عائلات تبيع أطفالها.. خفايا صادمة عن الاتجار بالبشر في العراق
شفق نيوز/ انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة حديثة على المجتمع العراقي، الا وهي مسألة الاتجار بالبشر، وبينما تؤكد وزارة الداخلية على أنها جريمة "مسيطر عليها"، يتفق مختصون على أن السبب الرئيس لظهورها هو العوز المادي الذي "يجبر في الكثير من الأحيان العائلات على بيع أطفالها أو التخلص منهم"، داعين إلى ضرورة تنفيذ قانون مكافحة الاتجار بالبشر المعرقل رغم تشريعه قبل 11 عاما.
ويقول مدير مكتب تحقيق مكافحة جرائم الاتجار بالبشر والأعضاء البشرية في بغداد/الكرخ، العميد وسام الزبيدي، إن "جريمة الاتجار بالبشر دخيلة وحديثة على المجتمع العراقي، ومسيطر عليها، حيث هناك وسائل فنية وتقنية ومصادر بشرية سرية منتشرة في أنحاء بغداد كافة، لرصد المكانات الموبوءة من المقاهي وبعض الأماكن الليلية والمراقد الدينية التي تعد ملاذا آمنا للجوء الضحية إليها".
ويضيف الزبيدي لوكالة شفق نيوز، "بالإضافة إلى البحث في وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) الذي يروج من خلالها أحيانا لاستدراج الأطفال أو الفتيات القاصرات من خلال الترغيب أو العلاقة الوهمية للفتيات أو الشباب"، مبينا أن "هذه الجريمة يمكن أن تحدث في كل مكان ابتداءً من إقليم كردستان وانتهاءً بأقصى الجنوب".
ويشير العميد الزبيدي، إلى أن "الضحايا يتم تحويلهم إلى دار الإيواء الآمن في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حيث يتلقون فيه الرعاية والمساعدة من خلال باحثين متخصصين لمعالجة المشكلة التي وقعوا فيها وإعادة تأهيلهم للعودة إلى المجتمع"، لافتا إلى وجود "محاضرات أسبوعية تلقى في المدارس والجامعات للتحذير من الوقوع في هذه الجريمة".
الفئات المستهدفة
تقول الناشطة المدنية، آلاء الياسري، إن "الاتجار بالبشر يعود لعدة أسباب أبرزها العوز المادي الذي اجبر الأهل على الاستغناء عن أولادهم للتخلص من تكاليفهم المادية، كما سمح ضعف تطبيق القانون بنشأة عصابات للاتجار بالبشر عن طريق شراء الأطفال أو خطفهم".
وتوضح الياسري لوكالة شفق نيوز، أن "الفئات الأكثر عرضة للاتجار بالبشر هم الأطفال عبر استخدامهم للتسول، والفتيات وخاصة القاصرات منهن والشابات، عبر تزويجهن لأشخاص لا يعرفون شيئا عنهم، أو تسفيرهن إلى خارج البلاد".
وتضيف: "هناك تبدأ عملية الاتجار بهن، من خلال العمل في بيوت الدعارة أو بيع أعضائهن الداخلية، وكذلك الحال مع الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يتعرضون للاتجار عبر خطفهم أو بيع أعضاءهم الداخلية".
وتؤكد الناشطة على أهمية "إطلاق حملة لمكافحة هذه الجريمة المنظمة، التي بدأت تكثر في محافظات محافظة ودينية مثل كربلاء والنجف، وكذلك في بغداد وفي محافظات الوسط والجنوب، لذلك يجب أن تكون هناك متابعة مستمرة خاصة في قضية تزويج القاصرات والمتسولين عبر استخدام الأطفال الصغار والرضّع".
وهذا ما ذهب إليه أيضا مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مصطفى سعدون، بأن "عمليات الاتجار بالبشر تكثر في المناطق الأكثر فقرا في بغداد والوسط والجنوب، وأيضا في محافظات غرب وشرق العراق، فضلا عن أن تلك العمليات تستهدف الأطفال دون سن 18 وحديثي الولادة".
