قلعة اربيل: خزائن للتاريخ وأكبر من تراث (صور)
شفق نيوز/ سلط موقع مجلة "جيوغرافيكل" البريطانية الضوء على الجهود الكبيرة الجارية في إقليم كوردستان من اجل ترميم وصيانة وقلعة اربيل الاثرية، وعلى الثقافة الكوردية الممتدة عبر التاريخ الطويل لهذه المنطقة وشعبها ومكوناتها المتعددة.
ويصف التقرير البريطاني الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ المكان بأنه كقلعة سحرية ممتدة على الأفق في اربيل، وتبدو كشمس مدنية يدور حولها الزحف العمراني، مذكرا بأن النواة التاريخية المحيطة بالقلعة نمت بشكل كبير منذ العام 2003، حيث تظهر الآن أحياء جديدة يسكنها النازحون محيطة بالمركز المتمثل بالقلعة التي يبلغ عمرها 6 آلاف سنة.
ويصف التقرير اربيل بانها "واحدة من أقدم المدن المسكونة باستمرار في العراق، وأنه تمت الاشارة اليها للمرة الاولى في السجلات المسمارية للملك السومري شولكي في العام 2000 قبل الميلاد" حيث سميت "أربعة آلهة" من قبل البابليين والآشوريين.
واشار الى انه من خلال الصعود الى التل المنحدر بشدة والذي يؤدي الى المدخل الرئيسي، ويطل على مدينة اربيل القديمة، فإنه حرفيا بمثابة صعوده في رحلة عبر التاريخ.
ولفت إلى أن القلعة التي تمثل اقدم مستوطنة بشرية في العام مأهولة بشكل مستمر على على طبقات من الآثار على مر العصور، وتتوجها الان مبان من العصر العثماني، وكانت فيما مضى موقع معبد عشتار، بالاضافة الى كونها مركزا مهما للمسيحية النسطورية.
وتابع أن المدينة تمكنت من النجاة من معركة فيلا القرن الثالث قبل الميلاد بين الاسكندر الاكبر والملك الفارسي داريوس، كما نجت من غزو المغول في القرن الثاني عشر، بالإضافة الى حصار نادر شاه في القرن الثامن عشر، إلى جانب جهود الإعمار التي قام بها صدام حسين خلال الثمانينيات.
واشار الى ان اربيل كانت أيضا موطنا للميديين والآشوريين (الذين أطلقوا عليها اسم اربيلا)، وقطنها ايضا المسلمون واليهود، وهي تضم الاضرحة الصوفية.
وفي العام 2014، جرى تسجيل الموقع ضمن التراث العالمي لليونسكو، وذلك بعد جهود استمرت سبع سنوات من التوثيق الدقيق والاعداد بقيادة رئيس اللجنة العليا لاعادة احياء قلعة اربيل دارا يعقوبي، والمستشارة في مركز التراث العالمي لليونسكو مي شاعر.
وبحسب التقرير؛ فإن هذه الجهود اقتضت القيام بخطوات عديدة من أجل ترشيح القلعة، من بينها القيام بمسح شامل لجميع البيوت التاريخية البالغ عددها 330 ، بالاضافة الى تحديد جميع طبقات التراث العمراني للقلعة، وهو جهد وصفه بأنه "لم يكن عملا سهلا، حيث أن قلعة اربيل، الموقع الرابع من العراق الذي يتم ادراجه في قائمة التراث العالمي، تقع على قمة تل يبلغ ارتفاعه 32 مترا".
وتابع التقرير ان "التاريخ له طريقة مضحكة في تكرار نفسه"، موضحا أن توقيت إدراج القلعة على لائحة التراث العالمي تزامن أيضا مع غزو داعش، مؤكدا انه فيما نجحت البيشمركة في إنقاذ اربيل من الهجوم، فإن ازمة اقتصادية اجتاحت المنطقة باسرها، اثرت على جهود إعادة تأهيل الموقع.
استعادة حيوية
واوضح التقرير انه بعدما ادى غزو داعش في العام 2014 والازمة المالية التي تلت إلى إلغاء التمويل من جانب حكومة اقليم كوردستان، فإن ذلك كان بمثابة سباق مع الزمن من أجل المحافظة على كافة الأعمال الشاقة التي تم تنفيذها بالفعل والاستمرار في ترميم القلعة، مشيرا الى أنه كان هناك طفرة في نشاط الترميم ما بين عامي 2018 و2020 ، لكنه ايضا سرعان ما تراجع بسبب جائحة كورونا.
وتابع انه "لحسن الحظ قامت السفارة الامريكية بتمويل اصلاحات الحمام القديم بالقرب من المدخل الشمالي، بالاضافة إلى مجمع من ثلاثة منازل من شأنها أن تصبح مركزا للاطفال".
ولفت إلى أن الحكومة الفرنسية كانت من أوائل من استثمروا في مشاريع التأهيل، حيث جرى ترميم منزل شهاب الجلبي (الذي بدأ في العام 2011) بمداخله المرمرية ويضم مجموعة من سبع فيلات تابعة للاخوين الجلبي ، بما في ذلك منزل صالح الجلبي الذي صار مركزا ثقافيا لقلعة اربيل يستضيف العروض والمعارض الفنية وهو يجاور منزلا يعود الى ثلاثينيات القرن الماضي أصبح متحفا للنسيج الكوردي.
واشار الى انه في العام 2019 وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع اليونسكو والمجلس الاعلى للتعليم هدفها إعادة تأهيل المباني التاريخية في القلعة وحولها، ودعم النشاطات الثقافية والتدريب في إدارة التراث والسياحة وخلق فرص عمل للمجتمع المحلي والنازحين العراقيين.
