قمة بغداد.. كلمات ليست كالكلمات
شفق نيوز/ تعكس كلمات القادة والمسؤولين الذين شاركوا في "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة" ليس فقط الاهمية التي يمثلها العراق بالنسبة الى دولهم في الوقت الراهن، وإنما أيضا الاحتمالات التي يثيرها من اجل المستقبل، على الصعد السياسية والامنية والاقتصادية.
وكانت هذه الجوانب واضحة في الكلمات التي ألقاها الزعماء والمسؤولون المشاركون، من خلال أمير قطر والملك الأردني والرئيس المصري والرئيس الفرنسي، او من خلال المسؤولين الذين مثلوا بلادهم كحاكم دبي الشيخ راشد بن محمد وهو نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء، او وزراء خارجية تركيا وايران والسعودية.
واذا كان رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي سعى إلى طمأنة الحضور والدول التي يمثلونها بان العراق يسعى إلى استعادة الحياة الطبيعية في كل مدن العراق، واشارته الى ان الرقابة الدولية على الانتخابات تخدم هذا التوجه، وبأنه لا عودة للحروب والعلاقات المتوترة مع الجيران، فإن كلمته المفتاحية في خطابه كانت تمثلت بقوله ان "ما يجمع شعوب هذه المنطقة أكبر مما يفرقها".
وبكل الاحوال، بدا ان الهدف المركزي لهذه القمة المصغرة ان صح التعبير، هو جمع الشمل وتبديد الفرقة الاقليمية ومحاولة توحيد الرؤى.
السعودية
اما مشاركة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان فقد لخص المواقف السعودية بالتأكيد على تلك الاهمية التي توليها المملكة للعراق راهنا ومستقبلا، اذ قال ان السعودية ماضية في التنسيق مع العراق ودول المنطقة لمكافحة خطط التطرف والإرهاب، وهي تؤكد على دعم بغداد والعمل من اجل كل ما يحفظ أمنه واستقراره.
ولم يفت الوزير السعودي الاشارة الى التكهنات والامال المعلقة على تقارب سعودي-ايراني خلال المرحلة الحالية، وربما لهذا اطلق رسالة مفادها بان الديبلوماسية السعودية "تقوم على دعم السلم والحد من النزاعات والحوار". لكنه في الوقت نفسه، لم يفوت الفرصة لتوجيه ضربة تحت الحزام للدور الايراني في العراق عندما قال ان السعودية تدعم "جهود الحكومة العراقية في السيطرة على السلاح المنفلت في أيدي الميليشيات المسلحة".
كما يمكن التوقف عند جملة قالها الوزير السعودي عندما اشار الى الحرص على ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، قبل ان يضيف ان هذا "يتطلب استقرار العراق وربطه بعمقه العربي وجواره الإسلامي".
ايران
ومثلما كانت هناك آمال بحضور ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، بعدما وجه الكاظمي الدعوة للملك السعودي سلمان، وهو ما لم يحصل، فإن الرهانات الاخرى كانت مرتبطة ايضا باحتمال مشاركة الرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي لتكون زيارة كهذه اول اطلالة خارجية له منذ تسلمه منصبه. لكن ذلك لم يحصل ايضا، وتم تكليف وزير الخارجية الجديد حسين عبد اللهيان، الذي يوصف بانه من المخضرمين في الملفات الاقليمية لتمثل طهران في قمة بغداد.
ومن اجل التأكيد أمام المشاركين على اهمية الدور الايراني في العراق والمنطقة وثقله، لفت عبداللهيان الى ان حجم التبادل التجاري مع العراق خلال السنوات الماضية، تجاوز 13 مليار دولار وان هناك ثمانية منافذ حدودية بين البلدين. وبرأي عبد اللهيان مثلما أكد امام الحاضرين، فان "الترابط الاقتصادي متجذر بين البلدين".
والى جانب من سبق، يمكن ان يكون هذا التصريح مفيدا بالنسبة الى بغداد، لانه بمثابة تحفيز للدول العربية المشاركة في القمة، للارتقاء بعلاقاتها الاقتصادية مع العراق الذي يكاد يجمع المحللون والمراقبون، على انه "منسي" من جانب الحكومات العربية منذ ما بعد الغزو الامريكي العام 2003، وذلك لاسباب متنوعة، بينها القلق من حكومات ما بعد حقبة صدام حسين، وبينها ايضا الفزع، ان صح التعبير، من النفوذ الايراني في العراق. وكأن الموقف الايراني يقول للعرب المشاركين في القمة: ها نحن هنا، فأين أنتم؟
وبخلاف الانتقادات التي توجه لايران بانها تساهم في اضعاف العراق، ربما لهذا قال عبد اللهيان ان "ايران تدعم امن واستقرار ووحدة أراضي العراق وعزته وقوته ورفع مكانته الاقليمية والدولية".
