فصل اطفال اللاجئين في السويد عن ذويهم اشكالية اختلاف القيم
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا مقطعا مصورا يظهر عناصر الشؤون الاجتماعية السويدية "السوسيال" وهم يسحبون طفلة من بين يدي أمها، ما أثار غضبا واسعا، بحسب وصفهم.
ويظهر شريط الفيديو المتداول الأم وهي من اصول عراقية تتوسل عناصر الشرطة السويدية بأن لا يأخذوا ابنتها منها، وقال ناشطون أن الشؤون الاجتماعية السويدية ليس لها مسوغ في سحب الطفلة من عائلتها، لاسيما أنها عائلة مستقرة ماديا والطفلة تعيش مع أمها وأبيها؛ لكنهم قاموا باقتيادها بالقوة، بحسب قولهم، مشيرين الى ان العائلات اللاجئة في السويد من الدول العربية تعاني من أسلوب إدارة الخدمات الاجتماعية في السويد، اذ يتهمها اللاجئون "باختطاف" أبنائهم، في حين تؤكد "السوسيال" أنها تتحرك وفق القانون.
ويشكو كثير من اللاجئين في السويد من قيام "السوسيال" بحرمانهم من أبنائهم، بصفتها عملية خطف من دون وجود غطاء قانوني، على حد وصفهم، فيما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي عشرات القصص لسحب عدد من الأطفال ممن هم من أصول شرق اوسطية.
وكانت طفلة من اصول عراقية قد أبلغت رفيقاتها في المدرسة بأنها متزوجة فما كان من المدرسة إلا أن أبلغت "السوسيال"، ليتطور الأمر بسرعة وينتهي بقرار انتزاع الصغيرة من امها.
وبحسب المصادر السويدية فإن سحب الأطفال لا يعد أمرا جديدا في السويد، شأنها في ذلك شأن معظم الدول الأوروبية الموقعة على اتفاقيات أممية لحماية حقوق الطفل، ولا يقتصر تطبيق هذا الإجراء على الأسر المهاجرة، بل يشمل عائلات من جميع شرائح المجتمع السويدي ممن "ثبت سوء معاملتها لأطفالها"، بحسب تلك المصادر.
ويفسر البعض أسباب تصاعد الحديث عن قضايا سحب الأطفال مؤخرا بارتفاع عدد الأسر اللاجئة إلى السويد، فضلا عن الفجوة الثقافية والاختلاف الجذري في أساليب تربية الأطفال.
ويجادل بعض اللاجئين والمتعاطفين معهم بأن السلطات تتعمد فصلهم عن أطفالهم لأسباب واهية ويصرون على وصف ما حدث بأنها حملة "تستهدف المسلمين دون غيرهم".
وتنفي الحكومة السويدية الادعاءات التي تحدثت عن قيام دائرة الخدمة الاجتماعية في البلاد بـ"خطف أطفال مسلمين"، وتصف وزارة الخارجية السويدية المعلومات المتداولة بأنها "مضللة بشكل خطير وتهدف إلى خلق جو متوتر" مضيفة أن "جميع الأطفال في السويد يتمتعون بالحماية والرعاية من دون أي تفرقة بموجب التشريعات السويدية، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل".
ومن المعلوم ان الحديث عن السويد ارتبط برغد العيش والرفاهيّة الاجتماعية العالية التي يتمتع بها سكانها، كما تُصنف الدولة الإسكندنافية على أنها إحدى أفضل دول العالم لتنشئة الأطفال وفقا لمجلات متخصصة؛ وتعد دائرة الشؤون الاجتماعية، المعروفة اختصارا بـ"السوسيال" في السويد، المؤسسة المسؤولة قانونيا عن ضمان تنشئة الطفل في بيئة صحية وآمنة، بحسب تلك المجلات.
وقد تأسست دائرة "السوسيال" بهدف حماية الطفل عندما يكون عرضة للإهمال الواضح، كأن يتعرض للعنف الجسدي والنفسي، أو كأن يكون أحد أفراد الأسرة مدمنا للمخدرات، بحسب قوانينها.
وفي حال تلقت هذه المؤسسة معلومة بتواجد خطر يهدد الطفل، فيحق لها سحبه بسلطة القانون وفتح تحقيق في الأمر، ثم وضعه عند "عائلة مضيفة" بموجب قرار يصدر عن المحكمة الإدارية في كل بلدية.
ومن المهام الأخرى التي تختص بها دائرة الشؤون الاجتماعية، تقديم الدعم المالي والاجتماعي للعاطلين عن العمل وذوي الاحتياجات الخاصة، وحماية النساء المعنفات، ورعاية كبار السن والمهاجرين، كما تحرص المؤسسة بحسب قانونها على "تعزيز العلاقات داخل المجتمع وبناء الفرد"، وفقا لاستشاريين في السلوك المعرفي وموظفين في دائرة الشؤون الاجتماعية السويدية.
ويلفتون في احاديث اعلامية الى أن السويد "تُركز دائما على الفرد، إذ لا تهتم في قوانينها بفكرة العائلة بقدر ما تهتم بسلامة الفرد، فقد يكون رب العائلة إنسانا غير ملائم ما ينعكس سلبا على بقية أفراد الأسرة، بخاصة الأطفال"، على حد وصفهم.
