هزة عراقية على "زناد الفصائل".. من يكسر كلمة الحصر؟
شفق نيوز- بغداد
تشهد الساحة السياسية والأمنية في العراق حراكاً غير مسبوق بشأن ملف حصر السلاح بيد الدولة، في ظل تداخل ضغوط داخلية وخارجية، وتباين واضح في مواقف الفصائل المسلحة والقوى السياسية المنضوية في الإطار التنسيقي الذي يضم القوى السياسية الشيعية الحاكمة في البلاد.
هذا الملف، الذي أعيد فتحه بقوة بعد انتخابات مجلس النواب التي أُجريت في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، بات محوراً رئيسياً في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، وسط تحذيرات دولية ومطالب أميركية مباشرة بإنهاء دور السلاح خارج إطار الدولة.
وخلال الساعات الماضية، برزت مؤشرات على تحولات داخل بعض الفصائل المسلحة، مقابل تمسك فصائل أخرى بمواقف رافضة، تربط أي خطوة من هذا النوع بتحقيق "سيادة كاملة" للعراق، فيما يقدم محللون وخبراء سياسيون وأمنيون قراءات متباينة لطبيعة هذه التحولات وخلفياتها ومآلاتها المحتملة.
التحدي العراقي
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي، عماد المسافر، إن "توجه بعض الفصائل المسلحة إلى حصر السلاح بيد الدولة ينسجم مع مطلب المرجعية الدينية والسلطة القضائية التي رحبت بهذه الخطوة".
ويضيف المسافر في حديث لوكالة شفق نيوز أن "الكيانات السياسية التي تتجه نحو هذا الخيار تعتقد أنها باتت تمثل الدولة بعد نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أفرزت كتلة شيعية تضم أكثر من 90 نائباً من قوى الحشد الشعبي داخل مجلس النواب، وترى هذه القوى أنه لا ضير من بقاء السلاح بيد الدولة التي تمثلها هي سياسياً".
في المقابل، يلفت المسافر إلى أن فصيلين رئيسيين، هما "كتائب حزب الله" و"حركة النجباء"، أبديا رفضهما الصريح لحصر السلاح، مبررين موقفهما باستمرار وجود القوات الأميركية في العراق، إضافة إلى "الاحتلال التركي" والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للسيادة العراقية.
ويوضح أن "هذين الفصيلين يربطان سلاحهما بتحقق سيادة كاملة ومطلقة على الأراضي والأجواء العراقية، فضلاً عن استقلال القرار السياسي والاقتصادي، حيث إن "ارتباط الأموال العراقية بالاحتياطي الفيدرالي الأميركي يمثل شكلاً آخر من أشكال انتهاك السيادة"، وهو ما يجعل سلاح هذه الفصائل – بحسب رؤيتها – مرتبطاً بقضايا جوهرية لم تُحل بعد.
بين التسليم والتصعيد
من جانبه، يرى الخبير الأمني والسياسي علي المعماري، أن "أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 في غزة غيّرت موازين القوى في الشرق الأوسط، وأن الهيمنة التي كانت تتمتع بها المحاور المرتبطة بالفصائل المسلحة لم تعد كما كانت قبل تلك الأحداث".
ويشير المعماري، في حديثه لوكالة شفق نيوز إلى أن "الضغوط الأميركية المرتبطة بتشكيل الحكومة العراقية باتت مرهونة بشكل مباشر بملف الفصائل المسلحة التي لا تأتمر بأمرة القائد العام للقوات المسلحة"، لافتاً إلى أن "فصيلين رئيسيين، هما حزب الله العراقي والنجباء، يمتلكان قدرات عسكرية متطورة ويعارضان تسليم سلاحهما بالدرجة الأساس".
وبحسب المعماري، فإن "جميع الكتل والأحزاب الشيعية المنضوية ضمن الإطار التنسيقي تبدو مستعدة لتنفيذ ما تطلبه الولايات المتحدة، لكن بشرط أن تتولى هي تشكيل الحكومة بما ينسجم مع مصالحها السياسية، وبالتالي ما يجري حالياً هو محاولات لإقناع الفصائل عبر أحزابها وواجهاتها السياسية بقبول المتطلبات الأميركية، مقابل ضمان رئاسة الوزراء والوزارات السيادية".
ويكشف المعماري أن "الولايات المتحدة صرحت بوضوح بأن الرئاسات الثلاث والوزارات السيادية وحتى محافظ البنك المركزي، ستكون ضمن دائرة اختيارها"، معتبراً أن "هذه الضغوط تهدف في النهاية إلى إجبار الفصائل على نزع السلاح بموافقة الكتل الشيعية نفسها"، في إطار "تسوية شاملة" تضم الأميركيين والفصائل وإيران والحكومة العراقية "بسلة واحدة".
أزمة مزدوجة
بدوره، يذهب الخبير الأمني والمحلل الاستراتيجي علاء النشوع إلى أبعد من ذلك، مؤكداً أن "الحكومة العراقية غير قادرة حالياً على حل الفصائل المسلحة دون تدخل دولي مباشر، تقوده الولايات المتحدة والتحالف الدولي".
