لسنَ مواطنات درجة ثانية.. مكافحة الألغام في السليمانية تقدم رواية اخرى عن نساء عراقيات
شفق نيوز/ ذكر موقع "ايفنينغ نيوز" البريطاني ان النساء في العراق يتم التعامل معهن على انهن مواطنات من الدرجة الثانية، في ظل انتشار المفاهيم الدينية والمحافظة التي تقيد من حضورهن، ومع ذلك فإن هناك تجارب نسائية تؤكد خلاف ذلك.
واشار التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، الى قصة حلالة (32 عاما) التي نشأت في ظل سلسلة من الصراعات والحروب التي شهدها العراق، بينها الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وبريطانيا لبلادها وهي في الـ12 من عمرها، حيث كانت قوات التحالف تأمل ان تكون عملية عسكرية خاطفة، لكن تلاها احتلال خلف فراغاً وعدم استقرار في السلطة، ما ادى الى ظهور عدة حركات تمرد عنيفة في السنوات اللاحقة.
بقايا الحرب المميتة
والآن، يقول التقرير البريطاني ان حلالة تساعد في تطهير بلدها من بقايا الحرب المدمرة والمميتة حيث تعمل مع مجموعة "ماغ" الخيرية المتخصصة في ازالة الالغام، والتي تتخذ من مدينة مانشستر البريطانية مقرا لها، حيث تساهم حلالة بنشاط في التنقيب عن الالغام الارضية ومخلفات الحرب غير المنفجرة.
وذكر التقرير ان كل لغم تقوم حلالة بإزالته، يساهم في انقاذ ارواح. وتقول حلالة انه عمل شاق وخطير في ظل الحرارة الحادة التي تصل الى 40 خلال الصيف، الا انها تشعر بـ"الفخر" بما تقوم به، خصوصا في بلد غالبا ما ينظر الى النساء على انهن مواطنات من الدرجة الثانية.
ونقل التقرير عن حلالة قولها خلال جلوسها في ظل شجرة على بعد امتار من موقع حقل الغام في محافظة السليمانية بإقليم كوردستان، "عندما كنت طفلة لم أكن اتخيل نهائيا انني ساقوم بعمل مثل هذا".
وتضيف "انني فخورة بهذا العمل الذي لا يستطيع بعض الرجال القيام به. حتى عندما نتناقش معهم، يقولون لي: كيف بمقدورك القيام بذلك؟!".
حظوظ أفضل للمرأة العراقية
وذكر التقرير ان النساء في العراق حظين بحقوق اكثر من العديد من النساء في انحاء الشرق الاوسط، وهو ما تؤكده منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، مشيرا الى ان الدستور العراقي لعام 1970 اكد على حقوق المرأة في التصويت والتعليم والترشح للمناصب السياسية وحق التملك.
وتابع التقرير انه منذ حرب الخليج الاولى، حصل تدهور سريع في وضع المرأة العراقية في المجتمع بعدما سعى الرئيس الاسبق صدام حسين الى اعتماد السياسات المحافظة الدينية من اجل تعزيز سلطته.
ونقل التقرير عن منظمة اليونسكو قولها، انه مع حلول نهاية العام 2000، كانت النساء المتعلمات في العراق نسبتهن اقل من 25%.
ونقل التقرير عن مديرة مركز دراسات النوع الاجتماعي والتنمية في الجامعة الامريكية في العراق، شومان هاردي، قولها انه برغم التقدم المتحقق فيما يتعلق بالنهوض بحقوق المرأة في اقليم كوردستان، فإن الحركة ما تزال متعثرة بسبب "انتشار خطاب ثقافي وديني محافظ"، مضيفة انه "ضمن هذه النظرة للعالم، فإنه يتم تقديم المعايير والادوار الجندرية القمعية على انها شيء طبيعي وسليم ويعكس رغبة الله او الطبيعة".
