في حقل ألغام "المتوسطة والثقيلة".. بغداد تحدد طريقة الشراء وحادثة "سوق مريدي" تكشف خفايا السلاح المنفلت
شفق نيوز/ مع تطبيق الحكومة العراقية، خطتها لحصر السلاح بيد الدولة، نتيجة انتشاره بشكل واسع في العاصمة بغداد وبقية المحافظات، وفيما تحدد وزارة الداخلية، الجهة المسؤولة الأولى عن عملية جمع السلاح، الطريقة التي تتعامل بها بهذا الشأن بدءً من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وصولاً الى الألعاب الإلكترونية "العنيفة"، يحدد ناشطون وبرلمانيون "صعوبات وتحديات" في طريق الـ16 ملياراً المخصصة لشراء هذه الاسلحة مع تساؤلات عن كيفية التعامل مع "السلاح الحزبي"، في حين وضع تبادل إطلاق النار العلني في "سوق مريدي" شرقي بغداد، النقاط على الحروف بشأن حقيقة السلاح المنفلت في العراق.
وانتعشت تجارة السلاح غير المشروعة في أنحاء البلاد بعد عام 2003، وكانت الأسلحة المنهوبة من مراكز الشرطة والقواعد العسكرية، تباع في الشوارع والمناطق العامة للراغبين بشرائها.
كما تسبب انتشار الأسلحة غير المصرح بها بمئات الوفيات كل عام، حيث عمليات إطلاق النار تستمر في حفلات الزفاف أو الجنازات أو حتى في مباريات كرة القدم، ويُنظر إلى هذه الممارسات على أنها تقليدية، لكن غالباً ما تكون عواقبها وخيمة، وفي نهاية عام 2023، أطلقت الحكومة العراقية حملة لاستعادة هذه الأسلحة غير المصرح بها.
ورغم تعهدات الحكومات المتعاقبة فإنه لم تتخذ أي خطوات حقيقية حتى الآن، لا سيما أن جميع المحاولات الحكومية السابقة واجهت صعوبات في الشروع في حصر السلاح بيد الدولة.
15 مليون قطعة سلاح
ويُعدّ السلاح المنفلت في العراق من أكثر المشاكل التي تعيق الأمن والاستقرار في البلاد، لما له من تأثيرات على الأمن المجتمعي، وسبق أن تعهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ضمن برنامجه الحكومي بإنهاء هذه الظاهرة خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة.
ولا يوجد إحصاء رسمي يحصي عدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق "كلاشنكوف"، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع "هاون" وقذائف "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.
وتملك غالبية هذه الأسلحة الجماعات المسلّحة في البلاد، إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كإحدى ثقافات ما بعد عام 2003، واضطرار العراقيين للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.
الحكومة وشراء الأسلحة
وكانت وزارة الداخلية العراقية قد أعلنت إطلاق مشروع جديد لـ"حصر السلاح بيد الدولة"، يتضمن شراء الأسلحة من العراقيين، مؤكدة أن "697 مركزاً لشراء الأسلحة باتت جاهزة إضافة إلى نافذة إلكترونية خصصت لهذا الغرض.
وتعد هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات العراقية إلى شراء الأسلحة من حامليها في إطار مشروع "حصر السلاح بيد الدولة" الذي رفعته كل الحكومات منذ العام 2005، دون إحراز تقدم فيه، بل على العكس، بات السلاح في المتناول وسبباً في الجرائم والاعتداءات.
وبهذا الصدد يقول سكرتير ومقرر اللجنة الوطنية الدائمة لتنظيم الاسلحة وحصرها بيد الدولة العميد الحقوقي منصور علي سلطان في حديث لوكالة شفق نيوز إن "هذه الحملة بدأت تنفيذاً للبرنامج الحكومي الذي أعلنه رئيس مجلس الوزراء في تشرين الأول عام 2022، وهذه الحملة لها اربعة مراحل الأولى تبدأ من يوم 1/1/ 2023، وتمتد حتى 31/ 12/ 2024 وهي تسجيل أسلحة المواطنين في دورهم السكنية لمن يرغب، عبر تسجيل أسلحة المواطنين الخفيفة (بندقية أو مسدس)".
ويضيف أن "مجلس الوزراء خصص 16 مليار دينار لكل قيادة شرطة لشراء هذه الأسلحة وبغداد ملياري دينار باعتبار انها تقسم الى جانبي الكرخ والرصافة".
ويبيّن العميد الحقوقي أن "اللجنة الفنية والمالية تعمل الآن على تحديد الأسعار المناسبة للأسلحة"، لافتا إلى أن "الأسلحة المتوسطة والثقيلة هي المشمولة بالشراء مثل البي كي سي والأسلحة الساندة وغيرها".