تهاون حكومي
يشير سعدون في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "هناك تقصيرا واضحا من الحكومة، لتهاونها في هذا الملف، حيث هناك قانون لمكافحة الاتجار بالبشر لكنه غير مفعّل بالطريقة الحقيقية، كما أن العراق لم يف لحد الان بالالتزامات الدولية بخصوص مكافحة الاتجار بالبشر، لذا هي مشكلة ممنهجة تتعلق بالسلطات التنفيذية، ونفوذ وقوة الذين يتاجرون بالبشر والأعضاء البشرية".
الفقر غير مبرر للجريمة
ويؤكد الخبير الاقتصادي، أحمد عبدربه، أن "تلك الجرائم لا يمكن تبريرها بالوضع الاقتصادي، صحيح أن بعض طبقات المجتمع تعاني من الفقر، إلا أن مرتكبي تلك الأفعال مجرمون يجب محاسبتهم وفق القانون وتشديد العقوبة عليهم، بالإضافة إلى معالجتهم نفسيا"، مبينا لوكالة شفق نيوز أن "هذه الجرائم تحصل في أغلب البلدان، سواء كانت متقدمة من ناحية المال والتنمية، أو النامية، فضلا عن بلدان العالم الثالث".
من جهته يقول عضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، إن "العراق حسب التصنيف الدولي لايزال دون المستوى المطلوب لحماية مواطنيه من الاتجار بالبشر، والتعامل مع الجرائم من ناحية الإجراءات الجزائية والتعامل مع الضحايا".
ويضيف البياتي، لوكالة شفق نيوز: "على الرغم من وجود قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 الا الحكومة لم تصدر إجراءات تنفيذ القانون منذ عشر سنوات من التشريع، وهو ما يعرقل تنفيذ القانون، بالإضافة إلى عدم فعالية اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، كلجنة مشكلة حسب القانون ومختصة بالتخطيط والإشراف والمراقبة لأداء المؤسسات في تنفيذ قانون الاتجار بالبشر".
ضحايا يعاقبون كجناة
وتابع، كما أن "إجراءات الفصل في التعامل بين الجناة والضحايا من قبل المؤسسات الأمنية ضعيف جدا، بسبب عدم وجود وعي قانوني حقيقي لدى هذه المؤسسات في التعامل مع هذا النوع من الجرائم".
ويبين البياتي: "حيث تُعاقب الضحايا في الكثير من الحالات كجناة وليس ضحايا، وصعوبة إجراءات إحالة ضحايا الاتجار بالبشر للمأوى الآمن، لكونه يتطلب موافقة قاضي، وعدم امكانية فتح أو إدارة أي مأوى لضحايا الاتجار الا من قبل مؤسسات الدولة، مما يُحرم منظمات المجتمع المدني من إمكانية أداء دورها في هذا المجال".
وأوضح في الختام، أن "من أكثر الجرائم التي ترتكب في العراق هي الاتجار بالجنس والأعضاء، بالإضافة إلى الأعمال القسرية".
دعوات لتعديل القانون
يرى الخبير القانوني، علي التميمي، أن "تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر يحتاج الى جهد استخباري عالي وتعاون مجتمعي وتفعيل البلاغات لذلك يحتاج الى تعديل بهذا الجانب، كما أن قانون رعاية الأحداث العراقي 76 الصادر عام 1983 يحتاج أيضا إلى التعديل لمعالجة مشكلة الطفولة التي تحتضر في العراق".
ويضيف التميمي لوكالة شفق نيوز، أن "قانون العقوبات العراقي عاقب في المواد 390 .391 .392 منه بالحبس البسيط والغرامات على التسول أو الإيداع في دور الدولة في حالة التكرار"، مبينا "لكن عند التمعن في نص المواد أعلاه تجدها تجيز التسول لمن لا عمل له، هكذا يفهم النص"، موضحا: "لست مع العقوبات، لكن عند إيجاد البدائل يمكن إيقاع العقاب".
ويتابع، أن "قانون الاتجار بالبشر 28 لسنة 2012 عاقب بالحبس إلى الإعدام والغرامات من 5 إلى 10 مليون دينار على الاتجار بالبشر"، ويتفق التميمي اعتبار تجنيد الصغار والاستجداء بهم كاتجار بالبشر، مبينا: "لأنه تجارة بأدوات صغيرة غير قابلة لاتخاذ القرار، وهو قتل لمستقبلهم"، مؤكدا أن "هذه لو طبقت لأنهت الكثير من مافيات التسول".