وما لم يقال خلال القمة نفسها، قيل قبلها، وتحديدا قبل التئامها، عندما قال عبداللهيان ان "طهران ترحب بأي مبادرة إقليمية لمسؤولي جمهورية العراق، تشارك فيها دول المنطقة"، موجها ما يشبه العتاب ايضا عندما قال أنه "كان ينبغي دعوة سوريا، كجار مهم للعراق، لحضور القمة".
الكويت
وأدلى رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح بعبارة اكثر من لافتة وتعكس فهم الكويت لحساسية الوضع العراقي دائما، والكويت هي الدول التي عانت ما عانته عندما ضربتها سياسات التهور في الحقبة الصدامية. فقد قال رئيس الحكومة الكويتي إن "منطقتنا لن تنعم بالاستقرار ما لم يتحقق الاستقرار في العراق".
ولانها تفهم حساسية وخطورة الارهاب على العراق وعليها، قالت الكويت ايضا انها "تقف إلى جانب العراق ودعم إعادة إعمار المدن المتضررة من جراء الإرهاب"، وهي ملتزمة "بدعم العراق وإعادة إعماره حتى يستعيد دوره الاقليمي".
قطر
وكان حضور قطر عبر الامير تميم بن حمد محط اهتمام كبير ايضا، اولا لانها الزيارة الاولى للشيخ تميم الى بغداد، وثانيا لان العلاقات انفرجت لتوها بين الدوحة وبين كل من الرياض وأبوظبي والقاهرة. كما ان بامكان قطر ان تلعب دورا كبيرا في مساندة العراق على صعيد اعادة الاعمار.
ولهذا، قال تميم ان المنطقة "تمر بتحديات وأزمات تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين، والعراق مؤهل للقيام بدور فاعل لبناء السلم في المنطقة ومن هذا المنطلق نعلن دعمنا له".
وعلى غرار التحذير الكويتي، قال تميم ان "أمن واستقرار العراق من أمن واستقرار بقية دول المنطقة، وان قطر لن تخلو جهدا في دعم ومساندة العراق لتحقيق النهضة الشاملة".
فرنسا
أضفى حضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ثقلا على قمة بغداد، وهو كما كشف المسؤولون العراقيون، ساهم في الاتصالات والتحضير لترتيب القمة وانجاحها. لكن خطاب ماكرون ايضا كانت له اهميته حيث قال ان المنطقة كلها تواجه نفس التحديات، اما العراق فيجب ان يتمكن من لعب دورا كاملا للحفاظ على السلام، مذكرا بان العراق "عانى كثيرا بسبب الحروب والصراعات ونحن ماضون بالوقوف معه في مجال مكافحة الإرهاب".
ولانه يدرك ايضا حساسية الانتخابات المقبلة في العراق وامكانية ان تساهم في ترسيخ الاستقرار العراقي، قال ماكرون ان بعثات من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ستراقب الانتخابات العراقية.
مصر
توجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشكل شخصي ومباشر للعراقيين عموما عندما قال ان "الشعب الذي يملك هذا التاريخ المشرف وهذه الحضارة العريقة يملك بلا شك المستقبل الواعد بفضل أبنائه وسواعدهم".
وقال السيسي "أوجه كلامي إلى الشعب العراقي: أنتم أمة عريقة ذات مكانة وحضارة وتاريخ ولديكم تنوع وتعدد أعتبره ثراء كبيرا.. ندائي إليكم اليوم، حافظوا على بلادكم ابنوا وعمروا وتعاونوا وشاركوا.. ابنوا مستقبلكم ومستقبل أبنائكم، عمروا مدنكم ومزارعكم ومصانعكم، تعاونوا فيما بينكم من أجل المستقبل، شاركوا في اختيار من يقودكم إلى الأمام... الانتخابات مسؤولية شعبية عظيمة في بناء مستقبل الدول".
وقال السيسي: "أيها الشعب العظيم، يستحق العراق بكم المكانة الرفيعة والرقي والتطور والاستقرار والأمان والسلام، أدعو الله لنا ولكم بالتوفيق".