وإذا شكت دائرة الخدمات الاجتماعية أن أحد الوالدين أو كليهما غير قادر على رعاية الأطفال، تباشر فورا باتخاذ الإجراءات المطلوبة لحماية الطفل وفقا للمادة 1990:52 من قانون الرعاية الاجتماعية، لافتين الى أن دور "السوسيال" هو تطبيق القانون فقط، ومبينين أن هناك "آليات ونصائح وتحقيقات طويلة تسبق عملية سحب الأطفال من ذويهم".
ويقول مستشارون قانونيون أن القرار النهائي في مثل هذه الحالات يعود للقضاء، موضحين أن "حرمان طفل من رعاية والديه هو آخر خطوة يمكن أن تُقدم عليها دائرة الشؤون الاجتماعية"، مردفين ان التحقيق مع أي عائلة بعد ورود شكوى ضدها تُعرف باسم "بلاغ القلق"، وعادة ما يجري ذلك عبر حالتين؛ عندما يتقدم أحد الوالدين أو الطفل نفسه بشكوى تفيد بتعرضه لسوء المعاملة أو الضغط النفسي، او عند تلقي هيئة الشؤون الاجتماعية بلاغا من طرف ثالث، كمدرسة الطفل أو الممرض أو الأصدقاء أو الجيران، ويلزم القانون المدرسين أو الممرضين بالتقدم ببلاغ في حال وجود مخاوف أو شكوك بشأن سلامة الطفل.
ويقدر عدد "بلاغات القلق" التي تصل لهيئة الشؤون الاجتماعية بـ 300 ألف بلاغ سنويا، من بينها 180 ألف حالة متعلقة بالأطفال، بحسب إحصاءات مجلس الخدمات الاجتماعية وهيئة الإحصاء السويدية، وتختلف الإجراءات باختلاف الحالة ونتائج التحقيق؛ فقد يكتفي "السوسيال" بتوجيه تنبيه وإخضاع الأهل لدورات تدريبية في التعامل والتربية أو وضع الأهل والأطفال تحت المراقبة لمدة، وقد يتطلب الأمر التدخل العاجل إذا ما كان حجم الضرر واضحا أو في حال ثبوت عدم أهلية الوالدين، ويرسل الأطفال إلى دور رعاية تابعة لهيئة الخدمات الاجتماعية أو لعائلات بديلة لرعايتهم، وقد تتخذ المحكمة قرارا بإعادة الأطفال إلى ذويهم بعد أن يجتازوا دورات تأهيلية في التربية وفي التعامل مع الأطفال أو ينجحوا في تحسين أوضاعهم الاقتصادية؛ و في الحالات "الخطيرة"، تلجأ المحكمة لإبعاد الطفل عن أهله بشكل نهائي وفوري ثم نقله إلى مدينة أخرى.
وتقول سيدة أربعينية من أصول عراقية تقيم في السويد منذ أكثر من 26 عاما، وهي أم لستة أولاد تتراوح أعمارهم بين 24 و 9 سنوات، ان مشكلاتها بدأت مع "السوسيال" قبل ثلاث سنوات تقريبا ببلاغ من مدرسة بنتها عن سبب ارتدائها الحجاب في سن التاسعة، ودخولها في سجالات مع أصدقائها حول مسائل دينية، ما عدته المعلمات تدخلا في اختيارات الآخرين، بحسب قولها، مزيدة القول "لاحقا تطورت المشكلات وتلقينا بلاغا آخر من "السوسيال" يشك بتعرض طفلتي للختان، وبعد سلسلة من النقاشات والفحوصات التي بينت زيف تلك الاستنتاجات طوي الأمر".
وقررت الأسرة لاحقا السفر إلى العراق لقضاء الإجازة الصيفية التي تحولت إلى إقامة مفتوحة امتدت إلى سنتين، وتقول اللاجئة إن زوجها "كان يخشى إبعاده عن طفليه الصغيرين فقرر البقاء في العراق مستفيدا من انتهاء صلاحية جواز سفرهما السويدي"، وتردف "إثر عودتنا إلى السويد كنت حريصة على إعلام "السوسيال" والمدرسة بكل التفاصيل، خاصة أن طفلتي كانت دائمة التفكير بموضوع الزواج، لكن لم أتلق وقتها الدعم الكافي، فلماذا تم سحب الطفلة من دون سابق إنذار بحجة أنها أخبرت صديقاتها بأنها متزوجة".
وتستدرك "لايزال "السوسيال" يخشى من احتمالية تزويج الطفلة وقد يكون لهم الحق في ذلك لكنني أثبت لهم أنني حريصة على حماية ابنتي أكثر من أي شخص آخر". وتخوض الأم حاليا معركة قضائية لاستعادة ابنتها، التي لم ترها منذ أكثر من خمسة شهور، وقد نُقلت الطفلة إلى منزل "عائلة مضيفة"، ثم إلى مركز للرعاية الاجتماعية بعد أن حاولت الهرب في أكثر من مناسبة، بحسب ما تقول والدتها.
واستنادا الى الارقام فقد بلغ عدد حالات سحب الأطفال من أسرهم في عام 2019 لوحده في جميع انحاء السويد 7900 حالة، منها 4800 حالة لأطفال من أصول سويدية، و3100 حالة لأطفال من أصول مهاجرة.