ويعزو النشوع ذلك في حديث لوكالة شفق نيوز إلى "تفوق قدرات الفصائل المسلحة على القوات النظامية العراقية من حيث التسليح والنفوذ والسيطرة على مفاصل سياسية واقتصادية وأمنية واستخبارية"، إذ إن "الفصائل تمتلك منظومات متطورة للأمن السيبراني وشبكات معلومات لا تتوافر حتى لأجهزة وزارتي الدفاع والداخلية"، بحسب تقديره.
ويضيف أن "القرار السياسي والأمني والعسكري محصور ضمن دائرة الفصائل الموالية لإيران، التي يعمل داخلها مستشارون وخبراء من الحرس الثوري وفيلق القدس، بإشراف مباشر من مكتب الولي الفقيه"، على حد تعبيره.
ويرى النشوع أن "الحكومة المقبلة التي ما زالت قيد التشكيل، تتعرض لضغوط أميركية وإيرانية متزامنة، ما يمنعها من اتخاذ قرار وطني مستقل"، في وقت "تبحث الأحزاب السياسية عن البقاء في السلطة بأي ثمن، وتقدم ولاءاتها للطرف الأقوى".
وخلص إلى أن "الفصائل اليوم تدرك أنها تواجه ضغطاً أميركياً وإسرائيلياً وغربياً لا يمكنها مجابهته كما في السابق، في ظل مشروع شرق أوسطي جديد يعاد رسمه".
الهدف من الإعلان
وفي سياق ذي صلة، يكشف السياسي العراقي المقيم في واشنطن نزار حيدر، اليوم السبت، عن الهدف من إعلان بعض الفصائل العراقية التخلي عن السلاح حالياً.
ويذكر حيدر، لوكالة شفق نيوز، ان "الفصائل المسلحة على نوعين؛ الاول؛ هو الذي انخرط بالعملية السياسية والانتخابية على عدة مراحل كان اخرها الانتخابات النيابية الأخيرة ومنها الذي شارك في الحكومات السابقة بوزير او اكثر".
ويبين ان "هذه الفصائل سعت وتسعى للتحول من كونها قوة مسلحة خارج سلطة الدولة الى كونها جزءاً من مؤسسات الدولة الامنية وغيرها، وهذه هي التي تدعو حالياً الى حصر السلاح بيد الدولة لتجد المقبولية لدى المجتمع الدولي والاقليمي وتحديداً الولايات المتحدة".
وبحسب قوله فإن الثانية؛ هي الفصائل التي ما زالت لا تجد نفسها في العملية السياسية على الرغم من انخراطها في الانتخابات النيابية الأخيرة، وتوظف الخطاب (المقاوم) في مسعى منها للحصول على اكبر المكاسب السياسية والمالية والأمنية قبل اعلانها الانخراط التام بالدولة.
ويتابع حيدر: "الذي يحصل الان هو ان القوى السياسية ومعها كل الفصائل بدأت تشعر بجدية الموقف الاميركي في عدم التعامل مع حكومة جديدة تشترك فيها الفصائل ولذلك فالأخيرة على وجه التحديد تسابق الزمن حالياً لإثبات حسن نواياها لواشنطن قبل ان يصل مبعوثها الخاص الى بغداد".
كما يختتم السياسي العراقي المقيم في واشنطن قوله إن "من الان فصاعداً فان اي فصيل مسلح يرفض تسليم سلاحه للدولة ويفكك تنظيماته المسلحة فسيكون في مواجهة القضاء الذي حول الملف الى قرار دولة".
تباين الفصائل
وخلال الـ28 ساعة الماضية، أعلنت عدة فصائل مسلحة موافقتها على الدعوة لحصر السلاح بيد الدولة، من بينها كتائب الإمام علي، وعصائب أهل الحق، وأنصار الله الأوفياء، وكتائب سيد الشهداء.
في المقابل، أكدت كتائب حزب الله، في بيان صدر مساء أمس السبت، رفضها نزع السلاح، معتبرة أن "السيادة وضبط أمن العراق ومنع التدخلات الخارجية هي مقدمات أساسية للحديث عن حصر السلاح"، كما شددت حركة النجباء على استمرارها في مقاومة الوجود الأميركي.
وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، أعلن أمس السبت عن استجابة فصائل مسلحة لمبدأ حصر السلاح بيد الدولة، في وقت تكثف فيه الولايات المتحدة ضغوطها على بغداد لإنهاء دور الفصائل ومنع مشاركتها في الحكومة الجديدة، بعد حصولها على عدد كبير من المقاعد النيابية.
ويأتي هذا كله وسط تصريحات متلاحقة لمبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، مارك سافايا، التي يؤكد فيها على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة ومساءلة الجماعات المسلحة الخارجة عن إطار السلطة، كما يدعو إلى تعزيز سيادة العراق وسط بيئة سياسية وأمنية يزداد فيها حضور الفصائل ذات الأجنحة العسكرية داخل العملية السياسية.
وتنطلق المخاوف الأميركية من معادلة سياسية جديدة فرضتها نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2025، حيث حصلت القوائم الشيعية على 187 مقعداً، من ضمنها ما يزيد على 60 مقعداً للفصائل المسلحة.
في وقت تواصل فيه واشنطن التأكيد على دعمها لحكومة قوية وقوات أمن موحدة، بحسب ما جاء في أول بيان رسمي لسافايا وتصريحاته اللاحقة التي تثير جدلاً واسعاً بشأن مستقبل النفوذ المسلح في البلاد، ومدى انعكاس هذه المواقف على مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة.