مولدات الكهرباء تتحكم وتسمم حياة العراقيين واللبنانيين
شفق نيوز/ نشرت قناة "ايه بي سي" الامريكية تقريرا حول انتشار ظاهرة مولدات الكهربائية في الشرق الأوسط، وفي دول مثل العراق ولبنان وغيرهما، وتبث سمومها في الهواء، فيما العالم يحاول التوجه نحو الطاقة النظيفة لمواجهة ظواهر التغيّر المناخي.
وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ إلى أن المولدات الكهربائية تنتشر في ساحات مواقف السيارات وعلى الشاحنات، وساحات المستشفيات واسطح المنازل، في كل مكان في اجزاء من الشرق الاوسط، وهي تنفث الادخنة الخطرة في المنازل والشركات طوال 24 ساعة في اليوم.
وحذر التقرير من أنه في الوقت الذي يبحث فيه العالم عن الطاقة المتجددة للتعامل مع تغير المناخ، فإن ملايين الاشخاص في انحاء المنطقة، يعتمدون بشكل شبه كامل على مولدات الكهرباء الخاصة العاملة بالديزل، للحصول على الاضاءة، وهي ظاهرة فسرها التقرير بأنها ناجمة عن الحروب او سوء الادارة والذي الحق الخراب بالبنية التحتية للكهرباء.
واوضح التقرير ان هذه الظاهرة يسميها الخبراء انتحار وطني، من منظور بيئي وصحي.
ونقل التقرير عن المؤسس المشارك لـ"اكاديمية البيئة" في الجامعة الأمريكية في بيروت سامي كايد قوله إن "الهواء الملوث من مولدات الديزل، يحتوي على أكثر من 40 مادة سامة للهواء، بما في ذلك العديد من المواد المسببة للسرطان المعروفة او المشتبه بتسببها بالمرض".
وحذر كايد من أن زيادة التعرض لمثل هذه الملوثات قد يؤدي الى زيادة أمراض الجهاز التنفسي وامراض القلب والاوعية الدموية، بالاضافة الى انه يسبب ظاهرة الامطار الحمضية التي تلحق الضرر بالنبات وتسمم المسطحات المائية.
وفي سياق مواز، قال كايد انه بسبب استخدام الديزل، فان المولدات تولد أيضا انبعاثات أكبر تأثيرا بالمناخ بكثير من محطة توليد الطاقة العاملة بالغاز الطبيعي على سبيل المثال.
ولفت التقرير إلى أن المنطقة تعاني اصلا من درجات حرارة عالية وموارد مائية محدودة حتى من دون تأثير الاحتباس الحراري، مضيفا أن الملوثات التي تسببها مولدات الكهرباء الضخمة تضيف الى العديد من المشاكل البيئية في منطقة الشرق الأوسط، وهي واحدة من أكثر مناطق العالم تأثرا بالتغيّر المناخي.
واعتبر التقرير؛ أن الاعتماد على المولدات مرده فشل الدولة، مشيرا في هذا السياق الى لبنان والعراق واليمن وليبيا وأفغانستان، حيث ليس بإمكان الحكومات تأمين شبكة طاقة مركزية فعالة، سواء بسبب الحروب أو النزاعات او سوء الادارة والفساد.
وعلى سبيل المثال، أشار التقرير الى لبنان الذي لم يقم ببناء محطة كهربائية جديدة منذ عقود، موضحا أن هناك تعارضاً بين مصالح السياسيين والمحسوبية وبين الخطط الجديدة لإنشاء محطات جديدة، وأصبحت محطات توليد الطاقة القديمة غير قادرة على تلبية طلب المستهلكين.
وكمثال آخر، تحدث التقرير عن العراق الذي قال انه يتربع احد اكبر احتياطيات النفط في العالم، وبرغم ذلك فإنه مع حلول الصيف بحرارته الملتهبة، يكون مصحوبا بضجيج مولدات الكهرباء في الأحياء حيث يقوم السكان بتشغيل مكيفات الهواء طوال الوقت من أجل البرودة.
