لبنان أمام معركة انتخابية غير عادية وسط مقاطعة سنية وسلاح "المقاومة"
شفق نيوز/ يشهد لبنان مع بداية صباح الأحد اول معركة انتخابية منذ أن ضُربت البلاد بأسوأ أزمة اقتصادية معيشية في تاريخها، وسط مراهنات داخلية وخارجية تحت شعارات متعددة مثيرة للجدل، بينها "التغيير" والمقاطعة السنية" و"سلاح المقاومة"، وهي منافسة تعني فعليا صراعا على وجه لبنان.
ولن يكون صباح 15 آيار/مايو يوما عاديا في تاريخ لبنان الحديث، حيث تفتح صناديق الاقتراع منذ الساعة السابعة صباحا، امام 3.9 ملايين ناخب يحق لهم الادلاء بأصواتهم، للمرة الاولى منذ انتخابات 2018، حيث توالت على البلاد سلسلة من الأزمات والكوارث والانهيارات.
ويشارك في تأمين مراكز الاقتراع المقدرة بـ1755 مركزا، اكثر من 100 الف عسكري ورجال الاجهزة الامنية المختلفة، انتشروا بالفعل في مختلف المحافظات اللبنانية، وسط مخاوف من تحول التوترات السياسية والتنافس في بعض الدوائر الانتخابية الـ15، الى اعمال عنف او قطع طرقات، بعد حملات انتخابية مستمرة منذ اسابيع لم توفر وسيلة في حشد التعبئة واستنفار الانصار والمؤيدين والشرائح المترددة، بانتظار صدور النتائج نهار الاثنين.
ولا يبدو ان لبنان شهد مثل هذا الاستنفار الامني انتخابيا منذ اول انتخابات برلمانية أُجريت بعد نهاية الحرب الاهلية في العام 1990.
كما أن البلاد لم تكن تحت مثل هذه المجموعة من التحديات والمصاعب مثلما هو الحال اليوم، خاصة بعد التظاهرات الشعبية التي تفجرت في خريف العام 2019، ثم الانهيار الشامل لليرة اللبنانية أمام الدولار ثم قرارات البنوك احتجاز أموال المودعين وتقييدها، وانفجار المرفأ في آب/أغسطس 2020 الذي دمر أحياء كاملة في العاصمة بيروت.
ويقول محللون ان هذه الانتخابات تشهد تدخلات خارجية كبيرة خاصة عبر سفارات غربية، حيث تساند بعضها ما يسمى قوى "التغيير" التي انبثق بعضها عن احتجاجات 2019، فيما تلقي السفارة السعودية بثقلها على محورين: الأول مساندة حزب القوات اللبنانية الذي يتزعمه سمير جعجع، والثاني تشجيع المكون السني على المشاركة في الانتخابات.
وفي موقف أثار الكثير من الجدل، دعا دار الافتاء السني قبل أيام المئات من خطباء المساجد السنية في مختلف انحاء البلاد الى حث الناخبين السنة على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، استجابة على ما يبدو لقرار السعودية برفع نسبة المشاركة السنية في الانتخابات، بالرغم ان زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، رئيس الحكومة الاسبق، وهو الممثل الرئيسي للسنة في لبنان منذ نحو 15 سنة، كان اعلن في يناير/كانون الثاني الماضي، تعليق نشاطه السياسي بالكامل، وعدم خوضه الانتخابات.
وقبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، اكدت مصادر سياسية متعددة لوكالة شفق نيوز ان العديد من الكوادر الحزبية التابعة لتيار المستقبل ما زالت تتلقى دعوات من الحريري، بضرورة مقاطعة الانتخابات، ما يؤكد افتراقا سعوديا-حريريا، كانت مظاهرة تجلت ايضا في انفتاح السفير السعودي وليد البخاري الذي عاد مؤخرا الى بيروت، على رئيس الوزراء الاسبق فؤاد السنيورة الذي أصبح له للمرة الاولى مرشحين مدعومين من جانبه، وهو الذي ظل طوال عقود تحت عباءة "بيت الحريري"، من ايام الراحل رفيق الحريري الاب، ثم سعد الحريري الابن.
