هل تكرر إيران الخطأ النووي مثلما فعلت مع العراق في نهاية الثمانينيات؟
شفق نيوز/ قارن "معهد الشرق الاوسط" الامريكي بين وضع ايران حاليا في مأزق المفاوضات النووية وطرحها لشرطين مسبقين، احدهما مستحيل، وبين وضعها في العام 1987 عندما طرحت أمامها فرصة لأنهاء الحرب مع العراق، لكنها وضعت شرطين ايضا، وخسرت الكثير من بعدها.
وأوضح التقرير الامريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، انه في اطار الجهود الدبلوماسية المبذولة من اجل انهاء الحرب العراقية - الايرانية، صوت مجلس الأمن الدولي في 20 يوليو/تموز العام 1987، وذلك باجماع الاعضاء على القرار 598 الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وانسحاب جميع القوات إلى الحدود المعترف بها دوليا، وتبادل اسرى الحرب".
كما أن القرار 598 دعا الى تشكيل هيئة مكلفة بتحديد الطرف المسؤول عن بدء الحرب، وهو ما بدا محاولة لإرضاء ايران التي ظلت لسنوات تتهم نظام صدام حسين ببدء الحرب.
وفي حين ان نظام صدام وافق على قرار مجلس الأمن الدولي الا ان ايران وضعت شرطين مسبقين، يدعو الاول الى ازاحة صدام من السلطة، وهو كان مطلبها منذ بداية الحرب في العام 1980، والشرط الثاني يدعو الامم المتحدة الى ان تحدد بشكل فوري ان صدام هو المعتدي.
وبحسب التقرير الامريكي، فان المطلبين الإيرانيين، كان لهما منطقهما الخاص، اذ ان صدام كان هو المعتدي وهو الذي اتخذ قرار غزو ايران وبدأ الحرب، وهو في السنوات اللاحقة هاجم القوات الايرانية والمدنيين بالاسلحة الكيميائية، وان ايران كانت تعتبر انه طالما بقي صدام في الحكم، فسيكون بمقدوره دائما شن هجوم اخر ضدها، حتى لو كان اتفاق وقف اطلاق النار قائما.
وبرغم ذلك، ذكر التقرير ان مطلب ايران الاول المتعلق بازاحة صدام من الحكم ، كان "مستحيلا" تحقيقه، اذ انه في ذلك الوقت لم تكن هناك حكومة اجنبية او هيئة دولية على استعداد او بمقدورها اجباره على التنحي.
وتابع التقرير انه مما عزز من تعقيد الامور هو الشرط المسبق الثاني لايران والذي دعا الامم المتحدة الى تحديد صدام باعتباره المعتدي، قبل ان يتوصل الطرفان اولا الى وقف شامل لاطلاق النار.
واضاف "برغم ان هذا الشرط لم يكن مستحيلا ، الا انه كان من الصعب تحقيقه لان تنفيذه كان سيثني صدام عن القبول بوقف اطلاق النار"، وهو ما كان سينسف الجهود التي تبذلها الامم المتحدة لاطلاق عملية انهاء الحرب.
وفي ظل ذلك، ذكر التقرير ان موقف ايران بفرض شروط مسبقة، الى اطالة
امد الحرب، وقد اتضح ان ذلك كان خطأ مكلفا للغاية، حيث انه مع بداية شهر شباط/فبراير العام 1988، قام العراق بمهاجمة طهران للمرة الاولى بصواريخ سكود من طراز "الحسين" والتي عدلها مهندسون عراقيون بمساعدة تقنية سوفيتية، وفي هذا الاطار، اطلق العراق طوال 52 يوما بدءا من شهر فبراير/شباط ، 118 صاروخا على العاصمة الايرانية، مما ادى الى مقتل 422 مدنيا واصابة 1579 اخرين.، فيما نزح ربع سكان العاصمة منها خوفا.
وبالاضافة الى ذلك، اصبحت ايران اكثر عزلة وجرى تشديد العقوبات المتعلقة بالاسلحة، في حين كان العراق يتلقى افضل انواع الاسلحة من فرنسا والاتحاد السوفيتي، وهو خلل تسبب في وقوع هزائم ايرانية كبيرة في ساحة المعركة بين يوليو / تموز 1987 ويوليو / تموز 1988.
