أزمة لا صراع.. "احتدام صدري- فصائلي" ما بعد الانتخابات: من يفرض كلمته؟
شفق نيوز/ المشهد العراقي، والشيعي تحديدا، الذي أفرزته انتخابات العاشر من اكتوبر/تشرين الاول الماضي، سيطرت عليه سلسلة من التطورات والاحداث اليومية المتسارعة والكثير من مؤشرات التوتر والتنافس والتصادم في أحيان عديدة.
وما زالت الهزات الارتدادية لنتائج صناديق الاقتراع الاخيرة، تتوالى حتى الآن، وصولا الى إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مجموعة شروط لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة أبرزها حل الفصائل المسلحة كافة، و"تصفية الحشد الشعبي من العناصر غير المنضبطة وعدم الزج بها في السياسة".
لكن المرحلة الممتدة منذ العاشر من أكتوبر وصولا الى اليوم، شابتها العديد من المناكفات والتوترات الضمنية والعلنية خاصة بين القوى والتيارات الشيعية المختلفة، التي وجد العديد منها انه لم يحقق ما يبتغيه من عملية الاقتراع بسبب تراجع حصته البرلمانية، وبالتالي تضاؤل فرصته في الدخول في لعبة التشكيل الحكومي المقبل، وذلك باستثناء ربما لتيار مقتدى الصدر، وبدرجة أقل تكتل نوري المالكي دولة القانون.
وحصل التيار الصدري في الانتخابات على أكثر من 70 مقعدا من مجلس النواب من أصل 329، بالمقابل تراجع تحالف الفتح إذ حاز 15 مقعدا فقط بعدما فاز في الانتخابات السابقة للعام 2018 بـ 48 مقعدا واحتل المرتبة الثانية.
ويخشى المراقبون ان يكون الغرق في التنافس على التكتلات الأكبر والسعي لامتلاك الكلمة الفصل في تشكيل الحكومة الجديدة، سواء كانت حكومة اغلبية للمنتصرين الكبار، او حكومة وحدة وطنية تجمع أطرافا عديدة بما فيها قوى خاسرة.
وبكل الأحوال، يستبعد ان بعض المختصين بالتنظير السياسي في حديثهم الى وكالة شفق نيوز، وصول الخلاف بين القوى الشيعية الرافضة لنتائج الانتخابات الى مرحلة الصراع الشيعي - الشيعي لوجود اكثر من صمام أمان للبلاد وأن اقصى حالات الصراع بين تلك القوى لاتتعدى دخول او إقتحام المنطقة الخضراء .
ويرى المحلل السياسي مناف الموسوي ان "الخلاف بين القوى السياسية الشيعية لم يصل حتى الان لمرحلة الصراع، ولا يمكن ان يصلها، وكل ما نشهده هو خلاف على نتائج الانتخابات".
واوضح الموسوي لوكالة شفق نيوز ان "توجيهات المرجعية الدينية ممثلة بخطبها الاسبوعية يؤكد دورها الحامي او الحافظ لاستقرار البلاد وبالتالي الخلاف او الاعتراض على النتائج الانتخابية او على شكل الحكومة القادمة كلها يمكن ان تميع او تنتهي ببعض التسويات".
ولفت الموسوي الى ان بعض هذه التسويات تتمثل بمبادرات يطرحها زعماء وقيادات التيارات او الكيانات السياسية مثل مبادرة زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ومبادرة رئيس الجمهورية برهم صالح فضلا عن المبادرة الاخيرة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الفائز الاكبر في الانتخابات، والذي قدم جملة من المقترحات باعتبارها برنامجا تحالفيا بالاضافة الى برنامجه الانتخابي لانهاء المشاكل والخلافات التي تعرقل بناء الدولة وتشكيل الحكومة القادمة.
وتابع قائلا "لكن تبقى بعض المشاكل التي تؤثر في عملية بناء الدولة مثل عملية حصر السلاح بيد الدولة وغيرها، وتلك تحتاج الى وقت لحلها من خلال الحوار والتواصل وتقديم التطمينات للجميع وبالتالي الخلاف لانعتقد انه لمرحلة الصراع بقدر ما هو تنافس ليس بالجديد وحصل في اكثر من مرة وتبقى الحلول التوافقية سيدة المشهد".
وكان الاطار التنسيقي والقوى الملتحقة به (تحالف عزم وبعض القوائم الانتخابية الصغيرة) عقدوا اجتماعا موسعا في منزل الحكيم بحضور ممثلة الأمم المتحدة في العراق والتي اطلعت على الوثائق التي قدمتها الأطراف المعترضة بحسب بيان "الاطار التنسيقي" ووعدت بعرضها على الأمم المتحدة.
ويحتدم التجاذب بين القوى الشيعية الرئيسية (التي يتوالى مرشحوها لسدة الحكم) لاخضاع الطرف الفائز بأكبر عدد من المقاعد للتوافق السياسي في ادارة شؤون البلاد.
من جهته يرى المختص بالشأن السياسي اياد العنبر ان "النتائج الاولية للانتخابات شكلت صدمة لجميع القوى الشيعية كونها لم تعتد على فرضية الخسارة ولم تدرس جيدا معادلة قانون الانتخابات الجديد الذي اعتمد الدوائر المتعددة بدل الدائرة الواحدة والتي لاتريد الكثير من الاحزاب والتحالفات السياسية تقبل هذه المعادلة وبالتالي لحد هذه اللحظة لم تتضح ملامح ما ستؤول اليه الامور سواء بالعودة الى دائرة التوافقات ام سنتجه نحو معادلة جديدة تتشكل على اساسها حكومة الاغلبية".
