كرة صدرية ملتهبة تشعل موسم رمضان
شفق نيوز/ لن يكون شهر رمضان عادياً بالنسبة الى العراقيين هذه السنة، ذلك أن القنبلة السياسية المباغتة التي ألقاها زعيم التيار الصدري والتي ستظل شظاياها تتناثر الى ما بعد نهاية شهر الصيام للمسلمين، تضيف حلقات مثيرة على المشهد السياسي الغارق منذ شهور في تجاذبات وصراعات تبعث على اليأس في نفوس العراقيين.
ليس من الواضح حتى الآن ما اذا كان الصدر من خلال تغريدة الخميس قد أعلن "إعتكافا سياسيا" حقيقيا بقراره الانسحاب مع كتلته الصدرية من مفاوضات انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة التي طال انتظارها منذ أغلقت صناديق الاقتراع في العاشر من تشرين الاول/اكتوبر الماضي حتى الآن.
وبالامكان التصور ان الصدر الذي يضمر بالتأكيد نوايا لمناورة قل نظيرها في الحالة السياسية العراقية خلال العقدين الماضيين، وربما ايضا ملايين العراقيين التواقين الى لحظة التوافق المتعثرة حتى الان، سيمضون "المهلة الرمضانية" التي تمتد اربعين يوما، ما بين اليوم الأول من شهر رمضان الى التاسع من شهر شوال (شهر أيار/مايو وفق التقويم الميلادي)، وهم كمن يتابعون مسلسلا رمضانيا استثنائيا في أحداثه وأبطاله ومفاجآته، وغير معروفة مآلات نهايته.
يذهب رأي إلى أن مناورة مقتدى الصدر، قد تفتح كوة في جدار الاحتقان السياسي القائم والذي تسبب حتى الان في إخفاق مجلس النواب للمرة الثالثة في عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية برغم توحد جهود كتلة "انقاذ الوطن" التي تجمع الصدريين مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتحالف السيادة.
وبهذا المعنى، فإن المهلة الصدرية ان صح التعبير، تلقي كرة النار الملتهبة بين أيدي خصومه السياسيين في "الإطار التنسيقي" الذي بات يسميهم الصدر "الثلث المعطل" ويضعهم، ومن قد يتحالف معهم، أمام تحدي تشكيل الحكومة بأنفسهم، والخروج من عنق الزجاجة.
وفي هذا الاطار، يقول رئيس المجلس الاستشاري العراقي فرهاد علاء الدين في تغريدة، ان الصدر "يتحدى المنافسين ويريد امتحان الشركاء"، مشيرا الى ان امام "الاطار التنسيقي" شهر من التفاوض لاقناع الشركاء وتشكيل الحكومة والا سيعود الصدر بقوة وسيشكل الحكومة.
وقال علاء الدين ان "رمضان اصبح حافلا بالافطار السياسي والحوار على شاشات التلفاز والسيد مقتدى سيقضي رمضانا هادئا خلال اعتكافه السياسي".
ومن جهته، كشف عضو التيار الصدري صفاء الاسدي لوكالة شفق نيوز تفاصيل مهلة الاربعين يوم التي حددها الصدر، قائلا انه "في حال فشل الإطار التنسيقي في تشكيل حكومة توافقية، فان التيار الصدري سيمضي بمشروعه تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية".
وذكر الاسدي بان الصدر عندما "التقى بقيادات الإطار التنسيقي بمنزل زعيم تحالف الفتح هادي العامري طرح لهم مشروعه حول تشكيل حكومة الاغلبية الوطنية دونما استهداف او اقصاء، وان الهدف هو تصحيح مسار العملية السياسية وأن من يأتي لهذه الحكومة يكون وفق شروط وضوابط، ومن يرفض يذهب للمعارضة، كما طرح الصدر امكانية ذهابه للمعارضة في حال رفضوا تشكيل حكومة اغلبية، وعندها رفضت جميع قوى الإطار هذا الشيء".
واوضح الاسدي ان "التحالف الثلاثي (الصدر، السيادة، الديمقراطي) مازال تحالفا رصينا وثابتا ومع ذلك فان الصدر منح الشركاء الضوء الأخضر ورفع القيود وهم أحرار فيما يتبنون للذهاب لتشكيل الحكومة مع الاطار وفق برنامجه، وفي حال نجح في تحقيق أغلبية ستكون الكتلة الصدرية اول الحاضرين لجلسة البرلمان لإكمال نصاب تسمية رئيس الجمهورية ولن نكون ثلثا معطلا".
واضاف "أما في حال فشل الإطار وحلفائه، ستمضي الكتلة الصدرية في تشكيل الحكومة كونها كانت قاب قوسين من ذلك، بالإضافة إلى أنها الكتلة الأكثر نيابيا والأكبر في تحالفاتها".
وتابع "بعد تغريدة الصدر هناك أسئلة تطرح نفسها على القوى التي كانت تكيل الاتهامات والتخوين للتيار وشركائه، ترى كيف ستتفاوضون معهم وهم بالأمس كانوا يصنفون ضمن خانة التخوين والتبعية لأجندات خارجية؟".