وتابع قائلا إن رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني قام في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2019، بزيارة القلعة متعهدا بأن يتبرع سنويا بمبلغ 500 الف دولار امريكي.
كما تناول فيلا يعقوب اغا العثماني الذي تحول الى مركز للترجمة هو يمثل خليطا رائعا من المحافظة على التراث والتعليم والتكنولوجيا الحديثة، بتصميم من شركة جي مارت" التشيكية، ومؤلف من 12 غرفة مختلفة تربط ما بين الماضي والحاضر، وتستخدم فيها أدوات الوسائط المتعددة، ويحتضن المعارض جداول زمنية تفاعلية عبر العصور من أجل تصفحها، ولوحات مفاتيح افتراضية للترجمة، وشاشات تعمل باللمس، والأعمال الفنية التي أنتجها المسافرون الى القلعة خلال القرون الماضية.
وتتضمن عروض الصوت والضوء استعادة السمات المعمارية التاريخية وعروض توثق أعمال الترميم والحفريات الأثرية التي اجريت حتى الان، واستكشاف الموسيقى الكوردية التقليدية.
متحف النسيج الكردي
وذكر التقرير أنه على بعد بضع مئات من الأمتار من مركز الزوار، هناك فيلا تم تجديدها تعود الى العصر العثماني، يضم المنسوجات الكوردية، مضيفا انه بمثابة يعتبر كنز دفين للسجاد القبلي والفنون الشعبية ووجهة سياحية ثقافية شهيرة للزوار من داخل العراق وخارجه. واشار الى ان لغة النسيج السرية التي توارثها النساجون الرحل منذ أجيال.
وتابع قائلا إنه في حين أن متحف النسيج ناجح، حيث يملأ العشرات من الزوار صالات العرض، فإن ثقافة البدو الذين يحيكون السجاد المعروض، معرضة للخطر.
واضاف ان مدير المتحف لولان سيبان، الذي افتتح المتحف في العام 2004 بمساعدة وزارة الثقافة، عند عودته الى اربيل بعد سنوات عديدة امضاها في السويد، امضى عقدين من الزمان يقوم رحلات ميدانية الى المناطق الكوردية القبلية، وهو يجمع اكثر من الف بساط ومنسوجات ويقوم بتخزينها في منزل عائلته في اربيل. ونقل التقرير عن سيبان قوله "كان من المهم جدا بالنسبة لي ان احافظ على المنسوجات الكوردية التقليدية وان اروج لها، واذا لم افعل ذلك ، فلن يتبقى لنا شيء اليوم في كوردستان.. لقد تم إخراج آلاف القطع من البلاد من قبل هواة جمع التحف الاتراك والايرانيين".
ولفت التقرير الى الاعتداءات على نمط الحياة البدوي التقليدي كان لها اثرها ايضا حيث كان يتحتم على البدو الرحل التعامل مع القصف الايراني والتركي والالغام الارضية من الحرب الايرانية -العراقية، مشيرا ايضا الى ان صدام حسين أعاد توطين العشائر في الجزء الجنوبي من العراق في مدن جماعية ما أجبرهم على التخلي عن نمط حياتهم البدوي كاستخدام الصوف من أغنامهم والاصباغ من أزهار الجبال لبسطهم ومنسوجاتهم.
ونقل التقرير عن سيبان قوله "لسوء الحظ، فإن هذا يعني تدمير ثقافتهم. أحسست بضرورة القيام بشيء ما فورا من خلال المحافظة عليه وتوثيقه قدر المستطاع قبل أن يتلاشى كل شيء. وبإمكانك مشاهدة مدى سرعة اختفاء هذه الأسلوب التقليدي في الحياة وانتاج المنسوجات".
وتابع قائلا ان "هناك مئات الأنواع المختلفة من المنسوجات، وكان أبناء العشائر يستخدمونها للأغراض اليومية ولكل قطعة كان لها وظيفة محددة"، مشيرا على سبيل المثال الى حقيبة على شكل سرج وحاملة اطفال ومرتبة معروضة بالاضافة الى "بعض القطع المخصصة فقط للشكل الجمالي".
وأضاف التقرير أنه بينما تتجلى التهديدات للثقافة البدوية التقليدية، فإن متحف النسيج الكوردي يؤمن حماية للسجاد والفنون الشعبية، واغواء المسافرين.
ونقل التقرير عن بغداديين قولهم إنهم يحبون المتحف لأنه تعبير عن "تراثهم العراقي". كما نقل عن رجل كوردي من دهوك قوله إن المتحف رمز مهم للقومية الكوردية.
وتابع أن الواقع أكثر تعقيدا حيث ان كوردستان "الجديدة" هي الان واقعيا ملجأ للعرب والكورد والمسلمين والمسيحيين والايزيديين.
وفي سياق آخر، لفت التقرير إلى أن التراث الثقافي موسيقي بالاضافة الى الأثري لقلعة اربيل، المغروسة بطبقات التاريخ في الأرض القديمة، وهي تعكس خليطا قويا من التراث الكوردي والعربي والتركماني واليهودي والإسلامي.
ونقل التقرير عن امجد اسعد، وهو مدير الأرشيف الوطني للموسيقى الكوردية المؤلف من غرفة واحدة في منزل أعيد استخدامه يعود إلى العصر العثماني، ومكتظ بأشرطة كاسيت ، وبحوامل الجراموفون، قوله "لقد عاش الجميع هنا معا في وئام". ويتذكر اسعد والدته وهي تندب على فقدان جيرانهم اليهود الذين غادروا في العام 1948.
وقال اسعد انه "في ظل حكومة صدام حسين ، كانت الاغاني اليهودية ممنوعة وشرائها وبيعها جريمة معاقب عليها بالإعدام".
ترجمة: وكالة شفق نيوز