لا تكن الضحية التالية.. شركة توظيف "هندية" تبعثر أحوال عراقيين
شفق نيوز/ يلاحظ مستخدمون لتطبيقات التواصل الاجتماعي في العراق، منشورات لعروض توظيف، أثارت شكوكاً والكثير من اللغط.
وتبدأ عروض العمل هذه بمنح مبالغ مالية مقابل مهام لا تتطلب مجهوداً أو مهارات معينة، لكنها تشرع بعد ذلك في طلب بيانات شخصية، وصولاً لتقديم خدمات "وهمية" مقابل المال، ليقع الضحية في مصيدة أحوالهم.
أصل الحكاية
ينشئ المحتالون في البدء ملفات تعريف وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، ويستخدمونها للتواصل مع الضحايا واكتساب ثقتهم، وصولاً لتقديم عروض وهمية تبدو جيدة لدرجة يصعب تصديقها، ويهدفون إلى خداع المشتركين عبر مشاريع ووظائف لا وجود لها على أرض الواقع.
ومع فقدان الوظائف على نطاق واسع وزيادة النشاط عبر الإنترنت على مستوى العالم، أصبح الأفراد أكثر عرضة للوقوع ضحية لهذه المخططات، ما يمثل تطورا مثيراً للانتباه في عالم الاستغلال الإجرامي، ويتطلب نهجًا شاملًا يتضمن تدابير وقائية لمكافحة هذا التحدي العالمي المعقد.
ولا يملّ الخبراء من تكرار التحذير من تقديم المعلومات البنكية عبر الإنترنت، أو تقديم أي معلومات شخصية.
وعرف العراق منذ تسعينيات القرن الماضي هذه الشركات وشبيهاتها، وأشهرها شركة "سامكو" التي نشطت إبان الحصار والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق، إذ خلفت هذه الشركة عشرات الضحايا الباحثين عن كسب سهل.
ويقول أحمد عبد الرحيم، (45) عاماً، في حديث لوكالة شفق نيوز إنه "كاد يقع فعلاً بهذا الشرك عندما حاول التواصل مع الجهات المعلنة والتي تشرف عليها شخصية اجنبية تتكلم باللغة العربية حسب الرسائل الواردة من الطرف الآخر على تطبيق واتساب"، مبينا انه "تراجع بعد ذلك بعد ان بدأت هذه الشخصية بإرسال استمارة تطلب منه معلومات شخصية وحساباته البنكية".
ويضيف أن "الطلبات لم تنتهِ عند هذا الحد وإنما حظرت الحساب الذي تواصل معي لكني تفاجأت بعد حين أن حساباً حاول التواصل معي بنفس الصورة التي راسلتني وتطلب مني استكمال التواصل وملء الاستمارة المطلوبة".
ويتابع: "تفاجأت حينما اكتشفت أن الرقم الذي يتواصل معه من الهند ليتسرب الشك الي من حقيقة هذا الأمر وقررت الانسحاب"، لافتا الى بين "الحين والآخر تتصل بي أرقام غريبة على تطبيق واتساب واكتشف انها من الهند أيضاً من دون الرد عليها"، مؤكدا بالقول انه "لو استمر الوضع هكذا فسأغير رقم هاتفي للتخلص من هذا الإزعاج".
وفي الوقت ذاته تقول هبة إبراهيم وهي موظفة حكومية، في حديث لوكالة شفق نيوز "دائماً ماكنت اتابع هذه الرسائل، وحاولتُ الدخول في هذا العالم لولا نصح أسرتي لي بأنها قد تكون مفبركة او كاذبة"، مبينة انها "لاحظت في بعض المرات ان الذين يرسلون هذه الرسائل غير عراقيين، وهم أما أجانب أو عرب الجنسية، حسب الذي يظهر في صور الاعلانات وبالتالي لا يمكن لي معرفة هويتهم الحقيقية".
أبرز مخططات الإيقاع بالضحايا
ويورد مختصون طرقاً عديدة كمحاولات للإيقاع بالضحايا عبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي أبرزها:
المساعدة في العثور على عمل
هناك مخطط شائع آخر يتمثل في إنشاء وكالة توظيف تبدو ظاهرياً وكالة مرموقة حيث تبحث عن الأشخاص الذين يبحثون حقًا عن فرصة عمل ويقدمون وعوداً للعثور على جهة عمل مثالية في فترة زمنية قصيرة – ويطلبون الحصول على مبلغ ثابت للقيام بذلك.
التصيُّد الاحتيالي الشائع
في بعض الأحيان، يتم استخدام عملية التوظيف ببساطة للخداع لتقديم بياناتك الشخصية، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك في مخططات احتيالية أخرى، بعد الانتهاء من المقابلة هنا، تم إعلامك بأنه تم توظيفك وتم إرسال استمارة توظيف عادية. يتم طلب إدراج معلومات شخصية مفصلة، بما في ذلك عنوان منزلك ومعلومات الاتصال وأرقام الضمان الاجتماعي والمعلومات المصرفية لإرسال "راتبك" إليك، بعد إرسال هذه الاستمارة، سيختفي "صاحب العمل" ولن تستطيع الوصول إليه.