وفي تطور لافت، فانه بعد مرور ساعات على تغريدة الصدر، أعلن تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكوردستاني الجمعة، تمسـكهما بتحالف "إنقاذ الوطن"، واستمرار الشراكة مع الكتلة الصدرية، حيث اكدا في بيان مشترك ان تمسكهما بالشراكة مع الصدريين سببه "عدم إمكانية أن تولـد حـكـومـة قويـة دون شراكتهم".
في هذا السياق، اكد النائب السابق عن الحزب الديمقراطي عبد السلام البرواري لوكالة شفق نيوز ان الصدر "يتحدى الاطار التنسيقي وبثقة عالية بأنه تمكن من جمع اكبر تجمع وطني، وبالتالي لسان حاله تفضلوا اذا كان بامكانكم فشكلوا الحكومة بدلا من تعطيل العمل السياسي".
وباعتقاد البرواري فان "التغريدة كشفت عن بقاء التحالف الثلاثي كون التيار الصدري قدم رؤية جعلت الديمقراطي والسيادة يدخلون معه في تحالف ثلاثي لقناعتهم ببرنامجه الحكومي".
وبطبيعة الحال، فان قيادات "الثلث المعطل" ستنكب فورا على العمل من اجل اغتنام الفرصة التي اتاحتها "المهلة الصدرية" بغض النظر عن ريبتهم او شكوكهم في نوايا الصدر من وراء هذه المناورة السياسية، حيث اعلن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي احد اقطاب "الإطار التنسيقي" الرئيسية، سريعا ان الاخير سيبدأ اتصالاته مع القوى السياسية الأخرى لبحث إمكانية البدء في حوار تفاوضي يمهد لتشكيل الحكومة القادمة.
وقال النائب عن دولة القانون ثائر مخيف لوكالة شفق نيوز ان "زعيم التيار الصدري حدد مدة 40 يوماً لتشكيل الحكومة من قبل الاطار التنسيقي وبالتوافق مع بقية الأطراف، وبالتالي فإن الإطار سيبدأ اتصالاته مع القوى السياسية الأخرى لمعرفة موقفهم أو توجهاتهم سواء كانت بالدخول بالمفاوضات مع الاطار وتشكيل الحكومة أو الذهاب كثلث معطل وحتى الآن لم نعرف توجهاتهم وقد يكشف ذلك قريبا".
واعتبر ثائر مخيف ان "هناك احتمالا كبيرا ان هذه العملية ستغير الخريطة السياسية بشكل واسع واعتقد ان الكورد قد يتفقون على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية".
واستدرك النائب عن دولة القانون بالقول انه "سبق ان أوضحنا كإطار أنه لا إقصاء لأحد في الحكومة القادمة، وبالتالي نسعى لعدم إقصاء أحد، ونأمل أن يكون للصدر مشاركة في الحكومة وسنسعى للتواصل معه إزاء ذلك".
اذن، فأمام العراقيين شهر رمضان حافل بالاثارة والألاعيب السياسية والمناورات والتي من بين احتمالاتها ان تجد قوى "الاطار التنسيقي" نفسها مصطدمة بجدار العجز على المضي قدما في جهود تشكيل الحكومة، وستطن في اذانهم عبارة الصدر التي قال فيها وهو يلقي كرة النار، ان تحالفاته أزعجت كثيرين "فعرقلوا وما زالوا يعرقلون، ولكي لا يبقى العراق بلا حكومة فتتردى الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية وغيرها، ها أنا ذا أعطي (للثلث المعطل) فرصة للتفاوض مع جميع الكتل بلا استثناء لتشكيل حكومة أغلبية وطنية".
ومعلوم ان انتخاب رئيس الجهورية يتطلب اكتمال نصاب قانوني يشكل فيه حضور النواب ثلثيّ عددهم أي أكثر من 220 نائباً من أصل 329، وهو ما لم يتحقق في الجلسات الثلاث حتى الان، وذلك بسبب مقاطعة "الإطار التنسيقي" الذي يمثل أحزابا شيعية بارزة، مثل كتلة دولة القانون، وتحالف الفتح، المظلة التي تنضوي تحتها فصائل الحشد الشعبي الموالية لايران.
وكان من الواضح ان اجواء التوتر السائدة لا تعكس الامال التي تعقد عادة على حلول الشهر الفضيل عند المسلمين من أجواء التآخي والتصالح والزهد. فبعد افشال جلسة الاربعاء لمجلس النواب، كان الصدر غاضبا بقوله متوجها الى "الاطار التنسيقي"، "لن أتوافق معكم، فالتوافق يعني نهاية البلد، لا للتوافق بكل أشكاله"، بعدما كان العامري قال للصحفيين "نعتقد ان طريق كسر الإرادات واستبعاد الأطراف الأخرى، لن يؤدي لاستقرار العراق".
والان، فانه يمكن القول انه مهما بدت "المهلة الصدرية" كفرصة، فان العراقيين موعودون بشهر رمضاني ساخن وربما ليس أمامهم في الوقت الراهن، سوى المزيد من الترقب والانتظار.. والكثير من الدعاء.