في ذكرى رحيله الـ35.. الذاكرة الكوردية ادريس مصطفى بارزاني
شفق نيوز/ الاعوام الـ35 التي مرت على وفاة ادريس مصطفى بارزاني، تشكل اليوم في ذكراه، مناسبة لاستعادة شريط حياته الذي هو في الوقت نفسه، بمثابة شريط ذكريات المسيرة الكوردية.
لم يعش ادريس بارزاني حياة مترفة ولا مرفهة، ولا عرف شكلها، لا في طفولته ولا في مراحل الشباب والنضال إلى أن خطفه الموت المبكر في 31 كانون الثاني/يناير العام 1987، وهو الذي انهمك منذ وعيه المبكر بالقضية الكوردية، وحمل من أجلها السلاح للدفاع عن شعبه.
كان ادريس بارزاني يعي ثقل الحمل والمسؤولية التي ألقيت على عاتقه وعلى عاتق شعبه خاصة في أصعب المراحل التي مرت بها، في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حتى رحيله المفاجئ قبل 35 سنة.
هي ثلاثة عقود حفلت بالمعاناة والنضال والتضحيات والعمل الدؤوب بالنسبة الى الكورد، وكان ادريس بارزاني في صدارتها، مثلما كان في صدارة العمل السياسي، سواء على الصعيد الداخلي في العراق وكوردستان، أو على صعيد التحرك الخارجي واستخدام علاقاته وخبرته السياسية في خدمة قضيته التي يقول كثيرون ممن عايشوه لوكالة شفق نيوز، انه كان يميل دوما الى تغليب التفاهمات والحوار من أجل تحقيقها طالما هناك فرصة.
ولم يأت ذلك صدفة برغم كل التحولات والصدمات المفاجئة التي ألمت بحياته وحياة شعبه وعائلته، منذ ان توجه والده الزعيم التاريخي مصطفى بارزاني الى مهاباد في شرق كوردستان، عندما كان لا يزال طفلا في عامه الثاني، ثم اضطرار العائلة وبينهم ادريس للعودة الى كربلاء وهو بعمر الثالثة، ولم يلتئم الشمل إلا بعد سقوط النظام الملكي في بغداد العام 1958، وعودة والده مجددا من الاتحاد السوفياتي.
في العام 1961، كان من اوائل من حملوا السلاح، وخاض العديد من المعارك دفاعا عن الكورد، مثلما كان من اوائل من خاضوا نهج التفاوض مع بغداد في العام 1970 للتوصل الى اتفاقية 11 آذار الشهيرة والتي وصف بانها "مهندسها"، عندما كان صدام حسين وقتها الرجل القوي في النظام الحاكم.
الآمال سرعان ما تهاوت مع ابرام "اتفاقية الجزائر" بين شاه إيران وبين حكومة بغداد وقتها. عبء سياسي ونضالي إضافي القي على عاتق ادريس بارزاني، وشقيقه مسعود، رفيقه النضالي، وتجسد ذلك على سبيل المثال في ثورة كَولان.
يروي احد من عرف ادريس بارزاني عن كثب لوكالة شفق نيوز، انه كان يقيّم بشكل صحيح مدى ثقل التكالب الإقليمي والمخططات السياسية الدولية ويرى ان التصدي ومناهضة تلك المخططات الكبيرة كانت خارج إمكانيات الشعب الكوردي وقيادة ثورة كوردستان في تلك الحقبة التاريخية.
ومن هذا المنظور، فإن ادريس بارزاني كان "العراب الاول" بهندسته للتفاهمات الكوردية-الكوردية الداخلية التي كانت ردا منطقيا وبديهيا على تلك المخططات والتحديات الدولية الخارجية التي فرضت تبعاتها على القوى الكوردية المختلفة، والتي كان من ابرز نتائجها التمهيد لقيام الجبهة الكوردستانية، التي اعلنت في ايار/مايو 1988، اي بعد وفاته بأشهر قليلة.
يروي من عاصروه نفسه ان ادريس بارزاني كان مصرا دوما على استعادة الموروث النضالي الماضي لثورات بارزان ومدى الغنى المعنوي والاجتماعي للكفاح الذي كان يسير وفقا لمسارين متلاصقين وهما الفكران العرفاني والتحرر القومي.
ومن المعلوم ان تلك الجبهة الكوردستانية، كانت هي لاحقا نواة الحراك الثوري الذي قاد نحو انتفاضة العام 1991 التي مهدت بدورها الطريق أمام العراق للتخلص من الحقبة الدموية لصدام حسين التي حفلت بالمجازر لا بحق الكورد وحدهم (ولو ان نصيبهم كان ربما الاكثر عنفا) وانما ايضا بحق الشيعة وغيرهم من المكونات العراقية وجيران العراق ايضا.
كان ادريس بارزاني مهموما بقضية النازحين الكورد الذي شردهم النظام على مراحل مختلفة، ويعمل بدأب من أجل تأمين عودتهم الى مناطقهم وقراهم، معتبرا ان ذلك بمثابة أمانة يجب الالتزام بها. كان يشعر انه قريب من هؤلاء الناس ومن معاناتهم، ولهذا فإن انخراطه في العمل الحزبي، من خلال تولي مسؤوليات قيادية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
في لمسة خاصة تعكس شخصية ادريس بارزاني، تروي الذاكرة التاريخية الملازمة له أنه كان في أحاديثه يبرز موضوعين مهمين جدا وكان يتكلم بصيغتين مختلفتين جدا، ولم يكن يستعمل تلك الجمل والكلمات والمصطلحات اللغوية التي كان يستعملها في الندوات والمؤتمرات والمراسم الرسمية ابدا مع الناس البسطاء وفي اللقاءات الجماهيرية.
وفي السرد التاريخي لوكالة شفق نيوز، يروي المقربون منه أن ادريس بارزاني، وهو أب الرئيس الحالي لاقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، كان في الجلسات الخاصة يحتل مكانه بجانب ابسط الناس ويتكلم باللغة والكلمات التي يستعملها إنسان أمي قروي كوردي، وانه من أجل إفهام المجالسين بشكل افضل كان يعزز كلامه بحكاية او مثل شعبي معروف لدى الناس ومفهوم لديهم بشكل جلي.
وتوفي ادريس بارزاني في 31 كانون الثاني 1987 في بلدة سليفانا التابعة لمدينة أورمية في شرق كوردستان، ووري الثرى الى جانب والده مصطفى في مدينة أشنوية. وبعد انتفاضة العام 1991 وتحرير القسم الاكبر من ارض كوردستان العراق (جنوب كوردستان) أعيد جثمان ادريس بارزاني برفقة جثمان والده والأب الروحي للكورد مصطفى بارزاني في 6 تشرين الأول من العام 1993 الى كوردستان ليوارى جثمانهما الثرى في بارزان وليصبح مثواهما مزاراً ومرقداً يؤمه الآلاف من المواطنين سنويا.