مفارقة غريبة
ويبدو ان هذه الحسابات الوهمية لا تفرق بين هوية المستخدمين وتتعامل وفق خوارزميات الاحتيال فقط، إذ كشفت صحيفة "العربي الجديد" وهي صحيفة عربية ومقرها في لندن عن تلقي حساب الصحيفة رسالة مشابهة مرتين، في شهر تشرين الأول عام 2023، إحداهما طلبت ترك تعليقات إيجابية مقابل تلقي أرباح في دوام جزئي، فيما قالت الرسالة الثانية إنها من شركة توظيف تابعة لـ"أمازون"، وفي شراكة مع "تيك توك"، وتوظف موظفين بدوام جزئي.
وقد وصلت الرسالة الأولى من رقم أميركي، بينما الثانية من رقم ماليزي، فيما قال بعض المعلقين إنهم تلقوا رسائل مماثلة من رقم إندونيسي.
ويقول رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في جامعة بغداد الاستاذ الدكتور حيدر القطبي، في حديث لوكالة شفق نيوز إن "هناك عروض عمل أو وظائف أو جوائز وعروض سفر تصل الى هواتف المواطنين مثل الحصول على رصيد أو سيارات أو هناك من يحاول تقليد الايميل الرسمي لشركات معروفة عبر التلاعب بالحروف وتزييف نظر المستخدم"، مبيناً أن "العروض يجب ان تكون مباشرة وليس عبر هذه الطريقة غير الحقيقية".
ويحذر الاستاذ الاكاديمي من أن "هذه الاعلانات الاحتيالية تندرج ضمن الجرائم الالكترونية لانها تدخل ضمن التسويق الالكتروني، ومن المهم دراسة هذه الحالات اكاديميا لانها تقدم نوعا من عدم مصداقية التسويق الالكتروني ولهذا يجب دراستها ضمن الدراسات العليا لدى طلبة الماجستير والدكتوراه".
2400 صفحة وظائف مزيفة في فيسبوك
وكانت شركة (جروب-آي بي) Group-IB، المتخصصة في مجال الأمن السيبراني ومقرها سنغافورة، نشرت تقريراً في عام 2023، يشرح حملة احتيالية جديدة مستمرة تستهدف المتحدثين باللغة العربية الذين يبحثون عن وظائف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكشف خبراء حماية المخاطر الرقمية في مركز أبحاث واستخبارات التهديدات التابع للشركة في دبي، الإمارات العربية المتحدة، انهم حللوا أكثر من 2,400 صفحة عمل مزيفة انتحلت صفة شركات من 13 دولة ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أُنشئت على شبكات التواصل الاجتماعي من كانون الثاني 2022 حتى كانون الثاني 2023، وفي هذه الصفحات، انتحل المحتالون هوية أكثر من 40 شركة كبرى في المنطقة ونشروا وظائف شاغرة باللغة العربية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يُضمّن المحتالون روابط لمواقع احتيالية عبر منشورات تُنشر على الصفحات المزيفة في وسائل التواصل الاجتماعي، كما كشف محللو (جروب-آي بي) أن المحتالين غالبًا ما ينتحلون صفة شركات من مصر والسعودية والجزائر طيلة فترة حملة الاحتيال هذه.
وكانت حصة مصر 48% من الصفحات المزيفة التي أُنشئت على فيسبوك، و23% في السعودية، وتلتها الجزائر بنسبة 16%، ثم تونس بنسبة 7%، ثم المغرب بنسبة 4%.
وفيما يتعلق بالإطار الزمني، لوحظت حملة الاحتيال هذه أول مرة في شهر يناير 2022، وبلغت ذروة نشاطها في شهر أغسطس الماضي، حينما أُنشئت 609 صفحات احتيال جديدة. ولا تزال صفحات الاحتيال الجديدة تُنشأ يوميًا، وفي شهر يناير 2023، اكتُشفت 108 صفحات على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك تنشر وظائف شاغرة مزيفة لشركات موجودة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو أعلى من عدد الصفحات التي أُنشئت في شهري نوفمبر وديسمبر 2022.
وإذا أدخل المستخدم بريده الإلكتروني أو رقم هاتفه وكلمة المرور الخاصة به، فإنه يصبح لدى المحتالين كل ما يحتاجون إليه للوصول إلى حساب الضحية على منصة التواصل الاجتماعي. وفي حالات نادرة، تُستخدم صفحات الويب الاحتيالية لإعادة توجيه المستخدمين إلى صفحات احتيال أخرى.