ولفت التقرير الى انه خلال هذه الفترة، سقط عشرات الالاف من الجنود والمدنيين الايرانيين قتلى وجرحى، ووقعت خسائر اضافية بملايين الدولارات بالاقتصاد الايراني، اما في نيسان/ابريل من العام 1988، فقد منيت ايران بهزيمة لافتة عندما استعاد العراق شبه جزيرة الفاو ، التي كانت ايران استولت عليها في فبراير/شباط العام 1986.
واعتبر التقرير بأن هذه العوامل وغيرها أدت في نهاية المطاف الى اجبار اية الله الخميني في يوليو / تموز العام 1988 على التخلي عن شروط ايران المسبقة والموافقة على وقف اطلاق النار وفق قرار مجلس الامن، وهو موقف كان صعبا لدرجة ان الخميني وصفه بانه "اسوا من تجرع السم".
ولهذا، يؤكد التقرير انه لو كان الخميني وافق على وقف اطلاق النار الاصلي في تموز/يوليو العام 1987، لكان قد انقذ حياة عدد كبير من الايرانيين، ولكان بمقدوره ايضا التفاوض مع صدام من موقع اقوى، حيث كانت ايران لا تزال تسيطر على جزيرة الفاو الاستراتيجية.
الخطأ يتكرر مع خامنئي
والان، يعتبر التقرير ان المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي يكرر خطأ سلفه الامام الخميني، حيث انه يضع شروطا مسبقة من اجل عودة إيران الى الاتفاق النووي للعام 2015، مضيفا انه مجددا من المستحيل تلبية احد هذه الشروط.
وأوضح أن هذا الشرط هو أن تؤمن إدارة جو بايدن ضمانات بعدم انسحاب اي رئيس امريكي مستقبلا من الاتفاق النووي، مضيفا ان هذا المطلب الايراني له أسباب منطقية حيث ان الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب ، هي التي كانت انسحبت من طرف واحد خطة الاتفاق النووي في ايار/مايو العام 2018، برغم ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت تؤكد وقتها ان طهران تفي بالتزاماتها المحددة في الاتفاق.
كما اشار التقرير الى ان ايران لا تريد، بعد مغادرة بايدن منصبه، ان يخرق رئيس امريكي اخر الاتفاقية مثلما فعل ترامب، مضيفا ان "هذا الشرط المسبق مستحيل، وذلك بسبب ان الولايات المتحدة هي ديمقراطية، ومن صلاحيات الرئيس ان يقرر ما اذا كان يريد الابقاء على صفقة وافق عليها سلفه ام لا، وبالتالي ليس بمقدور اي رئيس ان يقيد ايدي خلفائه فيما يتعلق باتفاقيات موقعة".
واضاف التقرير "مجددا، وكما حدث في العام 1987، فان ايران ترتكب الخطأ المتمثل باضافة شروط مسبقة صعبة الى شرط مستحيل قبل عودتها الى الخطة النووية"، موضحا ان احد الشروط المسبقة هو رفع الحرس الثوري عن لائحة وزارة الخارجية الامريكية للتنظيمات الارهابية الاجنبية.
ولفت التقرير الى ان "ادارة بايدن تعهدت برفع العقوبات المتعلقة بالمجال النووي التي كانت فرضتها ادارة ترامب، الا ان ادراج الحرس الثوري على لائحة المنظمات الارهابية الاجنبية، لا علاقة له ببرنامج إيران النووي".
وختم التقرير بالقول انه ستكون هناك "عواقب لاستراتيجية ايران الحالية بالتمسك بالشروط المسبقة ، ستكون هي نفسها التي كانت عليها العام 1987 بحيث ستصبح ايران اكثر عزلة وسيواجه اقتصادها ضغوطا اكبر، مشككا بامكانية اعتماد ايران على الروس والصينيين من اجل انقاذ اقتصادها.
وبعدما لفت التقرير الى تحديات المصاعب الاقتصادية التي تواجه المواطنين الايرانيين، قال انه من غير المرجح ان يتحملوا مثل هذه الظروف الى اجل غير مسمى، وان الامام خامنئي سيجد انه مع مرور الوقت، ستصبح قبضته اضعف.
ولهذا، خلص الى القول انه من اجل تجنب الخطا الذي ارتكبته ايران في العام 1987، واسقاط الشروط المسبقة الحالية، فسيكون بمقدور الامام خامنئي ان ينقذ الشعب الايراني من ألم لا ضرورة له، مضيفا ان "تكرار هذا الخطأ سيؤدي في نهاية المطاف الى اجبار خامنئي على السير على خطى سلفه واتخاذ قرار شديد الصعوبة بحيث يكون "اسوأ من تجرع السم".