لكن الجانب الشخصي لم يكن البند الوحيد في خطاب السيسي الذي يراهن ايضا على ترسيخ العودة المصرية الى العراقية والتي بدأت في الاعوام القليلة الماضية، واتخذت شكلا منظما من خلال القمة الثلاثية التي تجمعه مع الكاظمي وملك الاردن.
فقد قال الرئيس المصري ايضا ان مصر ترفض "كل الاعتداءات والتدخلات في الشؤون العراقية والتجاوز على أراضيه".
الاردن
قال الملك الاردني عبدالله الثاني انه سعيد لوجوده للمرة الثانية في بغداد في غضون اقل من شهرين، مؤكدا ان "اجتماعنا اليوم دليل على دور العراق المركزي في بناء الجسور والتقارب".
واذ اشار الى ان "دعم العراق اولوية لنا جميعا"، قال الملك الاردني ان العراق يعمل بجد من أجل ترسيخ دولة الدستور والقانون منذ أعوام.
تركيا
جاء وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، ممثلا تركيا عوضا عن الرئيس رجب طيب اردوغان. لكن الرسائل التي حملها كانت ذات دلالات كبيرة.
وقال الوزير التركي "نحن مستعدون للمساهمة في إنشاء طريق سريع وسكّة حديد من فيش خابور إلى بغداد، وإعادة تأهيل الطرق السريعة والسكك الحديدية بين بغداد والبصرة، وإنشاء منطقة صناعية في الموصل، وتطوير ميناء الفاو وتطوير المشاريع في مجال الريّ وإدارة المياه".
وبعدما اشار الى أنه "لا يمكن أن يكون هناك تنمية اقتصادية بدون أمن"، قال الوزير التركي أنه "لا مكان للإرهاب في مستقبل المنطقة والعراق"، وانه "بصفتنا دولة تحارب في نفس الوقت منظمات إرهابية مثل داعش وبي كي كي ويو بي جي وغولن، فإننا ندرك جيداً الوجه المظلم للإرهاب".
واذ حذر من ان هذه التنظيمات "تهدد الأمن الإقليمي أيضاً"ن قال جاوش اوغلو "أننا لن نقبل أبداً وجود تنظيم بي كي كي في العراق، ونتوقع من جميع الدول الصديقة والمجاورة دعم حربنا ضد هذه المنظمة الإرهابية".
وفي تناغم مع رسالة القمة الاساسية التي يريدها العراق، قال جاوش اوغلو "حان الوقت لتنحية خلافاتنا جانباً والتركيز على نقاطنا المشتركة، بصفتنا شعوب هذه المنطقة، فإننا نعرف مشاكلنا بشكل أفضل ونحلها بأنفسنا"، مشيراً إلى أن "التدخلات الخارجية لن تجلب الحل للمشاكل الإقليمية". واعرب عن امل تركيا في ان يبعث مؤتمر بغداد حياة جديدة في الحوار الإقليمي.
الامارات
أضفى رئيس الوزراء الإماراتي (حاكم إمارة دبي) الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لمسته الخاصة على وجوده في العراق ومشاركته في القمة، وهو تغمى بالعراق بمجرد وصوله اذ قال عبر حسابه على "تويتر"، "وصلنا بحمدالله بغداد عاصمة الرشيد والمأمون وعاصمة العالم، دار السلام، بيت حكمة البشر، بغداد الشعراء والأدباء والعلماء، بغداد دجلة والفرات".
وقال محمد بن راشد "رغم جراحها (بغداد) متفائلون بعودتها ونهضتها ومجدها بإذن الله، حفظ الله بغداد، حفظ الله شعب العراق العظيم".
والى جانب ذلك، التقى محمد بن راشد بالوزير الإيراني الجديد وبأمير قطر، ما يخدم ايضا تطلعات القمة بكسر الجليد بين المتخاصمين ويبرد الملفات المتوترة في المنطقة.
وبالمجمل يشير انعقاد المؤتمر الى ان العراق المستعيد لثقته بنفسه ودوره الاقليمي تدريجيا، صار قادرا على المبادرة الى لم الشمل في كل الاتجاهات. ليس خبرا عاديا ان يتحرك العراق لجمع شمل فرقاء اقليميين ودوليين، من ايران والسعودية وتركيا، الى قطر والامارات، فيما يشكل فعليا "قمة دولية مصغرة".