مليارات الكهرباء تنثر في الهواء وفساد الوزراء يطال جيوب الفقراء
شفق نيوز/ تشير وقائع الأزمة إلى أن كل من تولى حقيبة الكهرباء لم يستطع أن يضع حلولاً لها، على الرغم من الموازنات الكبيرة التي خصصت وتجاوزات مئات المليارات من الدولارات، لكن النتيجة واحدة، "المولدات الأهلية" حل أساسي لدى المواطن لتعويض النقص الكبير في الطاقة، رغم أن هذا الحل استنزف جيوب الموظفين والكسبة على حد سواء.
ويبدو أن ما تبرره وزارة الكهرباء لانعدام شبه التام للطاقة الكهربائية "قلة الغاز المجهز من إيران" غير مقبولة لدى أغلب المختصين والمواطنين نظرا لما خصص للوزارة طيلة السنوات الماضية من أموال، والتي تلاشت مع تبدل الوزراء.
نقص الغاز
وعما تقدم، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، لوكالة شفق نيوز، إن "انخفاض الغاز الايراني إلى خمسة ملايين متر مكعب، في اليوم بعدما كانت تبلغ خمسين مليوناً، وراء السبب في قلة الطاقة".
وأضاف موسى، أن "التخفيض سيجعل من الصعب توفير الكهرباء في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى"، مشيراً إلى أن "عدداً من الوحدات التوليدية في بعض المحطات توقفت أيضاً لغرض الصيانة".
وكان العراق، قد جدد طلبه من إيران، توريد كميات الغاز المتعاقد عليها بين الطرفين، والتي تراجعت بصورة كبيرة خلال المدة الأخيرة، ما أفقد منظومة الكهرباء العراقية نحو 3 آلاف و400 ميغاواط.
وشهدت إمدادات الغاز الإيراني، خلال المدة الأخيرة، تراجعًا إلى 5 مليون متر مكعب، رغم وجود اتفاقات مسبقة بين إيران والعراق على تزويد بغداد بـ70 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز صيفًا، و50 مليون متر مكعب في الشتاء، من أجل تأمين احتياجات محطات الكهرباء من الوقود.
وتعطّلت الإمدادات بصورة متكررة خلال الأشهر الـ12 الماضية، نتيجة عدم قدرة العراق على الدفع، وخفضت طهران صادراتها من الغاز إلى بغداد بسبب الديون المتزايدة، التي تقدّرها طهران بأكثر من 5 مليارات دولار، وكذلك أزمة الطاقة في البلاد.
فساد وترقيع
من جانبه، نوه الخبير في مجال الطاقة، حمزة الجواهري، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى "عدم وجود سبب في نقص الطاقة طيلة السنوات الماضية غير آفة الفساد الموجودة في الوزارة، والتي لم تتمكن من إصلاح المنظومة طيلة هذه الفترة".
الجواهري، أشار أيضاً إلى أن "الوزارة قامت بصرف أكثر من 60 مليار دولار من غير التشغيلية"، وأن كل مليار دولار من هذا المبلغ يفترض أن يمنح 1000 ميغاواط، وبالتالي فانه يجب ان يكون هناك 60 ألف ميغاواط، في حين أن ما موجود في أحسن الأحوال هو 20 ألف ميغاواط فقط، وهو ما يؤشر على وجود فساد كبير في مشاريع الوزارة".
ورأى الخبير في مجال الطاقة، أن "الوزارة لا تقوم بمنح المشاريع لشركات كبيرة لإحياء المنظومة وإنما يمنحوها لشركات صغيرة لكي يكونوا قادرين على مساومتها وأخذ حصتهم من المشروع، وبالتالي فان جميع المشاريع التي تقوم بها هذه الشركات هي ترقيعية فقط".
تبرير للفشل
بدوره، قال الخبير الاقتصادي أحمد الهادي، لوكالة شفق نيوز، إن "ما تبرره وزارة الكهرباء من قلة الغاز المجهز من إيران غير مقبول اطلاقا"، مبينا أن "المليارات التي تم صرفها على قطاع الكهرباء سنويا يعادل ميزانية بعض دول الجوار".
وأضاف الهادي، أن "الوزارة لم يكن لديها استراتيجية في إدارة مشاريعها حيث ليس من المعقول أن تأتي بمحطات تعمل على الغاز وليس لديها الوقود الكافي لتشغيلها"، مستدركا في الوقت نفسه أن "الفساد كان أهم أسباب فشل الوزارة في توفير الطاقة الكهربائية طيلة السنين الماضية".