ويتابع العميد قائلا ان "هناك إجراءات ستتبع في حال عدم التزام المواطنين ببيع هذه الأسلحة للدولة مع نهاية الوقت المحدد بنهاية شهر كانون الأول 2024"، داعياً المواطنين الى "تسجيل أسلحتهم واقتناء الأسلحة المرخصة، لان بعد الموعد المحدد ستكون هناك حملات تفتيش للأسلحة غير المرخصة"، وفق المسؤول الأمني.
ويلفت العميد سلطان إلى أنه "من ضمن هذه الحملة محاربة مظاهر الدكة العشائرية، وإطلاق العيارات النارية، وتوجيه كافة القيادات بالتنسيق مع القوات الأمنية عبر وزارة الدفاع، وجهاز الأمن الوطني، وجهاز المخابرات، وهيئة الحشد الشعبي"، مؤكدا أن "هناك جهوداً لإغلاق المواقع الالكترونية التي تروج لبيع الأسلحة، وإغلاق محال لبيع الأسلحة منها 119 محلاً تم اغلاقها في عموم العراق، بالإضافة لإيقاف الألعاب الالكترونية المحرضة على العنف لأن فيها هدراً للأموال وتشجيعاً على اقتناء الأسلحة وارتكاب الجرائم ونحن الآن في طور محاربة 11 لعبة ضمن هذا الشأن".
ويتابع أن جزء من مهامنا إعداد بنك معلومات للأسلحة المسروقة والمضبوطة وهناك تعاون مع العشائر والجامعات وكافة مديرية التربية، وهناك إقبال من المواطنين لتسجيل أسلحتهم في دورهم السكني ولن نستوفي أي أجور عن هذه الخدمة، والتسجيل يكون الكترونيا حتى نخفف عن كاهل المواطن والابتعاد عن البيروقراطية".
وبحسب تصريحات سابقة لسكرتير اللجنة الوطنية الدائمة لتنظيم الأسلحة في وزارة الداخلية، العميد منصور سلطان، فإن "الأسلحة التي تم ضبطها لدى المواطنين بلغت 25 طنا"، مضيفا أن "وزارة الداخلية تبحث حاليا عن الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وهي في مرحلة تنظيمية لتسجيلها، ومستعدة لشرائها من المواطنين".
"الإغراءات لا تكفي"
وعلى الرغم من أن الجهات الحكومية لم تعلن رسمياً، حتى الان، أسعار شراء السلاح من المواطنين، حسب المسؤولين في وزارة الداخلية، لكن ناشطون يحذرون من عدم جدوى الإغراءات المالية لشراء السلاح مع إمكانية ارتفاع قيمة بندقية "كلاشنكوف"، بأعلى من سعرها بنحو 20% من قيمتها في السوق، فيما ستكون قيمة الأسلحة المتوسطة والثقيلة الضعف تقريبا نظرا لخطورتها وسعيا لترغيب المواطنين ببيعها للدول.
كما ان خبراء عسكريون اعتبروا ان القرار لن يحد من حيازة الأسلحة، بل سيشجع على التجارة بها، مشيرين إلى أن "العشائر العراقية، على سبيل المثال، تمتلك حالياً أسلحة متطورة من أنواع متوسطة وثقيلة".
في حين يرى آخرون إن "خطوة شراء السلاح غير المرخص من المواطنين تحل جزءاً من مشكلة السلاح المنفلت، لكن وبسبب تكوين المجتمع العراقي والذي يتصف بالعشائرية والقبلية فقد تلاقي الحكومة صعوبة في تنفيذ هذه العملية، لأنه من غير ممكن للعشائر أن تتخلى عن أسلحتها، مؤكدين ان "خطوة أو مشروع شراء الدولة للأسلحة من المواطنين تعتبر بمثابة تحدٍ للحكومة لضبط هذا الأمر".
وفي هذا السياق، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ياسر اسكندر وتوت، في تصريحات سابقة لوكالة شفق نيوز ان "لا سيطرة على السلاح في العراق، ولن تتم السيطرة عليه"، رغم أهمية خطوة وزارة الداخلية بتسجيل الأسلحة، الذي رأى أنها تأتي لـ"معرفة أعداد الأسلحة المنتشرة في البلاد، وكشف عائديتها في حال حصول أي حوادث جنائية".
"تهريب عكسي للسلاح"
ويبدي مراقبون تخوفاً قد يبدو مشروعاً ويجعل من الضروري انتباه الجهات المعنية اليه وهو الحذر من استغلال عصابات غسيل الأموال الخارجة عن القانون، والتي تورطت بسرقة الأموال العامة لهذه المبادرة، وتعزيز تأمين أموالها عبر شراء الأسلحة من مصادر مختلفة، بما في ذلك من الخارج، ثم بيعها للدولة العراقية بفواتير رسمية لتقوم بعملية غسيل أموالها بشكل رسمي،
كما أن هذا السيناريو، وفق المراقبين، يمكن أن يُطبّق على شبهات التهريب العكسي للأسلحة الرخيصة داخل العراق، حيث تُباع كأسلحة شخصية مقابل أموال تحقق أرباحًا، ما يُعتبر من مهام عصابات التهريب التي تستخدم كافة الوسائل الممكنة لتحقيق مكاسب مالية بطرق ملتوية.
