لماذا أثارت قرارات المحكمة الاتحادية بشأن كوردستان غضب الكورد؟.. القصة الكاملة
شفق نيوز/ "قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتت تُفسّر بأنها سياسية أكثر من كونها قانونية، وتتجاوز قرارتها على الوضع الخاص بها، وأصبحت تضيّق الخناق مرة تلو أخرى على إقليم كوردستان، "لتقويض الكيان الإداري والسياسي للإقليم".
هكذا يصف سياسيون كورد بغضب قرارات المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق)، التي اتخذتها يوم الأربعاء، 21/ 2/ 2024، بإلزام كل من محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء الاتحادي، ورئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني بتوطين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام لدى المصارف الاتحادية.
كما أصدرت المحكمة الاتحادية قرارات بشأن قانون انتخابات برلمان كوردستان، وقررت أيضاً أن تَحلَّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية بدلاً من الكوردستانية.
في المقابل، يرى مراقبون أن القرارات صائبة و"مطابقة" للقانون وللدستور، و"ستعطي كل ذي حق حقه"، وستنهي معاناة موظفي الإقليم بتأخر تسلم رواتبهم لفترات تمتد لأشهر.
تفاصيل القرارين
يوضح الخبير القانوني، علي التميمي، أن "المحكمة الاتحادية العليا أصدرت قرارين، الأول هو قرار 83 و موحداتها لهذه الدعوى عام 2024، المتعلق بالانتخابات في إقليم كوردستان، وما يخص النقاط المتعلقة بقانون انتخابات الإقليم رقم 1 لسنة 1992".
ويشرح التميمي لوكالة شفق نيوز، هذا القرار بأن "المحكمة الاتحادية قلّصت عدد أعضاء برلمان الإقليم إلى 100 بدلاً من 111، لأن زيادة الأعضاء الـ11 والتي جاءت بالتعديل السابع للقانون، ترى المحكمة الاتحادية أنه مخالف للمادة 14 و20 و102 و39 من الدستور".
"والمحكمة في هذا القرار جعلت مفوضية الانتخابات الاتحادية هي التي تشرف على إجراء الانتخابات في الإقليم، بحكم المادة 1 من قانون مفوضية الانتخابات رقم 31 لعام 2019، لأن مفوضية انتخابات الإقليم انتهى عمرها، والبرلمان في كوردستان انتهى عمره، وتم حلّه من قبل المحكمة الاتحادية"، وفق التميمي.
ويبين، أن "القرار الخاص بالانتخابات صدر بالأكثرية، ومعروف وفق المادة 33 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا، أن قسم من القرارات تُصدر بالأغلبية البسيطة، والقسم الآخر يُصدر بالاتفاق، وهو ما يتعلق بالبت بالقضايا التي تنشأ عند تطبيق القوانين والخلافات بين المركز والأقاليم، لهذا كان القرار بالأكثرية".
أما القرار الثاني 224 المتعلق بتوطين رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية في إقليم كوردستان، يوضح الخبير القانوني، أن "هذا القرار صدر بالاتفاق، أي بتصويت جميع أعضاء المحكمة الاتحادية عليه، وهذا القرار أوجب أن يكون هناك مصرف يتم وضع الأموال التي تخصص من الحكومة الاتحادية فيه".
"وألزم القرار الجهات المختصة بالموظفين والمتقاعدين بأن تتعامل مع وزارة المالية الاتحادية دون الرجوع إلى حكومة الإقليم، وتكون مسؤولة عن الجرد والأسماء التي تُقدمها والموازنات وقيمة الأموال التي تُدفع إلى إقليم كوردستان، وقُدّرت بـ775 مليار دينار"، يقول الخبير القانوني.
ويؤكد التميمي، أن "هذه القرارات باتة وملزمة وفق المادة 94 من الدستور، فهي ملزمة لإقليم كوردستان وللحكومة الاتحادية بنص الدستور، ولا يجوز التنصل منها أو الاعتراض عليها بأي شكل من الأشكال".
من جهته، يقول عضو اللجنة القانونية النيابية، النائب عارف الحمامي، لوكالة شفق نيوز، إن "قرار المحكمة الاتحادية مطابق للقانون والدستور وقد صدر من مبدأ العدالة والإنصاف، إذ أن روح القوانين تتكئ على روح العدالة والإنصاف خاصة القوانين التي فيها جنبة إنسانية ووطنية".
