مؤسسة صحفية: التحرش والاستغلال الجنسي للصحفيات اللبنانيات أصبح جزء من العمل الإعلامي
شفق نيوز/ أجرت مؤسسة "سمير قصير" اللبنانية، دراسة عن التحرش الجنسي في مجال الصحافة، حيث توصلت إلى أن "التحرش الجنسي" أصبح أمراً طبيعياً في لبنان وجزء لا يتجزأ من قطاع الإعلام، مبينة أنه غالباً ما يبدأ حتى قبل مرحلة التوظيف، فيما أشارت إلى أنه من أعراض التمييز الدائمة في قطاع الإعلام اللبناني هو "تنصيب الرجال كصانعي قرار".
وتقول سهام المتخرجة من احدى جامعات لبنان حاملة شهادة الصحافة، خلال حديثها لمعديّ الدراسة، انها حلمت بالشهادة هذه منذ صغرها، فهي تعشق الكتابة، وترى في هذه المهنة رسالة سامية لنقل الحقيقة وإيصال وجع الناس، لكن سرعان ما تحطمت أحلامها على صخرة الواقع، فما إن طرقت باب هذا العالم حتى صدمت بتعرضها للتحرش، بحسب موقع "الحرة".
وأضافت "كنت أبحث عن فرصة عمل، وإذ بصديقتي تطلعني عن حاجة موقع إلكتروني محلي لموظفين، ولم أتردد في إرسال سيرتي الذاتية عبر البريد الإلكتروني، وانتظرت بفارغ الصبر رداً".
وتابعت "بعد فترة، تلقيت اتصالاً يدعوني لإجراء مقابلة مع مدير الموقع، وكنت سعيدة للغاية بهذه الفرصة، وبدأت أستعد للمقابلة بكل حماس".
وأشارت سهام "حضّرت جميع الأسئلة التي توقعت أن تُطرح عليّ، وارتديت ملابس مناسبة للمقابلة وتوجهت إلى مقر الموقع وأنا أشعر بالتوتر والقلق، لكنني كنت مصممة على إثبات نفسي والحصول على الوظيفة".
وتابعت بالقول: "عندما دخلت إلى مكتب المدير، بدأت أشعر بالارتباك من نظراته وأسئلته الخاصة التي كانت بعيدة كل البعد عن المهنية، وعلى الرغم من ذلك، حافظت على رباطة جأشي، لكن عندما انتهت المقابلة وقف المدير ليصافحني، ولم يكتف بذلك، بل قام بلمس جسدي بطريقة غير أخلاقية، فشعرت بالصدمة وسارعت لمغادرة المكان".
ولفتت سهام "خرجت من مكتب المدير وأنا في حالة من الذهول، تعصف بداخلي مشاعر الغضب والاشمئزاز من تصرفه الشنيع"، مشددة "اتخذت قراراً بعدم العمل في هذا الموقع، حتى لو تم قبولي، إيماناً مني بمبادئي وبأن شرفي لا يقبل المساومة".
وبعد أسبوع، تلقت سهام اتصالاً من الموقع، يخبرها بقبولها في الوظيفة، فاعتذرت "دون تردد"، مؤكدة على موقفها الرافض للعمل في بيئة تسيء معاملة النساء.
مشهد صاعق
وسلّطت الدراسة التي أجرتها مؤسسة "سمير قصير"، وارتكزت على 70 مقابلة مع صحفيات يعملن أو يغطين أحداث لبنان، الضوء على التحديات التي لا تقتصر على متطلبات متحيزة ضدهن، وكانت نتائج الدراسة "صاعقة"، كما تقول معدتها الباحثة ومسؤولة البرامج في مؤسسة "سمير قصير"، نادين مبارك.
وأضافت "كنّا نهدف إلى كشف واقع الصحفيات في لبنان من أجل تبيان الفوارق الجندرية التي ظهرت أنها أضخم بكثير مما كنا نتوقع، لكننا اكتشفنا كذلك أن حجم المعاناة التي يعانينها صادمة جداً، وهي تتجاوز النواحي المهنية لتشمل النواحي النفسية والاجتماعية كذلك".