اذن، هناك تشتت واضح في اتجاهات الناخبين السنة في انحاء لبنان، وهو ما يجري للمرة الاولى منذ اكثر من عقدين من الزمن، اذ ان هناك شخصية سنية اخرى تقود لائحة في بيروت هي فؤاد مخزومي، وشخصيات سنية اخرى في الشمال ومنطقة البقاع ومدينة صيدا، بالاضافة الى شخصيات اخرى تنتمي الى قوى "التغيير"، ما يعني أن أكثر من مليون ناخب سني لا تعرف اتجاهاتهم الدقيقة حتى الان، في وقت يطلق انصار الحريري هاشتاغ على تويتر يحث الناخبين على المقاطعة.
ولهذا، فان مراقبي الانتخابات سيتابعون ظهور النتائج لقراءة تفاصيلها، وبالتحديد لمعرفة حجم الاقبال السني اولا، وثانيا، الى اين ذهبت اصواتهم تحديدا، وهل ينجح القرار السعودي بدفن طموحات الحريري السياسية بالكامل، وهل تظهر قوى سنية اخرى بديلة وقادرة على لم شمل "البيت السني" ان صح التعبير، وهو ما سيبنى عليه في المرحلة السياسية المقبلة بما في ذلك تشكيل الحكومة الجديدة. الظاهرة الاخرى التي تثير حيرة وبلبلة الباحثين حول فهم الانتخابات اللبنانية الحالية، تتعلق بالقوى التي تسمى نفسها "تغييرية" او ترفع لواء التغيير، اذ تقول مصادر مطلعة ان من مفارقات القوى التي تسمّي نفسها انها تغييرية، ان بعضها يعتبر جزءا من قوى السلطة التقليدية القائمة منذ 50 سنة مثل حزب الكتائب، او جزءا من الحرب الاهلية مثل حب القوات اللبنانية، كما ان بعضها من يدور في فلك السلطة القائمة ومقرب منها، وبعضهم من ابرز الوجوه التي تخوض الانتخابات في بيروت.
ويقول البنك الدولي ان الازمة المعيشية التي تسببت بها السلطة السياسية القائمة منذ ما بعد الحرب الاهلية، تعتبر من بين اسوأ ثلاث ازمات اقتصادية في العالم منذ 150 سنة، وهي دفعت نحو 70% من اللبنانيين الى حافة الفقر.
وبرغم ذلك، يتوقع المحللون فوز مجموعة من "شخصيات التغيير" بمقاعد في البرلمان الجديد، وغالبيتهم من الطوائف المسيحية، لكنهم لن يتمكنوا من تحقيق اختراقات كبيرة تغير قواعد اللعبة السياسية التي تتحكم بها الاحزاب والقوى التقليدية، سواء في البرلمان نفسه، او في الحكومة المقبلة، وصولا الى انتخابات رئيس جديد للجمهورية في شهر اكتوبر/ تشرين الاول المقبل.
ويتعهد "التغييريون"، وبعضهم من المقربين من الفرنسيين او الامريكيين، بدرجات متفاوتة، بمحاسبة السياسيين على الفساد وانهيار الليرة وانفجار المرفأ، ويطرحون انفسهم كبديل عن القوى القائمة حاليا، لكن خلفياتهم ومعتقداتهم وافكارهم متباينة لدرجة انهم يتصارعون فيما بينهم ايضا ويتنافسون في العديد من الدوائر، ما سيضعف ادائهم الاجمالي.