"تحوّل الحلم إلى حقيقة"
وكان مجلس المعلمين المعترضين في السليمانية، أكد الأربعاء الماضي، أن قرار المحكمة الاتحادية العليا جاء نتيجة تضحيات المعلمين والموظفين طوال عشر سنوات، مشيراً إلى أن حلمهم تحوّل إلى حقيقة.
وقال دلشاد ميراني ممثل المعلمين المحاضرين في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، إن "المعلمين والموظفين وعلى مدار عشرة أعوام نظموا 83 تظاهرة بمشاركة آلاف المعلمين والموظفين والمواطنين للمطالبة بأبسط الحقوق الشرعية وقد ووجهنا بتهم وضغوطات ولم تكن هنالك آذاناً صاغية لمطالبنا، لكننا لم نتراجع وبعد ذلك قمنا بالعديد من اللقاءات مع عدد كبير من المسؤولين في بغداد من أجل تشكل مجاميع ضغط باتجاه أصحاب القرار وبعدها أجبرنا إلى اللجوء للمحكمة الاتحادية لتقديم شكوى ضد حكومة الإقليم".
وأضاف أن "قرار المحكمة الاتحادية جاء بعد مخاض عسير وبعد جهد آلاف المعلمين والموظفين والمواطنين وقد تحول حلم توزيع الرواتب الى حقيقة والآن باتت بغداد ملزمة بدفع رواتب موظفي الإقليم من خلال تحويلها للمصارف الحكومية وصرف رواتب الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي".
"الرابح هو الشعب"
وفي هذا السياق، يقول مدير مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، د.عباس الجبوري، إن "موظفي الإقليم عانوا كثيراً من عدم إعطائهم رواتبهم وتأخيرها لأشهر تصل أحياناً إلى 4 أشهر، ما أثّر على حياتهم اليومية ومعيشتهم، وولّد حالة تذمر، لذلك قرار توطين الرواتب صائب لأنه سيعطي كل ذي حق حقه، وسوف تستقطع هذه الرواتب من الموازنة المرسلة إلى الإقليم".
ويؤكد، لوكالة شفق نيوز، أن "القرار يخدم الموظف في الإقليم، إذ سيكون حاله كحال أي موظف في بغداد عن طريق توطين الرواتب في المصارف الرسمية التي يتقاضى منها الموظفون رواتبهم، وهذه ستستقطع من الموازنة وسيكون الرابح هو الشعب الكوردي"، على حد تعبيره.
تمويل الرواتب
وكانت اللجنة المالية النيابية، أوضحت يوم السبت، تفاصيل قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن تمويل رواتب موظفي إقليم كوردستان.
وقال رئيس اللجنة المالية النيابية عطوان العطواني في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز، إن "قرار المحكمة الاتحادية العليا اشترط على وزارة المالية بالحكومة الاتحادية تمويل رواتب الموظفين في إقليم كوردستان أسوة باقرانهم من الموظفين في المحافظات العراقية كافة".
وأضاف أن "القرار واضح بأن أي جهة تعرقل تنفيذ أي فقرة من هذه الفقرات ستضع نفسها أمام المساءلة والعدالة"، مبيناً أن "الهدف من توطين الرواتب هو بناء قاعدة بيانات وتجنب التكرار الوظيفي".
كما أشار العطواني الى أن "مبلغ التخصيصات سيكون جزءاً من مخصصات الإقليم وهي 12.67٪، وما يتبقى منه هو لتمويل المشاريع ومتطلبات المؤسسات في الإقليم".
ونوّه الى أن "وزارة المالية ستقوم شهرياً بتمويل رواتب الموظفين والمتقاعدين في إقليم كوردستان حسب قرار المحكمة الاتحادية"، مضيفاً "ينبغي للمسؤولين في حكومة الإقليم التفاعل مع القرار بشكل إيجابي من أجل تمويل رواتب الموظفين بصورة طبيعية".
موقف حكومة الإقليم
في المقابل، قال رئيس وزراء إقليم كوردستان مسرور بارزاني، الخميس الماضي، إن حكومته ستعبر عن موقفها إزاء قرارات المحكمة الاتحادية حال تلقيها رسمياً لتلك القرارات.
