مليون رفات في العراق.. تقرير بريطاني يؤشر حجم كارثة المقابر الجماعية
شفق نيوز/ سلطت
صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على التجربة
الشاقة التي يخوضها العراق والعراقيون بمعاناتهم المتواصلة منذ عقود فيما يتعلق
بالمقابر الجماعية التي تشير تقديرات دولية الى انها ربما تضم نحو مليون رفات من
نتائج لسلسة الكوراث والحروب التي عشاتها البلاد.
ونقل التقرير البريطاني عن ضرغام عبد المجيد قوله، انه عندما وصل للمرة الاولى الى حفرة يبلغ
عمقها 20 مترا في قضاء تلعفر، في يونيو/حزيران، شاهد شيئا لم يراه من قبل طوال 15
عاما من عمله في حفر المقابر الجماعية، موضحا ان "هذه المقبرة لم تكن مختلفة عن المقابر الجماعية الاخرى حيث يتم دفن
الجثث تحت الارض، الا انه في هذه المقبرة كانت الجثث مكدسة على ارتفاع 8 امتار،
وكان يمكن مشاهدتها بوضوح بالاضافة الى انها كانت محفوظة جيدا لان المكان جاف
للغاية."
ولفت التقرير، الذي
ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن ضرغام وفريقه ومن اجل استخراج رفات الجثث وهم من
ضحايا تنظيم داعش - اضطروا الى بناء درج والاستعانة بخبير في الزواحف لتجنب لدغات
الثعابين.
وبحسب ضرغام فإن
"هذا الموقع يختلف عن اي موقع اخر كنت اعمل فيه فيما يتعلق بجهد الفريق،
والعمق، وصعوبة الصعود والنزول، ورفات الناس فوق بعضها البعض، وسقوط الحجارة،
والحشرات، وكتلة التربة التي نقلناها لانتشال هؤلاء الضحايا."
واشار التقرير الى ان
هذا الموقع المعقد جيولوجيا، والمعروف بحفرة علو عنتر، كان يستخدم في السابق من
اجل تجميع المياه، لكنه اصبح احد مسارح الجرائم التي يعمل فيها ضرغام وفريقه مؤخرا.
وذكر التقرير أن أرض
العراق ظلت طوال أكثر من 45 سنة غارقة في الدم والجثث لمئات الالاف من الاشخاص
المدفونين في مقابر جماعية مجهولة الهوية، لافتاً الى أن العراق حيث واجه صراعات
متعددة بما في ذلك الحرب الايرانية العراقية من العام 1980 الى العام 1988،
والحروب الاهلية من العام 2006 الى العام 2008 واحتلال داعش بين عامي 2014 و2017، بالاضافة
الى ضحايا نظام صدام حسين.
وبحسب التقرير، فإن بسبب
ذلك من المعتقد ان عدد المفقودين في العراق اكبر من اي بلد اخر، بحسب تقديرات الصليب
الاحمر الدولي، حيث تتراوح التقديرات بين 250 الف شخص ومليون شخص.
ولهذ، رأى التقرير، أنه
منذ العام 2008، فإن وزارة الصحة ومؤسسة الشهداء الحكومية العاملة في مجال تحديد
هوية الضحايا وتعويض اقاربهم، ترسل الفرق من علماء الانثروبولوجيا الشرعية
والاطباء في مختلف انحاء البلد من اجل اكتشاف المقابر الجماعية وحفرها واستعادة الرفات
حيث ان الهدف هو التعرف على الجثث من خلال تحديد الحمض النووي وتسليمهم الى
العائلات التي تبحث عن أحبائها المفقودين.
وتابع التقرير انه
بينما هناك اكثر من 200 مقبرة جماعية من مرحلة احتلال داعش، إلا أن عدد المقابر
الجماعية من عهد نظام صدام حسين، ما يزال غير معروف، مشيراً إلى أن الجثث المتراكمة
في مقبرة علو عنتر والتي يزيد عددها عن 100 جثة، هم ضحايا احدى الجرائم الكثيرة
التي ارتكبها تنظيم داعش عندما احتل شمال العراق، مشيرا الى ان المقبرة الجماعية تقع
على بعد حوالي 60 كيلومترا غرب الموصل.
ونبه إلى أن فريق
الطب الجنائي ما يزال يعمل على تحديد هوية الضحايا في علو عنتر، الا انه بفضل شهادة
سيدة ايزيدية نجت من المذبحة ومن العبودية الجنسية التي مارسها داعش في العراق
وسوريا، فان ضرغام يدرك ان الضحايا في الموقع ينتمون الى مجتمعات عراقية مختلفة،
لافتاً إلى أن الفريق عثر على عظام يعتقد انها "تنتمي الى ضحايا مجازر سابقة،
ربما من تسعينيات القرن العشرين او من مرحلة تنظيم القاعدة بعد عام 2003".
ووفق التقرير
البريطاني، فاإن فرق الطب الجنائي نالت الدعم من خبراء من الامم المتحدة الذين
ساعدوا في السابق في جمع الادلة لملاحقة جرائم داعش قضائيا، بالاضافة الى الخبرات
للعمل في المجازر السابقة في رواندا والبوسنة والارجنتين وكمبوديا.
وأضاف التقرير، أن
الفرق الجنائية بالاضافة دورها في حفر القبور الجماعية، فانها تتجول في كافة انحاء
العراق للتواصل مع عائلات الضحايا للحصول على عينات من الحمض النووي وغيرها من
الادلة لمقاررنتها مع الرفات التي تم استخراجها.
ورأى التقرير، ان
المهمة المتمثلة في جمع الحمض النووي للعائلات الايزيدية، كان الاكثر صعوبة، حيث
انه في احيان كثيرة قتل العديد من افراد العائلة الواحدة، او لانهم غادروا كلاجئين
الى اوروبا او اماكن بعيدة مثل استراليا.
ونقل التقرير، عن شيرين
ابراهيم احمد وأفراد من مجتمعها الايزيدي في مدينة سنجار، تجمعوا عند النصب
التذكاري للابادة الجماعية الايزيدية لاحياء الذكرى السنوية الـ10 لجرائم تنظيم داعش،
قولهم إن والدة شيرين وجدتها قتلتا في نفس المكان الذي اقامت فيه منظمة "مبادرة
نادية" النصب التذكاري، ورغم قيام فريق الطب الشرعي بحفر القبر، إلا انه لم
يتم التعرف على جثتيهما بعد، وما تزال تعتبران مفقودتين.
وفقدت شيرين، كذلك شقيقها
واباها، ولم ينجو من الحادث سوى شقيقتين تعيشان الان في دهوك، وبحسب قولها: "عندما
اختطفني داعش، كنت مع اختي واثنين من ابناء عمومتي، لكن كل واحد منهم اختطف وتركوني
وحدي، عدت بفضل ابنة عمي في العراق، اتصل بها الداعشي، جاء مهرب لياخذني، وباعوني
مقابل 10 الاف دولار".
وختم التقرير
البريطاني، بالقول إن "فريق المقابر الجماعية يتوقع أن يستمر عمله لسنوات طويلة
في محاولة الكشف عن ما حدث للضحايا من الأحبة والتحقيق مع المسؤولين عن الفظائع،
لكنهم يقولون إن لديهم أملا واحدا، وهي تكون المقبرة الجماعية التالية هي الأخيرة".