بين لهيب الشمس ومخاطر الألغام
وفي هذا المناخ، فإن حلالة تعمل على ازالة الالغام، وتعمل ضمن فريق مختلط جنسيا منذ نحو 3 سنوات، حيث تبدأ صباحها مبكرا خلال خمسة ايام من الاسبوع من اجل التهرب من حرارة الصيف الشديدة، حيث ينتقل الفريق على مدى ساعات من اقرب مدينة الى قاعدتهم في حقل الالغام في الجبال بالقرب من الحدود الايرانية.
واوضح التقرير انه في حقل الالغام هذا، يتم ازالة 3 الغام كل ساعة، كلها من مخلفات الحرب العراقية - الايرانية خلال ثمانينيات القرن الماضي، والتي ظلت مزروعة تحت الارض طوال 40 سنة.
الدعم العائلي
ونقل التقرير عن حلالة قولها ان عائلتها لم تكن دائماً داعمة لاختيارها هذا النوع من العمل الحافل بالمخاطر، موضحة "انهم يقولون ان الامر خطير، ويخافون ان يقع لي حادث اثناء العمل".
وتابع التقرير انه في بلد يعرف فيه الكل تقريباً شخصاً تأثر بمخلفات الحرب هذه، فإن عائلة حلالة تدرك في الوقت نفسه الاعجاب بالعمل الذي تقوم به.
وقالت حلالة انهم "عندما يرون انني انجح واستمر في العمل بشكل جيد، فإنهم يشعرون بالسعادة ويدعمونني".
وفي حين اشار التقرير الى التدريب الذي يخضع لها العاملون في ازالة الالغام في "ماغ"، حيث يتدربون في جمجمال قبل ان يسمح لهم بالاقتراب من موقع للألغام للتعلم كيف ينزعونها ويقومون بتفجيرها بشكل آمن، الا انه لفت الى انه برغم الاستعدادات، ما زالت حلالة تتذكر خليط الخوف والاثارة الذي شعرت به في اول يوم لها في العمل، قائلة "كنت خائفة عملياً من كيفية التعامل مع لغم للمرة الاولى".
أرض آمنة
الان ، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، لم تعد هلالة تشعر بالخوف وتقول انها سعيدة بأنها تساهم في جعل هذه الارض اكثر أماناً للناس، موضحة انه "امر مُرض بشكل خاص حيث اننا كثيرا ما نسمع قصصاً عن اناس اصيبوا او قُتلوا هناك".
وتابعت قائلة ان "مشاهدة الاثر الايجابي الذي احدثناه يجعلني سعيدة".
ونوهت حلالة الى انها ترتبط بعلاقات قوية مع اعضاء فريقها، وخصوصا النساء اللواتي مثلها، يتحدين الادوار التقليدية للجنسين في وظيفتهن.
وقالت حلالة انه "غالباً ما يتم وضع النساء في المرتبة الثانية، ومن خلال القيام بهذا العمل بفخر، بإمكاني ان اقول اننا، كنساء، قادرات على القيام بأي شيء يفعله الرجال".
الألغام تقتل وتشوه 15 يومياً
وختم التقرير بالقول ان ملايين الناس حول العالم يعيشون مع حقيقة ان خطوة واحدة خاطئة يمكن ان تتسبب بمقتلهم، مشيرا الى ان الالغام تقتل وتشوه 15 شخصا يومياً، نصفهم من الاطفال.
كما ان مجموعة "ماغ" قامت من العام 1989، بمساعدة اكثر من 20 مليون شخص في 70 دولة، وذلك وفق مبدأ بسيط يتمثل بالقيام بكل ما يلزم للوصول الى لغم ارضي قبل ان يطال طفلا اخر.
وفي حين اشار التقرير الى الدور الذي قامت به الاميرة البريطانية الراحلة دايانا في العام 1997 عندما عبرت فوق حقل الغام في انغولا لتسليط الضوء على شر الالغام الارضية، ما ساهم في تقوية الحظر العالمي على الالغام الارضية حول العالم، من خلال معاهدة وقعت عليها 164 دولة، ختم بالقول ان ازالة الالغام الارضية لا يجعل الارض امنة فقط، وانما يساهم ايضا في تمكين المجتمعات التي دمرتها الحرب لتكون قادرة على زراعة المحاصيل وبناء المنازل وتطوير البنية التحتية.