وذكر مسرور بارزاني في تصريح للصحفيين من محافظة حلبجة، أنه "في حال تلقينا قرارات المحكمة الاتحادية بشكل رسمي، فسنقوم بالتعبير عن موقفنا إزاءها"، مستدركاً القول: لكن مما لا شك فيه أن أي شيء بالضد من الحقوق الدستورية لشعب كوردستان وخلافاً لها، فسنعلن موقفنا بشكل واضح تجاهها".
وأضاف، أنه "كان يجب إجراء الانتخابات التشريعية في إقليم كوردستان بموعدها، لكن تم تأجيلها لمدة عامين لأسباب سياسية"، مؤكداً أنه "من الأفضل إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن".
فيما عد الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الخميس الماضي، قرارات المحكمة الاتحادية بشأن رواتب الموظفين وقانون انتخابات كوردستان "مخالفة" للدستور الدائم للبلاد.
وعقد المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني الخميس الماضي اجتماعاً برئاسة الرئيس مسعود بارزاني، وكان من محاور الاجتماع مناقشة قرارات المحكمة الاتحادية.
وذكر الحزب في بيان ورد لوكالة شفق نيوز، هذه القرارات تتعارض مع روح الدستور والحقوق الدستورية لإقليم كوردستان ومبادئ الاتحادية ومبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في الدستور العراقي.
وأكد المكتب السياسي للحزب على الدفاع عن حقوق المكونات ودعم مشاركتها في المؤسسات الدستورية.
وشدد الحزب في بيانه على دعمه لحكومة إقليم كوردستان لمواصلة مفاوضاتها مع الحكومة الاتحادية حول المستحقات المالية للإقليم في إطار الدستور.
وأضاف البيان أن القرار المتعلق بقانون الانتخابات رقم 1 لسنة 1992 وتعديل بعض أحكامه مخالف للدستور وطبيعة الفصل بين السلطات.
"مخالفة دستورية"
وفي هذا الجانب، يؤكد النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني، نهرو محمود قادر، إن "قرارات المحكمة الاتحادية تتعارض مع روح الدستور والحقوق الدستورية والمبادئ الاتحادية ومبدأ الفصل بين السلطات، وكل ما صدر هو مخالف للبنود الدستورية".
وعن إلغاء مقاعد الكوتا، يشير قادر خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "القرار لم يعطِ حقوقاً للمكونات الموجودة داخل الإقليم، في وقت أن البرلمان العراقي فيه كوتا لمناطق الإقليم، فكيف يتم منع تمثيل الموجودين داخل الإقليم في برلمان الإقليم، فهذا تعارض"؟
وكانت أحزاب المكون الكلداني السرياني الاشوري في إقليم كوردستان، عدّت يوم الجمعة، قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء مقاعد الكوتا وتمثيل الأقليات ببرلمان الإقليم مخالفة دستورية وذا صبغة سياسية، وفيما بينت أن القرار محبط لأبناء المكون، أكدت أن القرار ليس من اختصاص المحكمة التي "عالجت الخطأ بالخطأ".
فيما قال وزير الإقليم لشؤون المكونات، آيدن معروف، الخميس الماضي، إن قرار المحكمة الاتحادية العليا القاضي بحل مقاعد "الكوتا" في برلمان كوردستان، "سياسي وغير قانوني".
"الرواتب لن تصرف مباشرة"
بدوره، يوضح العضو السابق في برلمان كوردستان، عبدالسلام البرواري، أنه "من المنطقي والمتوقع لأي محكمة دستورية ترى في مثل هذه الدعوى أن تؤكد على المادة 120 ثالثاً التي تنص بضرورة تخصيص نسبة عادلة من الواردات المستحصلة اتحادياً للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم حسب النسبة السكانية أو حاجتها، فهذا كان الشيء الوحيد الذي يدخل في اختصاصاتها".
ويضيف البرواري لوكالة شفق نيوز، "لكن المحكمة الاتحادية وكعادتها في كل مرة، أعطت الحق لنفسها بأن تحل محل السلطة التشريعية والتنفيذية وهذا مخالف لمبدأ الفصل بين السلطات، كما نراها تدخل في تفاصيل وتكرر بعض الأمور المتفق عليها والواردة في قانون الموازنة مثل تسليم الواردات وتدقيق البيانات وغيرها".
