زيارة الأربعين.. سباق الكرم العراقي بأبواب العطاء المفتوحة للملايين (صور)
شفق نيوز/ في واحدة من أكبر التجمعات الدينية والمسيرات المليونية، يعتبر "ماراثون المشي" في زيارة الأربعين بكربلاء الواقعة إلى الجنوب من العاصمة بغداد، من أهم ما الماراثونات في العالم، وتتجه نحوها الأنظار لما تشكله من ثقل ديني، ومناسبة يشارك فيها الملايين من الشيعة في العالم، وتستمر لأيام طوال، جاذبة أتباع "الإمام الحسين ابن علي وأهله وأصحابه" من كل العالم لتأدية زيارة مرقده وسط المدينة.
وخلال هذه الزيارة، يظهر الكرم والسخاء بأبهى صورة، ويُعدّ جزءاً أساسياً من ثقافة الزيارة، حتى باتت طقساً وشكلاً أساسياً فيها، ويتسابق الناس في إظهار كرمهم وتقديم ما لديهم للزائرين، بشكل من التنافس الودي المرفوق بالحب.
و"في كل عام، يتنافس أصحاب المواكب الحسينية في تقديم الطعام والشراب للزوار مجاناً، وقد تكون هذه المواكب على شكل خيام صغيرة أو أكشاك متنقلة"، كما يقول الحاج محمد علي لمراسل وكالة شفق نيوز، وهو أحد أصحاب المواكب الذي يأتي كل عام من خانقين إلى كربلاء لاقامة موكبه هو وأولاده، مضيفا أن أصحاب المواكب يقدمون كل ما لديهم من موارد لإطعام وتوفير الراحة للزوار، والطعام لا يقتصر على الوجبات الأساسية فقط، بل يشمل أيضاً الحلويات والمشروبات الساخنة والباردة، وحتى الفواكه والحلويات التقليدية.
المنازل المفتوحة
ويؤكد حسن الموسوي، في منطقة سدة الهندية في حديثه لوكالة شفق نيوز أن "الكثير من سكان المدن والقرى الواقعة على طريق الزوار يفتحون أبواب منازلهم للزوار، حيث يقدمون لهم أماكن للنوم والاستراحة، وهذه المنازل تستقبل الزوار بغض النظر عن عددهم أو جنسيتهم، ويعتبرون هذا العمل جزءاً من واجبهم الديني والإنساني".
ويضيف: "ننتظر يومياً ومن الأول من صفر بفارغ الصبر قدوم الزوار وقت الغروب فبعض الأشخاص يذهبون الى المساجد والحسينيات لإقناع الزوار الذين جاءوا سيرا على الأقدام لقضاء الليلة في منزل أحدهم والبعض الآخر يقف على قارعة الطريق لإقناع بعض الزائرين لأخذ قسطا من الراحة في منزله".
وبين الموسوي انه "خلال أخذ الزوار للمنزل يقوم صاحب الدار بتوفير مكان ملائم لإيواء ونوم الزائرين وتوفير حمام وطعام وشراب، وبعدها يخلد الزائرون الى النوم وفي صباح اليوم التالي ومع بزوغ الفجر يؤدي الزوار صلاة الفجر ويأكلون شيئاً من الطعام وبعدها يتوجهون لإكمال مسيرتهم الراجلة باتجاه كربلاء".
فيما يؤكد جبار الموسوي لوكالة شفق نيوز أنه يقوم بتهيئة الطعام للزائرين وينتظر هو وأولاده أن ينهوا الزوار أكل الطعام، وبعد ذلك يقومون بأكل ما تبقى من الطعام إيمانا منه بأن طعام الزوار مبارك، وكذلك تكريما للزائر الذي يأتي من مكان بعيد.
خدمات مجانية
يؤكد السيد توفيق لوكالة شفق نيوز أنه "لا يقتصر الكرم على تقديم الطعام فقط، بل يمتد إلى تقديم خدمات أخرى مثل غسيل الملابس، وتقديم العلاج الطبي المجاني في محطات صغيرة على طول الطرق المؤدية إلى كربلاء، حتى الأطفال يشاركون في هذه الخدمة، حيث يقومون بتوزيع المياه على الزوار تحت حرارة الشمس".