طرق اكتشاف العمل الوهمي
ومع تزايد عروض العمل الوهمية في الوقت الحالي، يقدم خبراء في (بيت.كوم)، وهو أكبر موقع للوظائف في الشرق الأوسط، مع أكثر من 40,000 صاحب عمل وأكثر من 26,500,000 باحث عن عمل مسجل في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وكافة انحاء العالم، من كافة قطاعات العمل والجنسيات والمستويات المهنية، إذ يقدم الموقع بعض الأمور التي قد تساعد على اكتشاف عرض العمل الوهمي وهي:
1. هل يبدو عرض العمل حقيقي؟
هل قمت بتلقي بريد إلكتروني من صاحب عمل قدم لك عرض عمل لوظيفة لم تكن قد تقدمت اليها؟ أو تلقيت اتصالاً من شخص قدم لك راتباً مغرياً مقابل العمل بدوام جزئي من المنزل؟ فالشركات المعروفة تقوم بإجراء عدة مقابلات مع المرشح قبل أن تقوم بتوظيفه، ولا يتم اتخاذ قرار التوظيف النهائي بشكل فوري حتى وان كانت سيرتك الذاتية ملفتة للنظر.
2. هل الشركة موثوقة؟
تأكد من أن الشركة تملك موقعاً إلكترونياً وبيانات اتصال، فالعديد من المحتالين يدّعون بأنهم شركات موثوقة. كما يمكنك أيضاً إجراء بحث عن الشركة على جوجل، فمن المحتمل بأن تجد شكاوي من الباحثين عن عمل عن هذه الشركة.
3. هل عنوان البريد شخصي؟
احرص على إجراء بحث حول الشركة قبل المواصلة في عرض العمل. فأحياناً قد يبدو بأن بريد الاحتيال قادم من شركة حقيقية. احرص دوماً على الاطلاع على عنوان البريد الإلكتروني، وتحقق منه من خلال زيارة موقع الشركة.
4. هل طلبوا منك بيانات سرية أو شخصية؟
هل تلقيت بريد يخبرك بأنه قد تم اختيارك من ضمن مجموعة من المرشحين وأن الشركة ستقوم بتوظيفك فوراً إن قمت بارسال اسمك الكامل وبيانات حسابك المصرفي كي يتمكنوا من ارسال وديعة؟ أو هل أرسلوا لك رابط طلبوا من خلاله الوصول الى بيانات حسابك المصرفي على الانترنت؟ تجاهل هذه الرسائل فوراً، فالشركات الحقيقية لن توافق على توظيفك دون مقابلتك أولاً.
5. هل البريد مكتوب بشكل مهني؟
هل البريد مكتوب بطريقة مهنية أو انه يحتوي على العديد من الأخطاء النحوية والإملائية؟ هل قام الشخص الذي أرسل لك البريد بذكر توقيع الشركة في نهاية البريد؟ هل الوصف الوظيفي واضح ومهني ويشمل الخبرات والمهارات المطلوبة؟ .
كما أن مختصون ينصحون أيضاً بطرق أخرى لاكتشاف المحتالين في العمل ومنها السؤال عن كيفية كيف تعرّف صاحب العمل عليك، وضرورة عدم الافصاح عن معلومات شخصية مسبقا، واستشارة شخصا تثق به.
الإجراءات الحكومية
ووفقاً للمادة 456 من قانون العقوبات العراقي، فإنه "يعاقب بالحبس كل من توصل إلى تسلم أو نقل أو حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو إلى شخص آخر، من خلال استخدام طرق احتيالية، أو اتخاذ اسم كاذب، أو صفة غير صحيحة، أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة".
وتعمل وزارة الداخلية العراقية، وتحديداً قسم مكافحة الجرائم الالكترونية العراقية على مكافحة الجرائم الالكترونية ومساعدة وتوعية المواطنين من حالات الابتزاز والنصب والاحتيال على مواقع التواصل الاجتماعي، ّإذ تنشر طرقاً وأساليب للتعامل مع هذه الصفحات الوهمية وأبرزها شعارها "معاَ نحو بيئة الكترونية آمنة"
سرقات من نوع آخر
وتشهد تطبيقات التواصل الاجتماعي في العراق، سرقات او طرق احتيال أخرى ومنها قيام بعض المحتالين باستغلال الاسم والشعار التجاري لشركات الهاتف المحمول وتوظيفها بشكل مضلل عن طريق إعادة ترويجها على المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي بأساليب احتيالية تدعو إلى فرص استثمارية تقدم عائد مادي،
ويقوم المحتالون بإرسال رسائل بريد إلكتروني أو رسائل نصية تبدو وكأنها من مصدر موثوق به، مثل البنك أو شركة الاتصالات، تهدف هذه الرسائل إلى خداع الضحايا للكشف عن معلوماتهم الشخصية أو المالية، ويُطلب فيها الاشتراك مقابل الحصول على رصيد من الشركة، فيما تؤكد شركات الهاتف المحمول إنها "فرص احتيالية وهمية يقدمها بعض المحتالين، للاستيلاء على أموال الغير ومدخراتهم، وتدعو لأخذ الحيطة والحذر من هذه الإعلانات الإلكترونية الاحتيالية وعدم الانسياق والتفاعل معها".