"الصادم الأكبر" بحسب ما تقوله مبارك هو أن "90% من المشاركات كشفن عن تعرضهن لشكل من أشكال المضايقة في عملهن الصحفي، و70% منهن تعرضن للتحرش الجنسي، فيما أكدت 96% ممن لم يتعرضن للتحرش أن زميلات لهن تعرضن لذلك".
وبالإضافة إلى التحرش الجنسي، أبلغ 59% عن تعرضهن لإساءة لفظية، و49% لخطاب الكراهية، و43% للتهديدات، و30% للإيذاء الجسدي، و19% للتنمر والتحرش عبر الإنترنت.
مراحل التحرش
تتعرض الصحفيات للتحرش قبل التوظيف، وخلاله، وبعده، وفي مرحلة ما قبل التوظيف، وروت مجموعة كبيرة من المشاركات أنه "طُلب منهن خدمات جنسية مقابل فرصة عمل، وشمل من طلبوا هذه الأمور، شخصيات سياسية أو مديرين".
وخلال مرحلة التوظيف، فأكدت 51% من الصحفيات المشاركات بالاستطلاع، أن "المدير كان المتحرش الجنسي الرئيسي، و37% أكدن أنه أحد الزملاء"، وتصبح الصحفية هدفاً للتحرش الجنسي بشكل خاص "عندما تكتب عن الصحة الإنجابية والجنسية، حيث يفترض المتحرشون أنها ستكون منفتحة".
وفي مرحلة ما بعد التوظيف، أفادت صحفية بأن "وزيراً طلب لقاء معها بعد استقالتها من منصبها الصحفي، وإذ بها تصدم بأن هدفه من ذلك كان التحرش بها جنسياً".
ولا تنتهي عواقب التحرش الجنسي بانتهاء العمل، بل غالباً ما تستمر لفترة طويلة بعد ذلك، وتشمل هذه العواقب كما أظهرت الدراسة "تراجع احترام الذات والثقة بالنفس (81%)، وعرقلة النمو الوظيفي والعمل (64%)، والخوف والقلق والعزلة والاكتئاب (73%)، والشعور بالذنب وعدم الأمن والفشل (49%)، إلى جانب الرقابة الذاتية واضطراب الطعام ومعاداة المجتمع والعدوانية (19%)".
سيطرة ذكورية وحقوق مهدورة
ومن أعراض التمييز الدائمة في قطاع الإعلام اللبناني، "تنصيب الرجال كصانعي قرار"، بحسب ما توصلت إليه الدراسة، حيث أقرت 73% من المشاركات، بأن الصحفيات يواجهن "عقبات" في الوصول إلى مناصب قيادية.
ووفقاً للدراسة، ظهر أن 73% من الصحفيات يواجهن عقبات في الوصول إلى مناصب قيادية، بينما لم يحصل 64% منهن على زيادة في الراتب أو ترقية خلال السنوات الخمس الماضية.
أما الإجازات، فتُعتبر ترفاً، إذ تقول مبارك: "لم تأخذ 20% من الصحفيات أي إجازة أبداً، ولا يسمح لـ69% منهن بإجازة مرضية شهرية للدورة الشهرية. وتعتقد 89% منهن أن إجازة الأمومة التي ينص القانون عليها، البالغة 10 أسابيع، غير عادلة".
فجوة المساواة
ومن أكثر النتائج المؤسفة التي توصلت إليها الدراسة، حسب مبارك، هي "موقف المؤسسات الإعلامية، أي أصحاب العمل، من التحديات اليومية التي تواجهها الموظفات، ففيما يتعلّق بردّ فعل صاحب العمل على هذه الأحداث، شرحت 55% من المشاركات أنه كان سلبياً، وأن صاحب العمل لم يتّخذ أي إجراء في هذا الصدد".
كما نفت 73% من المشاركات، أن تكون مؤسستهن "تعتمد حالياً سياسة داخلية واضحة لمنع الاستغلال والاعتداء الجنسيَّين".