"وداعاً بنت بلادي".. المهور الباهظة للنساء العراقيات تدفع الشباب إلى خارج الحدود
شفق نيوز/ في ظل ارتفاع مهور الزواج، بدأ الشاب العراقي باللجوء إلى نساء من بلدان عربية وأجنبية للزواج منهن، وذلك لانخفاض تكاليفهن مقارنة بنظيراتهن العراقيات اللاتي يطلبن شروطا "تعجيزية" لا تنتهي، في وقت يشكو الشاب من قلّة فرص العمل والبطالة.
وتطلب بعض النساء العراقيات مهور زواج باهظة بداعي ضمان حقها في المستقبل، نظرا لتعدد علاقات الشباب بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، والتأثّر بمشاهير و"بلوكرات" منصات التواصل، بالإضافة إلى كثرة حالات الطلاق التي تسجلها المحاكم يوميا، وفقاً للمختصين الذين أكدوا في الوقت نفسه أن غلاء المهور لن تحمي العلاقة الزوجية بقدر الانسجام والاحترام والثقة والتفاهم المتبادل بين الطرفين.
تفضيل غير العراقية
يقول المواطن محمد الأسدي من محافظة كربلاء، لوكالة شفق نيوز، إن "معظم الشباب عاطلون عن العمل، ومن يعمل منهم في القطاع الخاص لا يتجاوز أجره اليومي 25 ألف دينار، وهذه تكفي لسد مصروفه اليومي فقط".
ويضيف "عندما يرغب الشاب بالزواج يواجه بشروط تعجيزية، حيث يُطلب منه مهر 25 مليون دينار حاضر ومثلها غائب، وهذا المبلغ لا يستطيع الشاب توفيره، لذلك يختار غير العراقيات للزواج منهن".
ويتابع الأسدي "الشاب العراقي بدأ يتجه إلى دول عربية وعلى سبيل المثال، إلى سوريا ولبنان، حيث يشهد هذان البلدان أزمة اقتصادية أدت إلى خفض العوائل تكاليف زواج بناتهن، لذلك يرغب العراقي بالزواج من نساء تلك الدول لرخص مهورهن، إذ لا يتجاوز المهر 2000 دولار، كما ليس لهن شروطا تعجيزية مثل المرأة العراقية".
ويوضح الأسدي "المرأة العراقية بعد فترة وجيزة من الزواج، تبدأ بطلبات لا نهاية لها، منها الخروج إلى المطاعم بشكل متكرر، أو ترغب بالسفر، وشراء الملابس شبه اليومي والتردد على صالونات الحلاقة والمكياج وغيرها، والشاب العراقي الذي أجرته 25 ألف دينار، لا يستطيع التكفل بكل هذه الطلبات، لذلك يلجأ إلى غير العراقيات اللواتي لا يشترطن كل تلك الأمور، بل على العكس تتفهم الوضع وتساعد زوجها وتخدمه".
الجمال معيار نسبي
من جهتها ترى الباحثة الاجتماعية، شهلاء حافظ، أن "إقبال الشباب على الزواج من غير العراقيات يعود إلى عدة أسباب، منها أن العربيات وعلى سبيل المثال السوريات أو اللبنانيات المتواجدات حاليا في العراق، لا يزيد مهرهن عن 4000 دولار، وحتى الأجنبيات بصورة عامة تكون مطالبهن قليلة مقارنة بالشابة العراقية".
وتتابع حافظ خلال حديثها لوكالة شفق نيوز "وبما أن الجمال نسبي، يرى بعض الشباب أن النساء من جنسيات عربية أو أجنبية أجمل من المحليات، وأكثر ما يزعج الشاب العراقي هو مسألة ذهاب الزوجة إلى بيت أهلها أسبوعيا على أقل تقدير، أما مع الزوجة العربية أو الاجنبية فلا توجد لديها هذه الفقرة، ما يجنب الزوج المشاكل العائلية".
فرصة للثراء
من جانب آخر، يقول المواطن علي كريم من محافظة كربلاء، إن "الكثير من النساء العراقيات يبالغن في قيمة مهورهن، ولم يكتفين بذلك بل يطلبن أيضا كميات كبيرة من الذهب، ومع ارتفاع الأسعار الحالي بسبب صعود سعر الدولار وقلّة فرص العمل بات الاقدام على الزواج أكثر صعوبة عن السنوات السابقة".
ويضيف كريم الذي يبلغ 29 عاما ولم يتزوج حتى الآن، في حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "بعض النساء يعتبرن الزواج مشروعاً تجارياً وفرصة للثراء، حيث يدخلن على طمع بطلبهن مهوراً عالية، ومن ثم يفتعلن مشاكل مع أزواجهن ليأخذن تلك الأموال".
