"الضعف الجنسي" لدى الرجال.. أزمة تتفاقم عربيا
عرّفت منظمة الصحة العالمية الضعف الجنسي عند الرجال بأنه "عجز مستمر لأكثر من ثلاثة أشهر عن تحقيق أو مواصلة انتصاب العضو الذكري بصورة كافية لتحقيق جماع جنسي مرضي"، ويتظهّر أحيانا بسرعة القذف التي تعني حدوث القذف قبل وصول الشريك للرعشة، أو مضي وقت كاف في سياق العملية الجنسية. لا يوجد وقت محدد للعملية الجنسية، ولكن من المؤكد أن القذف بعد دقيقتين من الإيلاج يعتبر سرعة قذف.
يحدث الانتصاب عند تدفق الدم إلى كهوف القضيب نتيجة الاستثارة، إما بالأفكار الجنسية خاصة بالأعمار الصغيرة أو باللمس في الأعمار الأكبر، ومع امتلاء الكهوف بالدم، يكبر حجم القضيب ويصبح أكثر صلابة، وجاهزا للعملية الجنسية التي تنتهي بالقذف وبعدها يعود الدم عبر الأوردة للدورة الدموية.
يعاني أغلب الرجال في بعض الفترات من نقص القابلية والجهوزية لممارسة الجنس وقد يرافقها أحيانا نقص الإثارة وانخفاض حدة الرعشة ونقص التوق للجنس، وفي حالات أقل يصحبها أعراض بعد القذف، التي قد تشمل الصداع أو الغثيان أو آلام العضلات والتعب. تكثر هذه الشكاوى أثناء التعرض لضغط نفسي أو اضطرابات عاطفية أو صعوبات في العلاقة مع الشريك، ولا تعتبر هذه الأزمات العابرة ضعفا جنسيا.
خلال عملي الطبي في سوريا من عام 1980 حتى 2011 كان الضعف الجنسي شكوى واسعة الانتشار
لكن، في المقابل هناك مجموعة واسعة من العوامل الفيزيولوجية تسبب الضعف الجنسي كالسمنة والسكري وأمراض القلب والأوعية والتقدم في العمر، وهناك أسباب نفسية كالاكتئاب والضغط النفسي، وفي الحالات ذات المنشأ النفسي قد يحدث انتصاب خلال النوم أو باللمس اليدوي ولكنه سرعان ما يزول عند وجود شريك محدد أو أي شريك، أو عند محاولة المباشرة بعملية جنسية.
تقول التقديرات إن 30 مليون أميركي يعانون من اضطرابات الانتصاب، 80 في المئة منهم لأسباب فيزيولوجية مرضية. وترتفع النسبة عند الفئات ذات التحصيل العلمي المنخفض بسبب نمط الحياة غير الصحيّة كنوع الغذاء أو تعاطي الكحول والتدخين والمخدرات ونقص الرياضة أو النشاط العضلي. كذلك طلب ربع الرجال الأميركيين دون الأربعين من العمر المساعدة الطبية من أجل مشكلة في الانتصاب، وكان سبب ذلك عند 41 في المئة منهم هو التدخين.
وقال دكتور أقسم ياسين أستاذ بولية وتناسلية في مستشفى سيجيبير جير كلينيكين الألمانية إن تدخين عشرين سيجارة يوميا يرفع احتمال الإصابة بالضعف الجنسي بنسبة 60 في المئة، ودعا إلى التوقف عنه وعن الكحول.
وقالت دراسة للجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية عام 2018 إنه بعد سنة من الإقلاع عن التدخين وجد المرضى أن لديهم تحسنا بنسبة 25 في المئة في جودة الانتصاب. ويأتي مرض السكري بالمرتبة الثانية عند 27 في المئة منهم، لأن أي أزمة انتصاب عابرة تثير قلق ومخاوف مريض السكري، رغم أن مرض السكري بحاجة لأكثر من عشر سنوات من السكر غير المنضبط حتى يؤثر على الوظيفة الجنسية.
كانت المجتمعات الشرقية تتجنب التطرق لمشكلة الضعف الجنسي، ولكن خلال السنوات الأخيرة ونتيجة الانتشار الواسع لهذه الشكاوى لم يعد تجاهلها ممكنا. ففي عام 2006 قالت صحيفة البيان الإماراتية: "تعد منطقة الخليج إحدى المناطق التي تكثر فيها حالات البرود الجنسي عند الرجال نتيجة البدانة وقلة الحركة وارتفاع حالات الإصابة بأمراض الضغط والسكري".
وفي عام 2007 خلصت دراسة مصرية أجراها المركز القومي للبحوث في القاهرة إلى أن الضعف الجنسي قد ارتفع كثيرا، وأرجعت الدراسة السبب إلى سوء التغذية وزيادة الشحوم. وقال الدكتور محمد يحيى أستاذ العقم بجامعة عين شمس إن السبب هو تلوث البيئة وأن مربي الدجاج كانوا يمزجون مع علفها مسحوق حبوب منع الحمل حتى يزداد وزنها وهذا أثر على خصيات الأطفال، وكذلك نتيجة إقبال الشباب على حقن المواد البانية للعضلات التي تضعف الخصية، بالإضافة إلى مشاكل الحياة والضغوط النفسية والتوتر الدائم.