ويبيّن، أن "المحكمة الاتحادية استعملت تعبير توطين الرواتب الذي يفتح المجال أمام الكثير من التكهنات، إذ أن توطين مبلغ في مصرف، أي وضعه في مصرف، وهذا لن يغير شيء، والبعض يروج إلى أن الحكومة الاتحادية ستقوم بصرف الرواتب مباشرة دون الإقليم، لكن نص القرار لا يوحي إلى ذلك".
ويُكمل، "كما أن المتحدث باسم وزارة المالية الاتحادية، أعلن أنه سيتم إرسال مبلغ 618 مليار دينار خلال الأسبوع المقبل، وأن هذا المبلغ سيودع في مصارف تابعة للبنك المركزي (الرافدين والرشيد) ومنها تضعها على حساب الإقليم في البنك المركزي، فهذا هو التوطين وليس أكثر من ذلك".
ويرى، أن "دخول الحكومة الاتحادية في صرف الرواتب مباشرة، عملية تحتاج إلى كادر إداري بالمئات، واستعدادات تستغرق أشهراً، لذلك المحكمة الاتحادية تجاوزت صلاحياتها، والقرار في الأساس يعود إلى النية، فإذا كانت النية الاستمرار بفرض هذه العقوبات على الإقليم والتقليل من صلاحياته، فيمكن استغلال هذا النص لعدم إرسال المستحقات، وإلا ما قامت به المحكمة هو تأكيد على المادة الدستورية 121 ثالثاً التي تلزم الحكومة الاتحادية بصرف حصة الإقليم وليس الرواتب فقط".
"مسمار في نعش كيان كوردستان"
وكان رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكوردستاني محمد الحاج محمود، اعتبر الخميس الماضي، أن قرار المحكمة الاتحادية القاضي بتسليم إيرادات إقليم كوردستان النفطية وغير النفطية إلى بغداد يهدف إلى تجفيف مصادر الدخل للإقليم، ولذلك فإن القبول بهذا القرار "الجائر هو بمثابة دق مسمار في نعش كيان كوردستان".
حديث الحاج محمود، المعروف لدى الأوساط الكوردية بـ"كاكه حمه"، جاء تعليقاً على قرارات المحكمة الاتحادية بشأن قانون الانتخابات، ورواتب الموظفين في إقليم كوردستان، حيث قال، "قرار المحكمة الاتحادية بتاريخ 21 شباط 2024 بشأن الرواتب والموازنة والانتخابات البرلمانية وهوامشها قرار سياسي مليء بالحقد والكراهية ضد إقليم كوردستان، والكيان السياسي للإقليم، وشعب كوردستان، وضد الديمقراطية وحقوق الأقليات والتدخل بشؤون مؤسسات الإقليم".
ووصف قرار حل المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في الإقليم بأنه "خنجر مسموم في ظهر الكورد والكيان السياسي لكوردستان".
وتابع الحاج محمود بالقول، إن "تسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية يهدف الى تجفيف منابع الدخل للإقليم، ومد يد الاستعطاء وبذُلٍّ لبغداد، لذلك فإن القبول بهذا القرار الجائر هو بمثابة دق مسمار في نعش الكيان السياسي لكوردستان".
من جهته، يشير السياسي الكوردي، ياسين عزيز، إلى أن "قرارات المحكمة الاتحادية ليست هذه الفترة فقط لكن منذ وقت طويل باتت تُفسر بأنها سياسية أكثر من كونها قانونية، وتتجاوز قرارتها على الوضع الخاص بها، وباتت تضيّق الخناق مرة تلو أخرى على إقليم كوردستان حتى بات المراقب للوضع يشعر بأن الهدف من تلك القرارات تقويض الكيان الإداري والسياسي للإقليم، وهو إقليم دستوري وقانوني".
ويضيف عزيز لوكالة شفق نيوز، "لذا على القيادة الكوردية العمل بجد من أجل التعامل مع تطوير نوعية القرارات التي تصدر باسم القضاء الذي نتمنى أن يكون بعيداً عن المناكفات السياسية حتى لا نجد انفسنا يوماً ونحن نسمع بصلاحيات تشريعية وتنفيذية تتم عبر غير مؤسساتها الدستورية، فالكورد صوتوا للدستور عام 2005 حتى يتم صيانة حقوقهم من خلاله لا أن يتم القضاء على الإقليم باستخدام الدستور بطريقة غير صحيحة".