"مجمع الرسامين في بغداد".. من أكبر أسواق الفن إلى زقاق منسي (صور)
شفق نيوز/ في زقاق ضيق وسط الكرادة، حيث الصمت والسكون، تحتضن العاصمة بغداد "مجمع الرسامين"، ذلك المكان الذي كان يوماً ما عصب الفن التشكيلي في العراق.
تأسس المجمع في العام 1975، وبلغ أوج ازدهاره في تسعينيات القرن الماضي، حيث كان يضم 64 محلاً وكاليري يعج بالحياة واللوحات المتنوعة، بينما تقلص اليوم، إلى 15 محلاً وكاليري فقط، وسط معاناة من غياب الروّاد وضيق الحركة التجارية.
وتنتشر في محال المجمع لوحات فنية متنوعة، تتجلى فيها أنماط الخط العربي الرصين والزخرفة الإسلامية المعقدة، إلى جانب لوحات رسم تجسد مدارس فنية متعددة من الواقعية الدقيقة إلى الانطباعية الحالمة، فضلاً عن التجريدية العميقة والكلاسيكية الخالدة.
رسامون: لم يعد ذاك المكان
وخرج المجمع أسماء لامعة في عالم الفن التشكيلي العراقي، التي لاقت أعمالها رواجاً عالمياً، لكن الظروف الأمنية التي عصفت بالعراق بعد عام 2003 أجبرت العديد من رواده على مغادرة البلاد، وفقاً للرسام محمد الخفاجي.
ويضيف الخفاجي، في حديث لشفق نيوز، أن "المجمع لم يعد كما كان عليه قبل أربعة عقود، لكن المكان لا يزال يحتفظ بروح الفن العراقي العريق".
ويشير الخفاجي، إلى أن "المجمع ترك ارثاً فنياً كبيراً في الذاكرة العراقية، خصوصاً وأنه كان حافلاً بالنشاط التجاري والفني"، مستطرداً بالقول إن "المجمع كان أكبر الاسواق الفنية في الشرق الأوسط ويضم اسماء لامعة من رواد الفن التشكيلي العراقي".
وتعتلي المجمع، لافتة قديمة كتب عليها "مجمع الرسامين للفنون التشكيلية"، وتحيط به عدد من الاشجار وسور حديدي صغير، لا يلاحظه المارة ولا يعرفه سوى سكان المنطقة القدماء او المتذوقين لفن الرسم.
لمسة من التراث الأوروبي
في المقابل، يصف الرسام عدي شربة، الذي يمتلك محلاً في المجمع، المكان بأنه مزيج متناغم بين الأصالة الشرقية واللمسة الحداثوية المستوحاة من المدارس الأوروبية.
ويقول شربة، في حديثه لشفق نيوز، "لا حدود لأسعار اللوحات، فهي تُنتج غالباً حسب طلب الزبائن، لكن الحركة التجارية أصبحت محدودة بسبب غياب السياحة"، مبيناً أن "الذين يقتنون اللوحات الفنية حالياً هم من متذوقي الفن التشكيلي، وتميل ذائقة العديد منهم إلى اللوحات الشرقية والتراثية، لكن بعض اللوحات تحتوي على حركة فنية حداثوية بتخطيطات والوان مشابهة لمدارس الفن الأوروبي لكنها مصممة وفق رؤية محلية".
بيروقراطية الحكومة تُعيق الانتشار
بينما يحاول الفنانون إنعاش السوق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتهم الرسام محمد السوداني يعمل في المجمع منذ 22 عاماً، وزارة الثقافة بعرقلة بيع اللوحات العراقية للخارج.
ويقول السوداني خلال حديثه لشفق نيوز، إن هناك ضوابط صارمة على اللوحات المشتراة من قبل الأجانب أو المغتربين، ما يؤدي إلى تضاعف أسعارها وتأخير استلامها لعدة أشهر، وهو ما يدفع الكثيرين للعزوف عن الشراء".
واليوم، يقف المجمع كأيقونة عراقية تبحث عن متنفس جديد وسط التحديات، حيث يُلقي غياب الدعم والتقدير بظلاله على أحد أكبر معالم الفن التشكيلي في الشرق الأوسط.
ورغم التراجع، يبقى هذا الزقاق الضيق شاهداً على تاريخ طويل من الإبداع العراقي، الذي لن ينساه الزمن.