ويوضح توفيق أن "الكثير من المواطنين يبحثون عن أي خدمة باستطاعتهم تقديمها للزائرين، ويكون أولئك الأشخاص ممتنين لتقبل الزائر لتلك الخدمة المجانية التي يتوقعها خدمة الإمام الحسين بأنها علاج نفسي تطمئن من خلالها أنفسهم".
هناك العديد من القصص المهمة التي رصدناها خلال توجهنا الي كربلاء والتي تعكس روح السخاء والكرم، على سبيل المثال، هناك قصة لشخص عراقي من سكان الجنوب قام ببيع أرضه ليتمكن من إعداد موكب كبير يقدم فيه الطعام للزوار، ومثل هذه القصص تلهم وتبين مدى تعلق الناس بهذه المناسبة واستعدادهم للتضحية بكل ما لديهم في سبيل خدمة الزوار.
مواكب الخارج
يشير مسؤول هيئة المواكب الحسينية في خانقين ابو زهراء في حديثه لمراسل وكالة شفق نيوز أن "الكرم والسخاء لا يقتصر على داخل العراق فقط، بل يمتد إلى الجاليات العراقية في الخارج، حيث يقومون بتنظيم مواكب صغيرة لتقديم الطعام والشراب لمن لا يستطيعون السفر إلى العراق، وهذه المواكب تجسد نفس الروح التضامنية التي تميز زيارة الأربعين داخل العراق".
ويضيف أن "هذا العام جاءت مواكب عديدة من جمهورية إيران الإسلامية، الى منفذ المنذرية الحدودي، لتقديم الخدمات الى جانب مواكب أهالي خانقين للزوار الوافدين من جمهورية إيران، وبعض الدول كذلك".
ويشير إلى أن "هذا الأمر كذلك موجود في كربلاء، حيث نجد عشرات المواكب الخدمية من مختلف بلدان العالم جاءوا ليثبتوا كرمهم في هذا المهرجان الكبير، ويستمدوا من العراقيين صفة الكرم والسخاء".
"وأحد أهم الدروس هو التضامن بين الناس بغض النظر عن اختلافاتهم، أثناء الزيارة، يلتقي الناس من مختلف الأعراق والجنسيات والدول، ويتم استقبالهم جميعاً بالضيافة والترحيب هذا يعلمنا أن الإنسانية تتجاوز الحدود الثقافية والجغرافية"، كما يقول المهندس ارسلان ابو هاجر، في حديثه لشفق نيوز.
العطاء دون مقابل
ويضيف أبو هاجر أن "الكرم في زيارة الأربعين يتمثل في تقديم الطعام و الشراب، والخدمات للزوار دون انتظار أي مقابل، وهذا العطاء يعلمنا قيمة العمل الخيري والتفاني في خدمة الآخرين من منطلق إنساني بحت".
ويشير المهندس أبو هاجر، إلى أن "الكثير من الناس يقدمون ما لديهم، بغض النظر عن قيمته المادية، بروح من التواضع والإيثار، وهذا يعلمنا الدرس أن الكرم ليس مرتبطاً بالثروة، بل بالنية الطيبة والرغبة في مساعدة الآخرين".
وبعض الأشخاص يضحون بوقتهم ومواردهم من أجل تقديم الخدمة للزوار، وهذا السلوك يعكس معنى التضحية من أجل خدمة الغير، ويعزز فكرة أن العطاء قد يتطلب أحياناً التخلي عن شيء من أجل الآخرين، هذا ما وجده الحاج محمد علي من خدام الزوار في مدينة خانقين.
يتابع الحاج محمد، أنه "خلال الزيارة، يتجسد مفهوم التكافل الاجتماعي بشكل واضح، حيث يتعاون الجميع على تقديم أفضل الخدمات للزوار، وهذا يعزز من فهمنا لأهمية بناء مجتمع متكافل و متعاون، يعتمد أفراده على بعضهم البعض في الأوقات الصعبة".
ويشير إلى أنه "بالرغم من الحشود الكبيرة والتنوع الثقافي بين الزوار، يسود جو من الاحترام المتبادل والتسامح، وهذا يعلمنا أهمية احترام الآخر والعيش في سلام مع مختلف الآراء والمعتقدات، وهذه الدروس تعكس قيماً إنسانية عميقة يمكن تطبيقها في حياتنا اليومية لبناء مجتمع أفضل وأكثر تماسكاً".