"السرقة الحلال".. مهنة تدفع قساوة البرد والجوع في جبال كوردستان
شفق نيوز/ جمع الحطب او "الاحتطاب" أو "السرقة الحلال" كما يسميها البعض، هو كناية عن جمع الأشجار اليابسة او بعض اغصانها اليابسة او الشجيرات التي تضر بالأراضي التي يستفاد منها للزراعة، وفيها يخرج الحطّاب بفأسه ليغنم من الطبيعة ما يريد.
ولسخرية القدر او "دهاء الفكر الاجرامي المتطرف، استخدم الإسلاميون المتطرفون في بعض المناطق ومنها شمالي سوريا "الاحتطاب" مثالاً لتخريج "فتوى" للقيام بعمليات خطف الناس وتحريرهم مقابل مبالغ مالية كبيرة ونهب الأموال والحيوانات من الناس في المناطق التي تقع خارج سلطتهم لتغطية مصاريفهم المالية التي تناقصت بعد تطهيرها منهم!!!
اما عند القرويين في شمال محافظة دهوك بإقليم كوردستان؛ فالأمر يختلف بعض الشيء عندهم، اذ لا وجود لسيطرة الجماعات الإرهابية فيها؛ بل هناك عدو من نوع آخر، الا وهو الفقر والبرد: فها هم أهالي القرى شمالي دهوك يلجؤون الى توفير الحطب للتدفئة واعداد الطعام او للبيع، نظراً لأن توفير المحروقات في الظروف الراهنة أمر صعب المنال لشظف المعيشة نتيجة الازمة الاقتصادية.
(طاهر مصطفى) من قرية هروري القريبة من الحدود التركية يقول لوكالة شفق نيوز ان الحكومة توفر لهم برميلا واحد من النفط الأبيض كل عام وهذا لا يكفي الا لشهر واحد.
ويتحدث طاهر عن أجواء هذه المناطق في فصل الشتاء فيقول: "نتهيأ لفصل الشتاء قبل هطول الثلوج بكثافة؛ فنقوم بجمع الحطب، وكل يوم نقوم بنقل الحطب باستخدام الحمير، مناطقنا باردة جدا في الشتاء"
ويبحث طاهر دوماً عن قطع الأشجار اليابسة لعدم المساس بالبيئة والحفاظ على الأشجار كي يوفر لعائلته المؤلفة من سبعة افراد الحطب للتدفئة والطبخ؛ ويبدو أن الانسان الكوردي جُبِل على طول الزمن على احترام البيئة التي يعيش فيها فهي بالنسبة اليه مثال الام المعطاء التي يعتمد عليها فيأبى ان يضرّ بِها.
(إبراهيم نادر) من قرية أخرى بمنطقة "برواري بالا" الحدودية مهمته قطع الحطب ويتحدث لوكالة شفق نيوز عن طبيعة عمله قائلاً "أصبحت قوياً جراء هذا العمل الشاق.. أقوم بقطع الاخشاب وجمعها بالقرب من المنزل كي يسهل استخدامها من قبل العائلة".
ويضيف أنه "عمل شاق ولكني تعودت عليه حيث يقوم ابنائي بنقل الحطب من مراعينا القريبة؛ واذا ما اردنا الحطب من مرعى الجيران فيجب طلب الرخصة منهم"، اذ يبدو ان ذلك جزء من اخلاقيات المهنة ومدى التزام سكان هذه المنطقة بعدم خرق ما توارثوه من آبائهم واجدادهم من موروث قيمي لا يجيز لهم حتى الاحتطاب من منطقة مجرد لكون الجيران يحتطبون فيها.
وتستعد قرى في شمالي محافظة دهوك لفصل الشتاء القارس المثقل بهطول ثلوج وبكميات كبيرة تمنع اهاليها من الخروج لأي عمل؛ فالطرق تغلق لأيام عديدة، وما لديهم من مخزون من المحروقات وخصوصاً النفط الأبيض لا يكفي الا لشهر واحد حسبما أفادوا به، وهذا ما يدفعهم للاستعداد لتوفير هذا البديل الطبيعي الذي يتطلب منهم جهداً كبيراً لجمعه في منطقة وعرة تستلزم منهم قوة بدنية كبيرة لجمع وحمل وتحميل الحطب على الدواب لمن يملكها والسير بها لمسافات طويلة.
اما استعداداتهم كتقليد سنوي بات جزءاً من حياتهم البسيطة وباتت عملية ليست مستعصية على أصحاب مهن يبدو انهم تعودوا عليها مكرهين لإدارة معيشتهم ببيع قسم منه واستخدام الباقي للتدفئة والطبخ وإلا فأن البرد والجوع لا يرحمان..