قلة الممارسة الجنسية هي التي قد تقود للبرود
اعتبرت الصحافة هذا البحث بمثابة صدمة للرأي العام المصري، ولكن سرعان ما توالت الدراسات والأبحاث التي أكدت هذه الحقيقة، فقد قال الدكتور حسني عوض أستاذ أمراض الذكورة في كلية طب القاهرة، إن 64 في المئة من الرجال بين عمر 35 و70 عاما مصابون بضعف جنسي. وتحدثت نجلاء الطائي في صحيفة "العرب اليوم" عام 2016 عن أن معظم رجال العراق يعانون من العجز الجنسي ويخشون البوح به.
وقالت صحيفة الرياض السعودية عام 2012، إن "62 في المئة من الرجال السعوديين تعرضوا لمشاكل جنسية، مع وضع مماثل في الإمارات، فيما تصل النسبة إلى 50 في المئة في مصر ولبنان" ولفتت إلى أن العرب ينفقون 10 مليارات دولار سنويا على المقويات والمنشطات الجنسية وأن 80 في المئة من حالات الطلاق في مصر سببها مشاكل جنسية".
وخلال عملي الطبي في سوريا من عام 1980 حتى 2011 كان الضعف الجنسي شكوى واسعة الانتشار، وكانت نسبة الشكايات ذات المنشأ النفسي أعلى من المعدل العالمي، بما يتماشى مع ما قاله الدكتور هاني مندور أخصائي في الديناميكية الجنسية لجهة أن 70 في المئة من أسباب الاضطرابات الجنسية عضوي و30 في المئة نفسي، وكانت الشكايات تبدأ مباشرة بعد حفل الزواج التقليدي الذي ينتهي غالبا باستشارة طبية نتيجة مشاكل أعاقت العملية الجنسية، وتستمر الشكايات بعدها في سياق الحياة الزوجية، وكان الرجل يأتي في أغلب الحالات وحيدا وغالبا بدون إعلام زوجته.
وكان هذا يقلل من الفائدة المرتجاة من الاستشارة، فمثلما هناك نصائح للرجل مثل تجنب الإلحاح المبالغ فيه على محاولة الجماع في وقت الأزمة، والعمل على الخروج مع الزوجة في نشاطات اجتماعية وتجاهل الموضوع حتى يشعر بالإثارة والجهوزية، وأن يترك لخياله الجنسي العنان بدون أي ضوابط، فهناك أيضا نصائح لا تقل أهمية للشريكة، بأن تكون متفهمة ومتعاونة وأن تدرك أن ذلك يحدث مع أغلب الرجال، لكن دون أن تترك انطباعا بأنها جاهزة أو متوفّرة دائما مما يقلل من الإثارة عند شريكها، بما فيها أن لا تترك نفسها شبه عارية في المنزل لأن التشويق الجنسي في المجتمعات العربية يعتمد على الاستثارة البصرية، وأن يحاول الشريكان ابتكار طرق مختلفة للإثارة مثل المداعبات غير المألوفة أو ممارسة الجنس بأمكنة غير متوقعة أو تقليدية.
يجب تركيز الجهد على وقاية الأجيال الجديدة من الإصابة بالضعف الجنسي
وعند اللجوء للعلاج الدوائي فمن الأفضل معرفة الطريقة المثلى لتحقيق أكبر فائدة ممكنة منه بدلا من شراء الدواء من الصيدلي وتناوله بدون استشارة طبية. وقال البروفسور جون مولهول من جامعة كورنيل الأميركية في مؤتمر حول نقص فعالية المنشطات الجنسية في جدة عام 2017 إن "سبب عدم الاستجابة للأدوية المنشطة الموجودة حاليا يعود لقيام المريض باستخدامها بنفسه دون زيارة الطبيب، لأن لكل حالة مرضية خصوصيتها والدواء الأنسب لها"، كما أن مفعول هذه الأدوية يقل عند الإفراط في تناولها، ولذلك يجب استخدامها بأقل جرعة تحدث الأثر المطلوب، لتحافظ على فعاليتها لأطول فترة ممكنة، خاصة لمن بدأ باستخدامها في سن صغيرة.
فالفياغرا، على سبيل المثال، بدل ابتلاع حبة كاملة يمكن وضع جزء منها بالفم لتذوب فيه حيث يمكن تحقيق نتيجة أفضل بجرعة أقل، وبإمكان الذين اعتادوا على جرعة عالية من هذه الأدوية التوقف عنها لبضع أسابيع حتى يتم سحبها من الجسم ثم العودة تدريجيا بجرعات منخفضة.
مع أهمية التذكير بأن جميع المقويات لا تفيد إذا لم يرافقها خيال جنسي نشيط، وبأن العملية الجنسية غريزة طبيعية غير ضارة ولا تؤذي الجسم بأي طريقة، ولا صحة للقول بأن من الأفضل التخفيف منها، ولا بأن هناك أضرارا كبيرة للعادة السرية، بينما قلة الممارسة الجنسية هي التي قد تقود للبرود.
ومن اليوم يجب تركيز الجهد على وقاية الأجيال الجديدة من الإصابة بالضعف الجنسي من خلال الاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها الجيل الحالي.
د. عماد بوظو