مطاعم "متعددة الجنسيات" تقتحم بغداد والمطبخ العراقي يهاجر الى الخارج

مطاعم "متعددة الجنسيات" تقتحم بغداد والمطبخ العراقي يهاجر الى الخارج
2024-05-01T11:22:58+00:00

شفق نيوز/ تزدحم المدن العراقية وأبرزها العاصمة بغداد بمطاعم محلية واخرى "متعددة الجنسيات" افتتحت في السنوات الأخيرة، وتتنافس لتقديم مغريات تجذب الأسر التي تبحث دائماً عن متنفس مناسب يعوّض إهمال الحدائق والمتنزهات، إذ أصبحت هذه المطاعم بمظهرها الحديث تغري الزبائن، وتفرض نفسها على الساحة الاجتماعية في العراق. 

وتسجل بذلك عودة الحياة إلى شوارع بغداد، إذ تفتح المطاعم والمقاهي أبوابها حتى وقت متأخر في الليل بعد سنوات من عتمة الحروب والقتال.

وين نروح.. وين ناكل

تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ومن بينها فيس بوك منصات وصفحات تعنى بطرح تساؤلات وتقييمات للمطاعم بل وحتى اسئلة واجوبة عن أفضل المطاعم والتجارب فيها، إذ يمكن لمنشور واحد ان يكشف رؤية كاملة عن مطعم معين او حتى أكثر من مطعم من ناحية الخدمات والأسعار والتقييم بصفة شاملة عبر التعليقات ومنها صفحة "وين راح ناكل اليوم" التي تعنى بهذا النوع من المنشورات والتي تبين حجم اهتمام العراقيين بالمطاعم وكيفية اختيارها ونوع الاكلات المفضلة لديهم والاسعار والمقارنات بينها وغير ذلك من الأمور.

ويقول ضياء إبراهيم، وهو موظف حكومي في حديث لوكالة شفق نيوز إن "حب العراقيين الطعام وارتباطهم به ليس جديداً؛ ويستمتعون بالمطاعم التي ربما تقدم أكلات لم يألفوها سابقاً او تصاغ بطريقة جديدة حسب المطابخ".

ويضيف ضاحكاً" ربما أشعر بعض الأحيان بتأنيب الضمير بعد إسراف في الصرف على احدى الوجبات خصوصاً مع زملائي، ولكن الطعام قد يكون وسيلة تسلية أكثر منه حاجة للتخلي من ضغوط الحياة".

"وين نروح" بهذه العبارة يكشف الشاب محمد أسباباً أخرى عن مسألة تفضيل المطاعم أو ربما زيادة انتشارها، إذ يبين في حديث لوكالة شفق نيوز إن "المطاعم لم تعد في الوقت الحالي مجرد أماكن للأكل فقط وانما للقاء وكسر الروتين اليومي وتبادل الآراء بعد أن أصبحت المنازل صغيرة لاستقبال الضيوف".

مطابخ شامية ومندي يمني

ويجذبك حين تسير في شوارع العاصمة بغداد عناوين مطاعم تحمل أسماء مشتقة من سوريا ولبنان، وانتشرت بشكل سريع لم يكن مألوفاً قبل أعوام مضت، بل ان الأمر وصل الى افتتاح فروع مختلفة لمطاعم منها في العاصمة أو محافظات أخرى، فقد زادت أعداد هذه المطاعم في بغداد وكثر زبائنها من العراقيين، ويعمل فيها سوريون وعراقيون ولبنانيون ممن أتقنوا صناعة الطعام على طريقة المطبخ السوري واللبناني، مع ميول عراقية واضحة للمطبخ السوري. 

وفي حين تكون الأعين على المطابخ ذات الدرجة الأولى، الا ان بعض المأكولات الشعبية المعروفة أيضا مثل (الفلافل) والتي اتقنها الشاميون بامتياز، تجدها في أرقى المناطق وكذلك في المناطق الشعبية، بل وحتى في أماكن غير متوقعة، مثل منطقة الباب الشرقي التي افتتح فيها مطعم على هذا المنوال وسط زحمة محال التصوير والعدد اليدوية. 

وفي العادة تهتم هذه المطاعم بديكورها الخارجي، وتحرص على توفير أجواء مريحة وهادئة بداخلها، وهو ما يزيد من حجم الإقبال عليها محلياً، ما يجعلها مكانا للتصوير أيضا وليس فقط للطعام.

وبهذا الصدد يقول كفاح كريم في حديث لوكالة شفق نيوز إن "اكلات المطبخ السوري المتنوعة لذيذة فضلا عن كونها صحية، مقارنة بالأكلات العراقية التي تتميز بأنها دسمة"، لافتا الى أن "السوريين يبدعون في اكتساب الضيوف بطريقتهم واسلوبهم باجتذاب الزبائن".

من جانبها تقول حنان كريم في حديث لوكالة شفق نيوز إن "هناك اقبالاً كبيراً على مطاعم بلاد الشام، فضلا عن كونها قريبة من المطبخ العراقي بل انها ربما تذكر بعض العراقيين أيضا بأجواء سوريا ولبنان لان هناك نسبة كبيرة من العراقيين سافروا الى هناك في أوقات الحرب بالعراق".