ويوضح أنه تقدّم لخطبة امرأة منذ مدة لكنه لم يستطع توفير ما طلبته منه، وهو ذهب بقيمة 9 ملايين دينار تُسلّم نقدا لها.
مخاوف النساء
في المقابل ترى امرأة من العاصمة بغداد، أن "طلب المهر العالي أمر طبيعي في ظل الانفتاح الحالي، حيث خلقت وسائل التواصل الاجتماعي مخاوف عند النساء إزاء تعدد العلاقات لدى الشباب، حيث نرى الشاب لديه علاقة مع أكثر من امرأة رغم كونه خاطبا أو حتى متزوجا".
وتكشف المرأة المقبلة على الزواج لوكالة شفق نيوز، أنها طلبت مهرا 150 مليون دينار مقدما ومثله مؤخرا لضمان حقها، مشيرة إلى أن "الرجل اذا كان جادا وصادقا في الزواج فإنه لن يتردد في الموافقة على مبلغ المهر واتمام الزواج".
امرأة أخرى من محافظة الديوانية تتحدث عن زواجها، وتقول لوكالة شفق نيوز "تقدم لي موظف كان يعمل معي في الدائرة، وكان المهر الذي طلبته 75 مليون دينار مقدما ومثله مؤخر، وأن يسجل بيتا باسمي، وذلك لضمان الحقوق في حال تغيرت النفوس في المستقبل، على الرغم من كونه شابا جيدا"، مضيفة "الموظف وافق على المهر وتم الزواج".
أسباب الارتفاع المهور
تعزو الأستاذة في جامعة بغداد، والباحثة في العلوم التربوية والنفسية والاجتماعية، الدكتورة فرح القريشي، ارتفاع مهور الزواج إلى "ما يحدث الآن من تصاعد لحالات الانفصال والتفكك الأسري، وعلى الرغم من أن المهور لا تُثمّن قيمة المرأة، لكنها ضمان لحقوق شرّعها الدين الإسلامي".
وتضيف القريشي لوكالة شفق نيوز "سابقا كان المهر هو السؤال عن أخلاق الرجل وسمعته ومكانته وطيبته وعشرته، أما حاليا فإن بعض النساء تركّز على الماديات والمظاهر أكثر من المضمون، حيث يظنن أن المال هو ما يُمتّن العلاقة الزوجية ويحميها، وهذا غير صحيح، بل في الشريك الذي يحصل معه الانسجام والاحترام والثقة والتفاهم".
ومن أهم عوامل غلاء المهور، هو التأثر بالآخرين، بحسب القريشي، حيث توضح أن "الانبهار بمواقع السوشيال ميديا وما ينشر فيها من أعراس باهظة الكلفة والانغماس والتأثر بالمشاهير والبلوكرات وما يلبسن وما يضعن من مكياج وما لديهن من سيارات، فهذا التأثر هو أهم عوامل غلاء المهور".
وتشير إلى أن "المرأة في الجيل السابق كانت تتحلى بالصبر والقناعة، أما الآن فإن بعض النساء يردن امتلاك الأشياء بسرعة، وخاصة عندما يرين إغراء مواقع التواصل، لذلك يعتقدن بأن قيمتهن بغلاء مهورهن، لذلك يجب الابتعاد عن هذا التفكير، وبالذات عند الأهالي، ويسعون بدل ذلك إلى اختيار شريك لبناتهن يصلح لديمومة الزواج، أما المال فهو يأتي ويذهب، لكن العلاقة الزوجية لا تكرر كل يوم".
حق المرأة
يوضح الباحث الإسلامي، وميض الغريفي، أن "من حق المرأة أن تحدد مقدار المهر الذي تراه مناسبا لها، لكن المهر المرتفع هو خلاف الاستحباب الذي هو تيسير الزواج على الشباب".
ودعا الشباب خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى "العمل لجمع مؤونة المهر والبحث عن الزوجة الصالحة مع صدق النية، وعلى النساء التعاون في مقدار مهورهن".
من جهته يقول الباحث الإسلامي، نور الساعدي، إن "الحالة العامة أن يكون للمرأة مهر المثل، وهو أن يكون مشابها لقريناتها من أقربائها، أم المهر الغالي فإنه يحق لها ذلك في ظروف خاصة، مثلا في حال وجود تجارب سابقة، أو خوف معين، أو حرص على حالة معينة".
ويبين الساعدي لوكالة شفق نيوز "في حال فسخ العقد ولم يُدخل الزوج بها، فإن المرأة تستحق نصف المهر شرعا، أما اذا كان مدخولا بها فإنها تستحق تمام المهر"، موضحا أن "المهر حاليا على قسمين مقدم ومؤخر، أما في الشريعة فهو صداق أو مهر واحد وليس مقدما ومؤخرا، لذلك هي تستحقه بتمامه، واذا تم الاتفاق على أي شيء اسمه مهر، فإنه يُعنى به شرعا المقدم والمؤخر".