واعتبر العنبر انه "ليس امام الجميع سوى انتظار المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات حتى تبدأ المفاوضات الحقيقية ويكون هناك توضيح من هي الاطراف التي تشكل الحكومة وهل ستكون شراكة اقوياء ام شراكة ارقام فقط من دون برنامج سياسي باتجاه الاغلبية".
وتابع "للخروج من الازمة السياسية يجب ان يكون هناك تبني لمشروع حقيقي تكون على اساسه قوة الحكومة القادمة معيارا في تحقيق الكثير من القضايا التي يتطلع لها الجمهور وليس ان تحقق رغبات الكتل السياسية".
واضاف "للخروج من المعضلة السياسية هناك اتجاهان لاثالث لهما اولا الذهاب الى تشكيل حكومة اغلبية، وعلى القوى الخاسرة اما تتجه للسلطة او تقاطع العملية السياسية بدل خطابات التصعيد، اما الحل الثاني فهو ان يكون هناك شكل لحكومة جديدة وفق مشروع سياسي جديد يطرح مبادئ عدة من بينها تعديل الدستور وتحقيق ادارة موارد الدولة في مصلحة المواطن الى جانب محاربة الفساد بمعنى تشكيل حكومة قوية تعمل على حصر السلاح بيد الدولة بمشروع حقيقي ضمن فترة تمتد لاربع سنوات وهذا المشروع يتم بالتوافق عليه".
واضاف "اعلى ورقة في التصعيد او تحريك الشارع لاتتعدى اقتحام المنطقة الخضراء وبخلاف ذلك لايتم تحريك الشارع".
من جهته، يؤكد الباحث في الشأن العراقي عضو المركز الاقليمي للدراسات علي الصاحب لوكالة شفق نيوز ان "الخط البياني المتصاعد للاحداث يسجل ارتفاعا غير مسبوق بمجريات المشهد السياسي حيث بدأ بالتسقيط السياسي وانتهى بالاغتيال السياسي وما بين التسقيط والاغتيال تمزق ثوب الديمقراطية وسقط ثوب الوطنية اذا ما علمنا ان السياسة هي فن الممكن الا انها في العراق اصبحت فن الخداع والتمكن وان جدلية نتائج الانتخابات لن تنتهي طالما ان بعض الجهات لاتريد الوصول الى التفاهمات بقدر ما تبحث عن الاختلافات والتقاطعات".
واعرب الصاحب عن اسفه لان "بعض الاطراف المتنافرة وأن كانت من مكون واحد الا انها لاتتصرف بطريقة براغماتية في تقبل الاخر والاستماع الى اطروحته كي يصل الجميع الى نقطة انطلاق واحدة نحو تشكيل حكومة بغض النظر عن نوع هذه الحكومة (اغلبية او توافقية)".
واوضح الصاحب "من جهة لم نصل لهذه المرحلة حتى الان لعدم وجود الرغبة الحقيقية والنية الصادقة، ومن جهة اخرى هو ارباك المشهد السياسي بمزاجية مفوضية الانتخابات وتضارب تصريحاتها ومقرراتها منذ اليوم الاول للانتخابات مرورا برد الطعون وقبول بعضها ورد الاخرى وانتهاءً بعدم موافقتها على اعادة العد اليدوي لكل الصناديق المعترض عليها".
وحذر الصاحب من انه ذلك "يعني اننا على اعتاب فوضى سياسية عارمة وعلى اصحاب الشأن سواء كانت المحكمة الاتحادية او رئاسة الجمهورية بل كل القوى الفاعلة ان تقيم الوضع السياسي الخطر وان لاتقف موقف المتفرج امام هذه الاحداث والتلميحات بالنزول للشارع واسترجاع الحقوق بحسب ادعاء المعترضين على النتائج".
واضاف ان "اغلب تلك القوى تمتلك فصائل مسلحة وان الوضع الامني في البلاد مازال هشاً وقلقاً ونشهد بين الحين والاخر خروقات امنية هنا وهناك والكل يعلم ان للارهاب حواضر وقواعد موجودة بالفعل وعليه لابد ان يدرك الجميع اننا في وضع لانحسد عليه".
وفي ظل هذه الإرهاصات، كما قال الصاحب، "لا تنفع المبادرات التي تطلقها زعامات الكتل والتيارات فتقابل بالرفض كونها تنطلق من جهات هي جزء من المنظومة السياسية، وارى انه مادام الخلاف الان محصورا بين اطراف البيت الشيعي، فأن الحل يكمن لدى المرجعية الدينية".
واوضح ان المرجعية الدينية "قد تلعب دور المنقذ في هذا المشهد المعقد لاسيما وانها طالما حلت الكثير من الاشكالات لاسيما وانها تتمتع باحترام ومحبة لدى الجميع وممكن ان تكون لاعبا قويا واساسيا في المعضلة التي بدأت تكبر".
وتابع قائلا انه "من جهة اخرى يمكن للمحكمة الاتحادية ان تلعب دورا مهما وفعالا في اصدار قرار ملزم للجميع، وخاصة حسم مسألة تسمية الكتلة الاكبر او من يحق له تشكيل الحكومة اذ ان الخلافات لن تقتصر على (نتائج الانتخابات) فقط وقد نشهد خلافا اخر حول الكتلة الاكبر وقد تدفع بالعودة من حيث بدأنا في الاشكال والتصارع والاختلاف".
ولهذا، ختم الصاحب بالقول انه "لابد من تدخل عقلاء القوم والمرجعية الدينية وقضاة المحكمة الاتحادية لايجاد حل سريع لتلك الخلافات التي قد تذهب بنا الى نفق مظلم وقد يؤدي الى تأجيج الصراع والاقتتال".