وأوضح أن "عدم التنسيق في سياسة التعاقد على الوحدات التوليدية مع وزارة النفط حسب نوع الوقود المتوفر ادى الى شح الوقود التشغيلي والذي غالبا يكون مستورد وهو ما فاقم الديون على وزارة الكهرباء".
ورأى الهادي، أن "الوزارة فشلت في كل القطاعات سواء كان على مستوى الانتاج او التوزيع او النقل"، لافتا إلى أن "ما تقوم به الوزارة حاليا من عمليات ربط مع دول الجوار لا يقل سوءا عن ما تقوم به حاليا من استيراد الغاز من ايران".
ويسعى العراق لوضع حلول جذرية لأزمة الكهرباء، التي تتفاقم خاصة في فصل الصيف، إذ يصل العجز لأكثر من 10 آلاف ميغاواط، من خلال العمل على سرعة إنجاز مشروعات الربط الكهربائي مع الدول العربية، والتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة".
ويأتي مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج، على رأس أولويات الحكومة العراقية، ويأمل أن يكون مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج جاهزًا للعمل في صيف 2022، في الوقت الذي أشارت الوزارة إلى أن المرحلة الأولى تتضمّن نقل 500 ميغاواط، إذ يتضمن إنشاء خط بطول 300 كيلومتر، بواقع 220 كيلومترًا داخل الكويت، و80 كيلومترًا داخل العراق.
وزراء الكهرباء
المواطنون الشريحة الأكثر تضرراً من أزمة الكهرباء، حيث رأى محمد الحسني خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "المواطن اصبح يعتمد اعتمادا كليا على المولدات الاهلية بسبب إنعدام المنظومة الوطنية"، مبينا أن "المولدات الأهلية بدورها رفعت من اسعار الامبير والتي وصلت الى 20 الف دينار للامبير الواحد".
وأضاف الحسني، أن "هذه الحالة تتكرر في كل عام في موسم الصيف إلا أن هذه المرة بدأت تختفي الكهرباء الوطنية ايضا في موسم الشتاء"، متسائلا عمّا سيعانيه المواطن في موسم الصيف المقبل.
وأكد أن "جميع وزراء الكهرباء الذين جاءوا خلال السنين الماضية وتقلدوا منصب الوزارة مروا مرور الكرام ولم يقدموا أو يطورا أي شي للمنظومة الكهربائية بشكل عام سوى السرقة والملاحقات القانونية للبعض منهم من هرب الى خارج العراق".
من جانبه، يرى التاجر أمير محمد، أن "المتضرر الوحيد طيلة السنين الماضية من نقص الطاقة هو الموطن وحده نظرا لدفعه اموال كبيرة للمولدات الاهلية التي باتت هي الاخرى تتحكم في تحديد الاسعار والتي هي بمنأى عن مراقبتها او محاسبتها وهي احد اسباب الفساد ايضا التي يعاني منه البلد".
وخلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أوضح محمد أن "جميع دول العالم وحتى دول الجوار لا تعاني من نقص الطاقة التي هي بمثابة الحياة لجميع القطاعات الاقتصادية في البلد"، متهما جهات خارجية وأخرى داخلية مستفيدة بـ"منع تطوير هذا القطاع المهم".
وبدأت مشكلة ضعف إمدادات الطاقة الكهربائية في العراق منذ عام 1991 بعد غزو العراق للكويت، وتعاظمت مشكلة الكهرباء خلال السنوات اللاحقة بسبب قدم وسوء عمل محطات توليد الطاقة الكهربائية، وشبكات توزيع الطاقة في البلد، لتستمر هذه الأزمة بشكل أكبر بعد عام 2003.
وعلى الرغم من توجه العراق حاليا نحو الاعتماد على الطاقة البديلة، كالطاقة المتولدة من أشعة الشمس، لكن هذه الطاقة لا تغطي إلا نسبة قليلة من الإنتاج المحلي وتستعمل في أكثر الأحيان فقط لإنارة الشوارع، لتبقى مشكلة الكهرباء في العراق مشكلة أزلية، ويبدو أن المسؤولين على هذا الملف يدركون ذلك تماما.