قلق أمريكي من "حُسن جوار" العراق: النفوذ يتراجع
شفق نيوز / حث "معهد واشنطن" الأمريكي، الولايات المتحدة على الحذر من ظاهرة التقارب الجارية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصا بين السعودية وإيران المجاورتين للعراق، معتبراً أن رغم الترحيب بهذه التطورات، إلا أن هذا التقارب يدفع لتراجع الثقة بدور الولايات المتحدة نفسهاً.
وأشار تقرير كتبه الباحث في المعهد الأمريكي، ديفيد شينكر، وترجمته وكالة شفق نيوز، إلى "الصدمة التي شعرت بها واشنطن بسبب التقارب الدبلوماسي بين السعودية وإيران، وشعور المفاجأة لدى وكالة الاستخبارات المركزية (سي اي ايه)، كما ذكر بتصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان الذي برغم مفاجأته بالتفاهم السعودي-الايراني، إلا أنه قال إن ذلك لا يتعارض بشكل أساسي مع المصالح الامريكية، والتي تتضمن دعم خفض التصعيد في الخليج".
ولفت التقرير الأمريكي، إلى أن "تهدئة التوترات مع ايران، كانت اولوية سياسية لإدارة الرئيس جو بايدن منذ اليوم الأول لإدارته، والتي وصلت في مواقفها لاحقاً إلى تخفيض سقف التوقعات حيث عرضت الافراج عن المليارات من الاموال الايرانية المجمدة مقابل وقف ايران تقدمها في مجال التخصيب، مضيفا انه برغم الامتيازات التي يمثلها عرض ادارة بايدن، فان طهران لم تظهر اهتماما كبيرا بتخفيف التوتر مع واشنطن.
وفي الوقت نفسه، رأى التقرير أن "السعودية والإمارات عقدتا العزم على السعي الى التخفيف من حدة التوتر مع ايران والخصوم الآخرين، من اجل تهدئة التوترات الإقليمية".
حسن الجوار
وأوضح التقرير الأمريكي، أن "أسباباً عدة وراء هذا التحول من المواجهة الى (حسن الجوار) الطموح، على حد تعبير المسؤولين السعوديين والإماراتيين مع إيران والأعداء الآخرين في المنطقة، أولها أن المواجهة لم تكن ناجحة، اذ ان جهود الرياض الرامية إلى إنهاء حربها المكلفة في اليمن ضد ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران، لم تتوقف فحسب، بل كانت الميليشيات تستهدف دولة الإمارات، كما استمرت ايران باحتجاز السفن في الخليج، وهددت بأن تهاجم بنفسها الإمارات عسكرياً".
وفي الوقت نفسه، نوه التقرير، إلى أن "النهج الاكثر تصالحية الذي اتبعته إدارة بايدن تجاه إيران، والذي تضمن شطب الحوثيين من قائمة التنظيمات الارهابية، والموقف المتساهل تجاه إنفاذ العقوبات، والحماس الجامح للمفاوضات، لم يعزز أو يدعم سياسات الرياض وأبوظبي المعادية تجاه إيران.
اما السبب الثاني لهذا التحول، فيتعلق بالتوترات مع ايران، خصوصا بالنسبة للسعودية، اذ انها تصرف الانتباه عن الأولويات المحلية، حيث ان اولوية الرياض تتعلق بتنفيذ "رؤية 2030"، التي تسعى من بين أمور أخرى، إلى بناء قطاع سياحي يتجاوز موسم الحج وتشجيع نقل المقرات الاقليمية للشركات المتعددة الجنسيات الى المملكة، في حين ان الحرب الباردة المستمرة مع إيران والحرب الساخنة في اليمن، ادت الى تعقيد تنفيذ "الرؤية"، وفق تقرير معهد واشنطن الأمريكي.
وبالنسبة للسبب الثالث، والأكثر أهمية، ما يتعلق بسعي السعودية والإمارات إلى التقارب مع إيران، لانهما فقدتا الثقة في الالتزام العسكري للولايات المتحدة تجاه شركائها الإقليميين، فمع مرور الوقت، أدت سلسلة من الحوادث والتطورات إلى تشكيك الشركاء الخليجيين في مصداقية الضمانات الأمنية الضمنية التي تقدمها واشنطن.