إقليم كوردستان وشراء الأسلحة
وفيما استثنت الحكومة العراقية محافظات إقليم كوردستان، من حملتها، إلا أنه يمكن القول ان حكومة الإقليم سبقت بغداد بتنفيذ هذا الأمر، وربما يكون هناك تعاوناً مشتركاً للإفادة من تجربة الإقليم لشراء السلاح من المواطنين.
إذ حددت حكومة الإقليم يوم 21 تموز 2023 موعداً نهائيا لتسليم المواطنين أسلحتهم غير المرخصة، بعدما كانت قد مددت الموعد عدة مرات، وفق بيان صادر من الحكومة آنذاك واطلعت عليه وكالة شفق نيوز.
وحذر المدير العام لديوان وزارة الداخلية بحكومة الإقليم هيمن ميراني بالقول، ان "أي شخص يُقبض عليه ومعه سلاح غير مسجل، سيصار الى فتح ملف خاص به في قسم الشرطة بالاستناد إلى المادة 15 من قانون السلاح، وتقديمه إلى المحكمة، وسيحكم عليه بالسجن ودفع غرامة مالية بنفس الوقت"0
وأضاف مدير عام ديوان الوزارة قائلا إن "أكثر من 90 مركزا، يمكن للمواطنين زيارتها لتسجيل أسلحتهم"، مؤكدا سعي الحكومة لتقليص كميات الأسلحة غير المرخصة في المجتمع الكوردستاني، لأنه كلما زادت كميات الأسلحة، وخاصة غير المرخصة منها، تنامت فرص الجريمة، مشيرا إلى "أنه يمكن تقديم طلب لتسجيل الأسلحة القابلة للترخيص أو بيعها في أماكن سيتم افتتاحها رسمياً".
كما ان وزارة الداخلية في اقليم كوردستان حددت 7 شروط لمنح رخص حمل الأسلحة، وهي: أن يكون عراقيا من سكنة اقليم كوردستان، وألا يقل عمره عن 21 عاما، وأن يكون حسن السيرة والسلوك، والا يكون متهما بارتكاب جناية غير سياسية أو جرائم مخلة، وأن يكون مؤهلا جسديا وعقليا ونفسيا لحمل السلاح، وأن يكون مؤهلا من الناحية التكنيكية، وان يكون حاصلا على السلاح بطريقة شرعية وأن يملك مبررا لحمله".
وتنص المادة 15 من قانون الأسلحة رقم 2 لعام 2022 على أنه يُعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وثلاث سنوات، وغرامة مالية قدرها مليونان إلى خمسة ملايين دينار كل من يُقبض عليه وهو يحمل سلاحا غير مرخص أو ذخيرة غير مرخصة (أي الرصاص) فضلاً عن مصادرة السلاح.
مصير السلاح الآخر
وفي ظل الحديث عن شراء الأسلحة يتبادر إلى الذهن، وفق مراقبين وناشطين، سؤال عن "مصير سلاح الجماعات المسلحة أو السلاح الحزبي الذي يتواجد في العراق بشكل شبه رسمي، ويمكن استخدامه خدمةً لأجنداتٍ حزبية وطائفية، ويتمثل في بعض الأحيان باستعراضات عسكرية وعجلات بلا لوحات تجوب شوارع العاصمة وغيرها من المحافظات، والاعتداء في بعض الأحيان على بعض رجال الدولة من المرور والمنتسبين الأمنيين وغيرهم في الشارع، وهو ما تم استخدامه في أحداث سابقة أبرزها في تشرين عام 2019، وغيرها من الأحداث الأخرى في العراق"، متسائلين بالقول "هل يمكن لهذه الجهات أن تسلم سلاحها وفقا لهذه المبادرة".
سوق مريدي مذخر كبير
وفي ظل الحديث عن السلاح المنفلت وإمكانية تقنينه تبرز حادثة "سوق مريدي" بمدينة الصدر، شرقي بغداد، والذي يوصف بأنه يضم "سوق للأسلحة يمكن شراء أي قطعة منه بسهولة"، وتعكس تفاصيل الحادث، وفق مراقبين ومواطنين، "حقائق عن انتشار السلاح المنفلت وإمكانية انتقال القتلة من محافظة لأخرى في غضون أيام، فضلا عن استمرار تهديد السلاح لحياة المواطنين الآمنين".
تقرير: وكالة شفق نيوز