واوضح التقرير؛ ان الحروب المتكررة في العراق طوال عقود، الحق الدمار بشبكات الكهرباء، في حين استنزف الفساد مليارات الدولارات، فيما يتم حرق حوالي 17 مليار متر مكعب من الغاز من آبار العراق كل عام كغازات مهدورة، لأن الحكومات لم تعمد الى اقامة البنية التحتية اللازمة لاحتجازه وتحويله الى كهرباء.
ولفت الى ان احتياج الناس للمولدات اصبح ملحا بعمق في عقول الناس، مشيرا إلى أن المطربة العراقية الشهيرة أم علي الملا وحفلاً أقامته مؤخرا في بغداد، حرصت الملا على توجيه الشكر لمدير القاعة لأنه سمح "باستمرار تشغيل المولد".
وفي قطاع غزة، ذكر التقرير ان السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يعتمدون على حوالي 700 مولد للكهرباء في جميع انحاء القطاع من أجل منازلهم، بينما تعمل الآلاف من المولدات الخاصة على تأمين الكهرباء للشركات والمؤسسات الحكومية والجامعات والمراكز الصحية، مشيرا الى انها تعمل بوقود الديزل وتبث دخانا أسوداً في الهواء وتلطخ الجدران.
واشار التقرير الى انه منذ ان قامت اسرائيل بقصف محطة الطاقة الكهربائية الوحيدة في غزة في العام 2014، فإن المحطة لم تتمكن من العودة الى طاقتها الكاملة، مضيفا أن فترات قطع خدمة التيار الكهربائي، تصل الى 16 ساعة يوميا.
إلا أن التقرير اعتبر ان لبنان أكثر الامكنة التي تتحكم المولدات الكهربائية فيه بحياة الناس، لدرجة ان أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة لديهم رابطة خاصة بهم.
وتابع قائلا إن كلمة "moteur" الفرنسية التي تعني المولد، تعتبر واحدة من أكثر الكلمات التي يستخدمها الـ5 ملايين لبناني، مضيفا أن الاعتماد على المولدات ازداد منذ انهيار الاقتصاد اللبناني في أواخر العام 2019 وصارت فترات انقطاع التيار الكهربائي المركزي تستمر لساعات أطول.
الا انه في الوقت نفسه، فان اصحاب المولدات اضطروا ايضا الى تقنين ساعات الاستخدام بسبب زيادة أسعار الديزل ودرجات الحرارة المرتفعة، ويجعلهم يوقفون تشغيلها عدة مرات يوميا، ولهذا فإن المواطنين يخططون تفاصيل حياتهم بناء على ساعات التغذية الكهربائية من عدمها، وهو ما يعني مثلا ضبط المنبه لعمل فنجان من القهوة قبل إيقاف تشغيل المولد صباحا، وأن ينتظر الضعفاء او المسنون في المباني السكنية تشغيل المولد ليتمكنوا من المغادرة او العودة حتى لا يضطروا الى صعود الادراج. كما أن المستشفيات تحافظ على تشغيل المولدات الكهربائية لتعمل أجهزة الانعاش بلا انقطاع.
ونقل التقرير عن سهام حنا (58 عاما) قولها إن دخان المولدات يؤدي الى تدهور حالة رئة والدها المسن. وقالت حنا "انه القرن الـ21، لكننا نعيش مثل العصور الحجرية. من يعيش هكذا؟!".
كما نقل التقرير عن الكيميائية في الجامعة الأمريكية نجاة صليبا التي أصبحت نائباً في البرلمان مؤخرا، تحذيرها من كميات الكربون الأسود المنبعثة من المولدات.
وذكر التقرير أن الباحثين في الجامعة الاميركية في بيروت خلصوا إلى أن مستوى الانبعاثات السامة قد يكون تضاعف اربع مرات منذ بدء الازمة المالية في لبنان بسبب الاعتماد المتزايد على المولدات الكهربائية.
وفي العراق ايضا، خلصت دراسة للجامعة التكنولوجية في بغداد أجريت في العام 2020 حول التأثير البيئي للمولدات، أن هناك تركيزات عالية من الملوثات في الهواء، بما في ذلك المواد المسرطنة، موضحة أن وقود الديزل العراقي هو "الأسوأ في العالم"، حيث يضم نسبة عالية من مادة الكبريت.
ترجمة: وكالة شفق نيوز