هل تقود "مافيا الدولار" بالعراق لـ"تجرع السم" وتكرار السيناريو اللبناني؟
شفق نيوز/ بقرار البنك المركزي العراقي، تعديل سعر صرف العملة الأجنبية- الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، وان كان "لمرة واحدة فقط ولن يتكرر" بحسب تأكيداته، تتجدد مخاوف الخبراء الاقتصاديين من الأضرار التي ستلحق بشريحة واسعة من العراقيين، بخاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود، لكن التساؤلات تتجدد أيضا حول مزاد العملة والشبهات الدائرة حوله منذ سنوات.
وفي تبريره لقرار "تجرع السم" ليكون سعر الصرف 145 ألف دينار مقابل كل 100 دولار، فإن البنك المركزي ربما أصاب عندما اختصر جانبا اساسيا من تراكم المشكلات الاقتصادية، بسبب طغيان "التفكير السياسي وأولويات السياسيين على الفكر الاقتصادي وأولويات التنمية" خلال الأعوام ال15 الماضية، بحسب ما جاء في بيانه.
لكن هذا التوضيح – التبريري لا يمكن بالنسبة الى العراقيين عموما، والخبراء بشكل خاص، ان يكون بديلا عن الغاز "مزاد الدولار" القائم منذ سنوات والذي بحسب الاقتصاديين برغم ايجابياته بمحاولة تنظيم عمليات الاستيراد من الخارج، الا انه يساهم باختفاء كميات كبيرة من الدولار من الدورة الاقتصادية العراقية، وبعيدا عن أعين الدولة وأجهزتها الرسمية.
وكل المؤشرات والمعلومات تفيد بفاعلية "مافيا الدولار" في العراق، ودورها في التحكم والاستفادة وتهريب العملة الصعبة من السوق العراقية، ومع ذلك فان اجراءات جدية من جانب الحكومة، وخاصة وزارة التجارة وجهاز الجمارك ولجان مكافحة الفساد او البرلمان او السلطات الرقابية الاخرى كهيئة النزاهة العراقية، لم تبلغ منتهاها او تصل الى نتيجة مثبتة حول حقيقة ما يجري في سوق الدولار، والذي أدى الى شح في العملة الاجنبية وإضعاف الدينار، وبالتالي وصولا الى قرار البنك المركزي بتخفيض قيمة الدينار.
وتكشف مصادر لوكالة شفق نيوز عن وجود ثلاثة أحزاب مهيمنة ومسيطرة على مزاد العملة الذي يشرف عليه البنك المركزي، ومن بينها أحد التيارات التي تتمتع بشعبية واسعة في العراق.
وتحدثت هذه المصادر مشترطة عدم ذكر اسمائها خوفا من "مافيا الدولار" كما أطلقوا عليها. لكن المصادر هي لأصحاب متاجر صيرفة ومنافذ بيع العملة للمواطنين.
وقال قال احد اصحاب محال الصيرفة ان احد الاحزاب يتصرف كمالك للبنك المركزي واصبح احد اللاعبين الاساسين في مزاد العملة، وذلك بالاضافة الى دور ثلاثة أحزاب مدعومة من قوى تحمل السلاح في العراق حيث يتلاعبون بأسعار الدولار على حساب المواطن وأصحاب الصيرفات.
ومعلوم ان مزاد العملة يبيع يوميا حوالى 200 مليون دولار الى البنوك وشركات تحويل الاموال، في عملية هدفها الاساسي تمويل نشاط الاستيراد الخارجي وحاجات السوق العراقي من السلع المختلفة.
وبحسب بيانات رسمية، فإن البنك المركزي باع خلال العام 2019، نحو 44 مليار دولار في عمليات غالبيتها لتمويل الاستيراد، بالاضافة الى العمل على تحقيق الاستقرار في قيمة الدينار. ولهذا، فإن قرار البنك المركزي الآن بتخفيض قيمة الدينار، أصاب كثيرين بالذهول.
وتقول المصادر لوكالة شفق نيوز ان القوى الحزبية الثلاثة المدعومة بقوى السلاح، تمتلك اموالا ومصارف اهلية، وتستفيد بالتالي من مزاد الدولار، بأشكال عدة.