وبشكل عام، يترقب المراقبون، مناطق تسمى "ساخنة" تشهد منافسة انتخابية حامية، هي دائرة بيروت الثانية، ودائرة جبل لبنان الرابعة (الشوف– عاليه)، ودائرة جبل لبنان الاولى (جبيل– كسروان)، ودائرى الجنوب الاولى (صيدا-جزين)، والدوائر الثلاثة في محافظة الشمال. القضية الخلافية الاخرى التي اثيرت عشية الانتخابات كما جرت العادة، هي قضية "سلاح المقاومة" التي طرحها "المنشقون" عن الحريري والساعين إلى وراثته، كفؤاد السنيورة الذي يدعو الى التصدي للنفوذ الايراني، بالاضافة الى جماعات من قوى "التغيير" بالاضافة الى حزب القوات اللبنانية الذي للمفارقة أطلق مسلحون يعتقد انهم موالون له النار على تظاهرة مؤيدة لـ"حزب الله" في العام الماضي ما ادى الى اندلاع اشتباكات مع مسلحي الحزب وحركة أمل، ما اوقع عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
ويعتبر لبنان من بين اكثر دول العالم امتلاكا للسلاح الفردي، وهي ظاهرة مستمرة منذ ايام الحرب الاهلية، وليس سرا ان نزع "سلاح المقاومة" هو من بين المطالب الدائمة المطروحة من جانب الولايات المتحدة واسرائيل، فيما يؤكد حزب الله مثلما فعل امينه العام السيد حسن نصرالله قبل ايام عندما قال ان تأييد حزبه في الانتخابات يساهم في الدفاع عن لبنان".
ويدرك الفرقاء اللبنانيون ان قضية نزع "سلاح المقاومة" مرتبطة بالوضع الاقليمي المتشابك، من ايران شرقا مرورا بالعراق وسوريا، وصولا الى القضية الفلسطينية.
لكن الكثير من الانتقادات التي تصدر حاليا مرتبطة بتأجيج الناخبين والشوارع المؤيدة لتحويلها الى اصوات في صناديق الاقتراع. ويتمتع حزب الله وحلفائه السياسيين في البرلمان الحالي بأكثر من 70 مقعدا من اصل 128 مقعدا.
وعلى الرغم من "الفراغ السني" القائم في ظل انسحاب تيار الحريري من الانتخابات، الا ان المراقبين لاحظوا ان الحزب لم يحاول بشكل جدي ملء الفراغ وتعزيز حصته من مقاعد السنة الموالين له، فيما يبدو حرصا على عدم اثارة حفيظة الشارع السني عموما، وعدم تسهيل المحاولات السعودية لاضعاف الحريري، ربما بانتظار نضوج تسوية اقليمية تضم الرياض وطهران وبغداد ودمشق.
ويقول مراقبون لوكالة شفق نيوز ايضا، ان حزب الله حريص على الخروج من الانتخابات الحالية بانتصار "عادي" يحتفظ فيه بحصته الحالية، من دون اثارة صدمة خصومه، سواء الداخليين، او الخارجيين الذين يبدون في مرحلة انتظار لنتائج الانتخابات لتحديد طبيعة المساعدات وخطط الانقاذ المالية التي ستقدم الى لبنان وبرامج الاصلاح في المرحلة المقبلة، اذ يدرك الحزب ان وجودا قويا له داخل هياكل الحكم في المرحلة المقبلة، وهو الحزب "المعاقب" امريكيا، قد يكون بمثابة عائق امام اي خطط دولية واقليمية للمساعدة، بما في ذلك مع صندوق النقد الدولي.
وبكل الاحوال، فان لبنان ما بعد انتخابات الاحد، امام احتمالين، كما يتوقع مراقبون، فاما ان يحدث انفراج سياسي يعيد رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي الى ترؤس الحكومة بما يمهد لانتخاب رئيس جديد خلفا لميشال عون، او ظهور توازنات مربكة وغير حاسمة في البرلمان الجديد، تدخل البلاد في مرحلة طويلة مجددا من الشلل والمراوحة الى ان يتبلور وجه لبنان الجديد.