ولا يبدو ان انتشار هذه المطاعم في بغداد، فيمكن ملاحظتها في محافظات الوسط والجنوب، كما يزداد حضورها في إقليم كوردستان أيضا إذ تشهد هذه المطاعم إقبالاً واسعاً من مختلف الشرائح.

وأسهمت هذه الظاهرة في إغناء التنوع في المدن الكوردية العراقية، إذ أتاحت مزيداً من الخيارات أمام المستهلكين، وفي الوقت نفسه تطلعهم على ثقافات مطبخية مغايرة عما ألفوه.

ومع الاطباق السورية واللبنانية يحل أيضاً "المندي" اليمني ضيفاً له وزنه في تفضيل العراقيين للأطعمة، إذ ازدادت المطاعم التي تقدم هذا النوع من المأكولات في العاصمة بغداد وغيرها من المحافظات.

وتقول سجى عماد، وهي موظفة حكومية، في حديث لوكالة شفق نيوز إنها "وزملاء لها في العمل قرروا الرهان على مسالة معينة لكن الرهان لم يكن على طعام عراقي أو شامي وانما على طبق المندي اليمني".

وتضيف أن "مطاعم المندي المنتشرة في بغداد وغيرها من المطاعم العربية تجعل بغداد أجمل بتنوع مطابخها، وتضفي إمكانية ان يجرب الشخص أكثر من مطبخ في بلده".

المطاعم الأمريكية 

ومع المطابخ متعددة الجنسيات التي تنتشر في العاصمة بغداد والمحافظات، تبرز أيضاً المطاعم الامريكية وما تقدمه من مأكولات، أبرزها مطاعم الوجبات السريعة، وبعضها يحاول إيجاد "ماركة" له داخل السوق العراقي.

وبهذا الصدد أعلنت "أمريكانا للمطاعم" والتي تستحوذ على حصة كبيرة من سوق "الأكل خارج المنازل" من خلال منصتها انها عززت "وجودها الإقليمي" من خلال إطلاق "ناجح" لإعادة إطلاق العلامة التجارية "بيتزا هت" في العراق عام 2023.

كما ان شبكة ذا ناشيونال نيوز الامريكية كشفت في تقرير سابق لها عن انتشار المطاعم الأمريكية في العراق بشكل "غير مسبوق"، و"ارتفاع ثمن الوجبات" التي تقدمها تلك المطاعم. 

وبينت الشبكة أيضا، ان سوق الأغذية العراقي نشط جداً رغم الصعوبات الاقتصادية" ويمثل "فرصة" للعلامات التجارية الامريكية التي وجدت السوق العراقي "جاهزا لدمجها"، مشيرة الى ان المطبخ العراقي بات يستعد الان ليكون "مطبخا دوليا" خصوصا في العاصمة بغداد نتيجة لاقبال المستثمرين الأجانب في مجال الأغذية، بحسب وصفها. 

بغداد والسليمانية الأعلى والمثنى الاقل

وبحسب إحصاءات وزارة التخطيط فان الطعام هو الأعلى في معدلات الإنفاق في العراق، وبهذا الصدد يقول المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي في حديث لوكالة شفق نيوز إن "إحصاءات وزارة التخطيط تشير إلى أن أكثر من 65% من مجمل النشاط التجاري في العراق نتيجة زيادة هذه الفعاليات على مستوى العاصمة بغداد او المحافظات".

ويضيف أن "رؤوس الأموال والعمالة والمواد الاولية المستخدمة في هذه المطاعم من السوق العراقية، باستثناء مفاصل بسيطة مثل الإدارات قد تكون غير عراقية في بعضها ولكن رؤوس الاموال عراقية ايضا، فالحركة الاقتصادية بدأت تنشط في كل المفاصل والمطاعم تشغل مساحة جيدة في الجانب الترفيهي".

وفي الغالب تتراوح أسعار الوجبات للشخص الواحد، في العادة، بين 10 الى 50 دولارا بحسب المكان ونوع الطلب، فيما تتباين أوضاع العاملين، فأوقات العمل تزيد عن ثماني ساعات وبمتوسط راتب شهري يصل بين 600-800 دولار.

كما كشفت وزارة التخطيط العراقية في إحصائية سابقة، إن "أنشطة خدمات الأطعمة والمشروبات بلغت نسبتها 8.1%، وان محافظة بغداد هي الاعلى في عدد منشآت خدمات الاطعمة والمشروبات والمقاهي حيث بلغت نسبتها 24.3%، تليها محافظة السليمانية بنسبة 10.4%، تليها محافظة البصرة بنسبة 6.7%، في حين كانت محافظة المثنى أقل المحافظات في عدد منشآت خدمات الاطعمة والمشروبات حيث بلغت 2.3% من مجموع عدد منشآت خدمات الاطعمة والمشروبات الكلي".