وسبق لتسريبات سابقة تحدثت عن شبهات واسعة في مزاد العملة، فعلى سبيل المثال، هناك تقديرات مالية بان الفوارق واسعة ما بين البضائع التي تم استيرادها، وبين حجم الأموال المحولة الى الخارج. كما بينت تحقيقات سابقة ان مصارف خاصة وحكومية استفادت من مزاد العملة مدعية انها تحتاج الدولار لتمويل عمليات تجارية لشراء بضائع من الخارج، لكن تبين ان هذه الجهات لم تستورد اية بضاعة الى العراق منذ سنوات طويلة.
وتحدث نواب عن عمليات تهريب للعملة الاجنبية الى خارج العراق. كما تستفيد بعض هذه المصارف التابعة لقوى سياسية من فارق قيمة الدولار الذي يبيعه البنك المركزي وبين سعر صرفه في الاسواق العراقية.
وقالت المصادر لوكالة شفق نيوز ان "احدا لا يستطيع من السياسيين الشيعة حصرا ان يتدخل بنشاط هذه الجهات الحزبية لأنها تتمتع بجمهور واسع ونفوذ سياسي ونفوذ مليشياوي ايضا".
ومن المؤكد ان استمرار هذه الممارسات المشبوهة لبعض الجهات، ساهم بشكل اساسي في إلحاق الاذى بالميزانية العراقية، ووصول الدولة الى مرحلة التعثر في دفع رواتب موظفي الدولة على غرار ما جرى مؤخرا ما أجبر الحكومة على الاستدانة الداخلية لتمويل الرواتب.
كما يتوقع الخبراء ان يؤدي تخفيض قيمة الدينار امام الدولار الى زيادة أسعار العديد من السلع الضرورية لحياة المواطنين، وهو ما يثير مخاوف من اندلاع احتجاجات شعبية على غرار ما جرى في لبنان، بعد انهيار قيمة الليرة اللبنانية، وشح الدولار في الاسواق وتعثر البنوك في القدرة على الدفع بالدولار لاصحاب الودائع المصرفية وهي خطوة فجرت غضبا شعبيا ضد البنوك التي حاصرتها التظاهرات وللرشق بقنابل المولوتوف والحجارة.
وكشف مصادر مطلعة عن تحشيد جهات سياسية (لم تسمها) للخروج في تجمعات عارمة في البلاد خلال الأيام القليلة المقبلة لاستهداف المصارف الحكومية والأهلية احتجاجاً على خفض قيمة الدينار والفساد في عملية بيع البنك المركزي للعملة الأجنبية.
واوضحت المصادر لوكالة شفق نيوز، مشترطة عدم ذكر اسمائها لحساسية المعلومات، إن "جهات سياسية تحشد من أجل سيناريو مماثل كما حدث في لبنان، عبر مهاجمة مصارف وإضرام النيران فيها، تعبيراً عن الاحتجاج"، مضيفة أن هذه الجهات ستحتج على خفض قيمة الدينار وكذلك امتعاضها من احتكار عدة أحزاب، عبر مصارف مملوكة لها، لعمليات بيع البنك المركزي للعملة الأجنبية.
وأشارت المصادر إلى أن "سيناريو لبنان قد يتكرر في العراق"، مردفة بأن "هناك غلياناً في الشارع ضد انهيار سعر الدينار بشكل سريع".
وكان خبراء واقتصاديون تحدثوا الى شفق نيوز عن توقعاتهم بان رفع سعر الدولار امام الدينار سيزيد من معدلات الفقر وسيلحق أضرارا كارثية بالفقراء ومحدودي الدخل.
وقال استاذ الاقتصاد السياسي في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، ان ارتفاع اسعار السلع المتوقع بنسبة 20 %، من شأنه أن يزيد الفقر على ثمانية ملايين شخص حسب الاحصائية الاخيرة لوزارة التخطيط إلى أكثر من 15 مليون شخص".
اما النائب عن محافظة صلاح الدين، جاسم حسين الجبارة فقد اعتبر ان سياسة الحكومة والبنك المركزي العراقي "ضربة معيشية" للشعب وللمشاريع الخدمية بشكل عام.