مصالحة بدل المواجهة
وفي هذا الاطار، ذكر التقرير الأمريكي، بالتوقيع على "خطة العمل الشاملة المشتركة" التي رسّخت تخصيب اليورانيوم الإيراني، وتصريح الرئيس الاسبق باراك أوباما لاحقا لمجلة "ذي أتلانتيك" بأن السعوديين بحاجة إلى "تشارك الجوار" مع إيران، كانا مثيرين للقلق.
وتابع أن الشكوك تزايدت مع التخفيض اللاحق للقوات الأمريكية وإعادة نشر المعدات من شبه الجزيرة العربية، وعدم قيام الرئيس دونالد ترامب برد حركي على الهجمات في عام 2019 على منشأة بقيق التابعة لشركة "أرامكو" وإسقاط طائرة بدون طيار من طراز "آر كيو-4أ غلوبل هوك" فوق الخليج.
وأشار التقرير الامريكي، إلى أن انزعاج الامارات في كانون الثاني/يناير 2022، مما اعتبرته رد فعل باهت من إدارة بايدن على الهجوم الذي شنه الحوثيون بالصواريخ والطائرات المسيرة على العاصمة أبوظبي، في وابل اعتبره الإماراتيون النسخة الخاصة بهم من "11 أيلول/سبتمبر".
تصفير الحسابات
وذكر التقرير أن القتل المستهدف الذي قامت به إدارة ترامب في العام 2020 للقيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، اعاد مؤقتاً ثقة الخليج في استعداد واشنطن لاستخدام القوة ضد إيران، الا ان هذا النهج، سواء للأفضل أو للأسوأ، لم يستمر".
وتابع التقرير انه مثلما هو الحال مع تعزيز الرياض وأبوظبي لتواصلهما مع بكين، كان التحرك نحو التقارب مع إيران مؤشراً على استراتيجية التحوط.
وبالإضافة الى ذلك، أوضح التقرير أن التقارب والجهود المبذولة لخفض التصعيد الإقليمي لم تقتصر على إيران فحسب، اذ ان بالتوازي مع هذا التواصل مع إيران، عملت السعودية والإمارات على تخفيف التوترات الأخرى في المنطقة".
ولفت إلى انة أحد الجهود المنفصلة ولكن ذات الصلة على هذه الجبهة، يتعلق بإعادة سوريا إلى الحضن العربي، حيث انه في خلال العام الماضي، قادت الرياض وأبوظبي مبادرة لإعادة دمج وتأهيل نظام بشار الأسد سياسياً، حيث تم التعامل معه إلى حد كبير إقليمياً ودولياً كمنبوذ منذ العام 2011 بسبب قمعه الوحشي للانتفاضة الشعبية.
ولفت التقرير الى ان الرياض وأبوظبي كانتا تأملان أيضاً، على نحو غير واقعي، في أن تؤدي إعادة دمج سوريا إلى تشجيع النظام على إنهاء صادراته الغزيرة من الكبتاغون، وهو الأمفيتامين المفضل في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، ذكر التقرير ان هذه الدول سعت إلى دفن أحقادها مع تركيا، وهي منافس آخر لها منذ فترة طويلة. واضاف انه في العام الماضي، بدأت الرياض وأبوظبي بوضع عدائهما تجاه أنقرة جانباً واحتضنتا الرئيس رجب طيب أردوغان، كما انه خلال الأشهر الأخيرة، قدمت هذه الدول مساعدات بالمليارات ووقعت صفقات تجارية واتفاقيات مشتريات دفاعية ضخمة لمساندة الاقتصاد التركي الهش ودعم الحملة الانتخابية للرئيس التركي.
وبناء على ما تقدم، رأى تقرير معهد واشنطن الأمريكي، أن "العلاقات الدبلوماسية المتجددة بين إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، لم تنجح حتى الان في تهدئة التوترات في مياه الخليج"، مضيفا ان التوترات تصاعدت مؤخرا مع تكثيف طهران جهودها للاستيلاء على ناقلات النفط، في حين انه فيما يتعلق بالعراق، فان الميليشيات المدعومة من إيران والمعروفة باسم الحشد الشعبي والتي شنت هجمات بطائرات مسيّرة على السعودية في عامي 2019 و2021 ، اصبحت تتمتع بالمزيد من القوة والنفوذ.
وعلى المدى القصير، فإن تجدد العلاقات الدبلوماسية قد يقي السعودية والإمارات من الهجوم المباشر من قبل إيران و/أو وكلائها، إلا أنه لن يمنع طهران من اتباع سياسات إشكالية أخرى تتحدى الأسهم الإقليمية لهذه الدول، وفقاً للتقرير.