كشف تفاصيل ادارة تنظيم داعش لمدنه ولماذا لم يعاديه الاهالي
شفق نيوز/ يقول مراسل صحيفة "الغارديان" غيث عبد الأحد إن أهالي مدينة الموصل، حين احتل تنظيم الدولة مدينتهم، فإنهم لم يواجهوه بعداوة، بل على العكس، فهم قابلوه بشيء من الحفاوة.
ويشير تقرير للصحيفة البريطانية، الى أن مسلحي التنظيم كانوا صورة مغايرة لجنود الجيش العراقي مهذبون ولا يبطشون بالناس، بل يقومون بحماية المباني العامة.
ويقول عبد الأحد إنه بعد سيطرة الجهاديين على المدينة اختفت الانفجارات والاشتباكات، ولم يعد هناك عنف أو قنابل بدائية، وسيطر الجهاديون على الشوارع، وفتحت المدارس التي كانت تدرس فيها المقررات الحكومية، وصار الناس يدخلون ويخرجون من المدينة بحرية.
وتجد الصحيفة أن "انتصارات تنظيم الدولة تعد تافهة بالمقارنة مع معركة الموصل، التي تعد أكبر هزيمة في تاريخ العراق، وسقوط ثاني كبرى مدنه، وتشتيت 50 ألفا من جنوده وعناصر الشرطة، والسيطرة على مئات الأطنان من الأسلحة والمعدات والعربات المصفحة".
ويستدرك التقرير بأن "الناس في الموصل أخذوا يتساءلون عن هوية حكام المدينة الجدد: هل كانوا من أبناء العشائر؟ أم عسكريون من جيش صدام؟ أم جهاديون من تنظيمات مثل (القاعدة)؟ خاصة أن هؤلاء كلهم مروا على المدينة، وأصبحوا جزءا من حياتها منذ الاحتلال الأمريكي، وكانوا يشكلون شبه حكومة ظل، ويتقاضون ضرائب من الشركات، ويعاقبون من يرفض الدفع بالخطف والقتل".
ويلفت الكاتب إلى أن عالم صواريخ كان يدون اليوميات حول المدينة في ظل التنظيم، مستدركا بأنه رغم أنه كان يتحدث عن المشكلات اليومية وسعر البندورة، وما يواجهه من صخب في البيت، إلا أنه كتب أكثر من هذا، حيث يقول في يومياته إن أحد زملائه جاءه إلى وزارة الطاقة، حيث يعمل وبعد يومين من سقوط المدينة، مرتديا زيا أفغانيا، وقدم نفسه على أنه ممثل تنظيم الدولة.
ويقول إنه "بعد أسبوع أصدر تنظيم الدولة وثيقة، وقدم فيها رؤيته، التي ذكر فيها الشعب بأنه جرب الحكم العلماني والملكي، وأخيرا (الحكومة الصفوية)، وكلها كانت فاشلة، (ونحن الآن في عهد الدولة الإسلامية، وحكم إمامنا أبي بكر، وسترون بإذن الله الفرق بين الحكومة العلمانية التي تضطهد وتصادر إرادة وطاقات شعبها، وتحرمهم من الكرامة، وحكمنا الذي يسير على النص المقدس)".
وتفيد الصحيفة بأن الوثيقة منعت التدخين، وطلبت من النساء البقاء في البيوت، إلا أن الناس واصلوا التدخين في الشوارع، وازدهرت مقاهي الأرجيلة، وظلت النساء تخرج دون حجاب، وعادت العائلات التي هربت من الموصل، حيث كانت "وثيقة المدينة" هي الخطوة الأولى في الدولة الإسلامية، ولم تظهر في يوم واحد، ووصلت بشكل تدريجي من خلال سلسلة تحركات وبيانات أثرت على قطاع معين من الناس.
وينوه التقرير إلى أنه بعد ذلك تم استخدام القسوة لمنع أي مقاومة، حيث تم الاعتماد في هذا كله على شبكة من المخابرات؛ لدفع السكان إلى شجب أنفسهم، مستدركا بأن الأنظمة الاستبدادية لا تستطيع النجاة بناء على الأيديولوجية والرعب، فهي بحاجة إلى بيروقراطية فاعلة وقوية.
ويشير عبد الأحد إلى الكيفية التي بنى فيها التنظيم البيروقراطية، حيث قام بعملية إحصاء شامل في الموصل، وتم تسجيل أسماء الجنود والشرطة والممرضين والأطباء والمهندسين والأساتذة مع عائلاتهم، وتم تصنيف كل محل وعقار متجر بناء على هوية صاحبه الدينية.
ويورد التقرير نقلا عن موظف في وزارة الزراعة، قوله: "جاءوا إلينا وفتحوا دفتر الأراضي"، وأضاف: "كانوا يريدون معرفة الأراضي التي يملكها المسيحيون والسنة أو الشيعة، وقلنا لهم إن هذه الوثائق تعود إلى العهد العثماني، ولدينا فقط أسماء الملاك، ولا يمكننا معرفة دين المالك علاوة على طائفته".
ويبين الكاتب أنه تبعت ذلك عملية تطهير تم فيها التخلص من المقاتلين السابقين والبعثيين وضباط الجيش، الذين اختفوا، ولم يعرف لهم أثر، مشيرا إلى أنه بعد أسبوع تم وضع حرف "ن" أي نصراني على محلات وبيوت المسيحيين، وبعدها صدر بيان يطالبهم باعتناق الإسلام أو دفع الجزية.
وتذكر الصحيفة أنه جاء بعد ذلك بيان يطالب النساء بارتداء النقاب، ثم جاءت الخطوة المقبلة، وهي بناء حواحز حول المدينة، بشكل جعلها سجنا كبيرا تنتشر فيه شعارات "باقية وتتمدد"، لافتة إلى أنه بعد تأكيد تنظيم الدولة سلطته، فإنه قام بعملية تغيير النظام القائم، وإلغاء مؤسسات الحكم، وإنشاء الدواوين والوزارات: الصحة والتعليم والأمن والقضاء، وتولى كل ديوان "أمير"، كان بعضهم من الأجانب، وكانت الإدارة الجديدة خليطا بين الإدارة الحديثة، واستخدام الرموز والأسماء والزي القديم الذي يعود للقرن السابع الميلادي.
وينقل التقرير عن عزام، وهو مهندس كهرباء في قسم الطاقة، قوله: "كانت الدولة الإسلامية دولة إرهاب لكنها حديثة.. لبسوا أزياء وتحدثوا كما أنهم عاشوا في الزمن الإسلامي الأول، ومن الناحية الإدارية كانوا ممتازين وأداروا الدولة بمهارة"، مشيرا إلى حل أزمة جمع الفواتير الكهربائية، حيث أدار الديوان فرنسي مغربي، فيما قام التنظيم بتركيب عدادات ذكية و"لم يجرؤ أحد على التمنع عن دفع الفاتورة في كل شهر"، واستخدمت الطريقة ذاتها في جمع النفايات.
ويكشف عبد الأحد عن أنه تم تعيين جامع لكل شارع يدفع له السكان، وأصدرت الدولة بطاقات يجب دفعها، فيما قام المفتشون بزيارة الشوارع، لافتا إلى أنهم كانوا عباقرة في طرق جمع الأموال، وتم وضع البيوت والمحلات المصادرة والأموال المنهوبة تحت إدارة بيت المال.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن النفط المستخرج من سوريا بيع لأي شخص مستعد لتكريره، مستدركة بأنه رغم هذا كله فإن هناك جانبا آخر للتنظيم، وهو أسواق النخاسة والجلد.