الشارع الى 250 مترا وبعرض 5 أمتار وكان يتواجد فيه صاغة الذهب ومحال بيع المعجنات الموصلية بالاضافة الى المكتبات والمطابع التي كانت منتشرة على طول الشارع وفي أزقته الضيقة التي باتت مظلمة بسبب نيران الحرب بعد قرابة قرن كامل من عطاء العلم والمعرفة.
أول العائدين
يقول الحاج اسامة عبد الرحمن صاحب المكتبة العربية إن الدافع الذي جعله يعود الى افتتاح المكتبة هو تعلقه وحبه لشارع النجفي الذي يعد من أقدم شوارع الموصل.
ويضيف عبد الرحمن في حديث لوكالة شفق نيوز؛ أن "هذه المكتبة الخاصة بي كانت لوالدي وجدي في ما ماضى وقد بلغ عمرها 99 عاماً مع نهاية هذا العام وسنحتفل في العام القادم بوصول عمرها الى 100 عام اي قرن كامل في هذا الشارع".
وبشأن كونه أول العائدين إلى شارع النجفي، يبين صاحب المكتبة العربية؛ "أعتقد أن العودة هي واجب، حتى لو تحملت المصاعب وعدم وجود القراء والزبائن وحتى لو بقيت هي المكتبة الوحيدة المفتوحة لسنوات. فيجب ان اكون القدوة للاخرين من اجل تحدي مصاعب العودة فهذا المكان يستحق التضحية وتألمت كثيرا لما حصل به".
مخطوطات بماء الذهب
ويشير عبد الرحمن؛ إلى أن "شارع النجفي كان يحتوي على أمهات الكتب والمطبوعات وكان لدينا مخطوطات ومطبوعات يصل عمرها الى 1000 عام ومن بينها مخطوطات مكتوبة بماء الذهب قدمناها لمتحف المكتبة العامة في العاصمة العراقية بغداد".
ويلفت إلى أن "هذا الشارع قبلة القراء والمثقفين وتعلقي به شديد ولا يمكن ان استغني عنه بسهولة"، معربا عن أمله أن يعود باقي اصحاب المكتبات الى هذا الشارع لنرى آلاف الكتب مصفوفة على جانبيه ويعود القراء إليه من شتى أرجاء المحافظة ومن خارجها ايضا.
شارع المطابع الكبيرة
ويكمل الحاج اسامة حديثه عن الشارع والمطابع التي كانت موجودة فيه أتذكر العديد من المطابع الكبيرة والمهمة منها مطبعة الزهراء ومطبعة الجمهوري وغيرها من المطابع التي كانت تطبع الاف الكتب سنوياً لكن للأسف لم تعد أية مطبعة الى المكان وغالبيتها تضررت وسرق ما نجا منها من نيران الحرب ولم يعد في ازقة هذا الشارع سوى مشاهد الخراب والدمار.
مدينة أشباح
يقول الحاج حسن الشاهين الذي التقاه مراسلنا أثناء مروره بشارع النجفي انه يأتي بين فترة وأخرى لأنه يشعر بالراحة عندما يرى المكان حتى لو كان المكان اشبه مدينة اشباح ولا احد فيه.
أما عن سبب عدم عودة أصحاب المكاتب والمطابع والمحال التجارية الأخرى فيقول الحاج الشاهين؛ إن "عدم تعويض المتضررين هو السبب"، مشيرا إلى أن "جميع الاسواق التراثية الاخرى التي عادت الحياة إليها مثل سوق باب السراي والحدادين هي بسواعد الخيرين من اصحاب المحلات الذين تحملوا الامرين من اجل عودة الحياة الى أسواقهم ولولا تعلقهم بهذه الاسواق التراثية وحبهم لها لما عادت الحياة إليها".
ويخلص الشاهين إلى القول إنه "طالما بقت الحكومة العراقية مهملة لملف التعويضات، فإن الكثير من ملامح الخراب والدمار ستبقى شاخصة وستستمر معاناة الموصليين لسنوات اخرى".