كما أعلنت وزارة التخطيط، ان نسبة متوسط الانفاق الشهري على السلع والخدمات وعددها (333) سلعة وخدمة، تبلغ (88%)، من مجموع انفاق الفرد، وان عدد الاصناف ضمن السلة الغذائية يصل الى (486) صنفا موزعة على (12) قسما والتي تبلغ متوسط انفاق الفرد عليها شهريا (25) الف دينار فأكثر.

زاكروس الجاف ومطعم الناصرية الأثري

ويبدو ان المفارقات بين العراقيين وحبهم للطعام والمطابخ لا تقف عند حد معين، ففي، 4 حزيران 2022، نشرت وكالة شفق نيوز خبراً عن تمكن المواطن العراقي من أصول كوردية زاگروس الجاف، وهو لاجئ في المملكة المتحدة ويعمل لدى سلسلة مطاعم دومينوز بيتزا الشهيرة على مستوى العالم من الفوز بلقب أسرع صاحب بيتزا في العالم بعد تمكنه من خبزَ ثلاث عجائن بيتزا في 70 ثانية فقط، وذلك في مسابقة أقيمت في فندق البندقية، في لاس فيگاس الامريكية، حيث جرت مسابقة اسرع صانع پيتزا في العالم، ليحصل على كأس البطولة وحزام اللقب وجائزة مالية قدرها 3000 دولار".

كما يبدو أن عشق العراقيين للطعام تم تخليده اثرياً بعد اعلان بعثة أثرية أمريكية تعمل في ذي قار، في 19 تشرين الثاني 2023، عن اكتشاف "مطعم شعبي سومري" وأحياء سكنية تعود الى عصر فجر السلالات قبل نحو 5000 عام، ويتكون  المطعم من بقايا مواقد وأفران كانت تستخدم في إعداد الطعام وإنضاج الخبز، كما انتشرت المصطبات الملاصقة للجدران المعدة للجلوس وتناول الطعام عليها، وكذلك عثرت في إحدى غرف هذا المكان على جرة كبيرة مدفونة في الأرض إلى مستوى الفوهة وأحيط بدنها بكميات من كسر الفخار بمثابة مادة عازلة يعتقد أنها من النماذج الأولى المستعملة في حفظ السوائل وتبريدها".

خليجي 25: رياضة وطعام

ويبدو أن بطولة خليجي 25 التي شهدتها محافظة البصرة كانت مثالاً لاكتشاف الزوار القادمين من خارج العراق المطبخ العراقي، إذ اكد عدد من أصحاب المطاعم آنذاك، بأن البطولة كانت فرصة للتعريف بالأطباق العراقية لدى الضيوف الخليجيين، خاصة وأن العديد من الأجيال الجديدة لم تزر العراق لعقود طويلة، وتميز السمك المسكوف والذي يعد طبقا مميزاً في مدينة البصرة، وأيضا الكباب العراقي والدولمة، فضلا عن (الدليمية والباجة والمثرودة) وغيرها من المأكولات الشعبية. 

المطاعم العراقية تتجول عالمياً

ومع دخول مطابخ جديدة مهاجرة الى العراق، نجد ان المطبخ العراقي بدوره هاجر هو الاخر الى الخارج، ليكون الطعام العراقي منافساً في معظم الدول التي هاجر اليها العراقيون واصبحت المطاعم العراقية تنافس مثيلاتها التي سبقتها مثل المصرية والسورية والمغربية وحتى اليمنية.

وعلى المستوى العربي، فان المطاعم العراقية تنتشر في عدد من البلدان مثل لبنان ومصر، كما تنتشر مطاعم عراقية في الخليج وابرزها في دبي وقطر وبعضها فروع لمطاعم عراقية تتواجد في العراق او انتقلت بشكل كامل الى الخارج بعد ان كانت متواجدة في البلاد، وابرز الاطباق فيها السمك (المسكوف) والكباب العراقي الشهير والباجة والقوزي والكبة المحشية باللحم والدولمة المحشية بالخضروات ، الرز بالباقلاء، الدولمة، وفاصوليا يابسة، مطبك سمك، دجاج محشي، برياني، وأطباق عراقية أخرى. وتقدم معظم هذه المطاعم الشاي المهيل على الطريقة العراقية في حين يستمع روادها الى الاغاني العراقية الأصيلة.

كما أن (الكليجة) احدى المعجنات المقترنة بالعيد في العراق أصبح لها محال وافران خارج العراق بطريقة عراقية خالصة.

كما تنتشر في أمريكا مطاعم عراقية أيضا والمفارقة ان بعضها يبيع الكاهي والقيمر العراقيين مع الخبز العراقي.

وفي أوروبا وكندا واستراليا أيضا ًفان هناك مطاعم عراقية عربية وكوردية تقدم الكباب المشوي وغيرها من الأكلات المعروفة مثل وجبات السمك والباچة العراقية والدولمة بامتياز، حتى وصل الاكل العراقي الى الصين عبر مطاعم تقدم اطعمة (القوزي) والكباب والتكه والدولمة أيضا.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon