"إزالة القومية".. التعداد السكاني يثير مخاوف مناطق النزاع في العراق حول "صراع الهوية"
شفق نيوز/ يبدو أن إزالة فقرة السؤال عن القومية من التعداد السكاني المزمع اجراؤه قبل نهاية العام الحالي، ولّد بعض المخاوف لدى القوميات العربية والكوردية والتركمانية، في المناطق المتنازع عليها، من صهر هويتهم وعدم إحصائها بالشكل المطلوب.
وكان العراق قد أجرى آخر تعداد سكاني عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، تبعه إحصاء عام 1997 الذي أجري دون مشاركة محافظات إقليم كوردستان.
وظلت البلاد طيلة السنوات الماضية مُعتمدة على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن مؤسسات ومراكز أبحاث غير رسمية تُعنى بهذا الشأن، قبل أن تصدر تقديرات وزارة التخطيط في عام 2022 بأن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 42 مليون نسمة.
وفي المقابل، فإن ملف المناطق المتنازع عليها في العراق يعد من أكثر القضايا تعقيداً وحساسية في المشهد السياسي والتي لم ترَ طريق الحل من بعد 2003، وهذه المناطق تشمل أراضي واسعة تمتد بين إقليم كوردستان والحكومة في بغداد، كما تتميز بتنوعها من الناحية القومية والإثنية.
وتأجل التعداد بسبب مخاوف من تسييسه، وعارضته جماعات عرقية في المناطق المتنازع عليها مثل مدينة كركوك التي يسكنها الكورد والعرب والتركمان وتضم حقولا نفطية كبرى، لأنه قد يكشف عن تركيبة سكانية من شأنها أن تقضي على طموحاتها السياسية.
وقد يقدم الإحصاء اجابات او يوجد مزيدا من المشاحنات في بلد متعدد الأعراق عاني من عنف طائفي بعد الغزو الأمريكي عام 2003 ويحاول الان دعم المكاسب الامنية في وقت يعكف فيه على اتخاذ قرار بشأن كيفية توزيع ثروته النفطية الضخمة. ويملك العراق ثالث اكبر احتياطي نفطي في العالم.
وطالب اقليم كوردستان بعد 2003 بضم كركوك واجراء التعداد السكاني، وسيحدد الاحصاء ان كان الكورد أكبر تكتل عرقي في المدينة وهو ما قد يدعم تلك المطالبة.
كما سيكشف عن عدد السكان الذين يعيشون في إقليم كوردستان الامر الذي سيحدد حصته في إيرادات الحكومة العراقية التي تبلغ حاليا بنحو 12 في المئة.
وكان من المقرر أن يظهر الإحصاء التركيبة الدينية للعراق ذي الاغلبية المسلمة، أو القومية، لكن سيتعمد الا يسأل السكان عن ذلك، وهو ما ولد رفضاً من سكان مناطق النزاع.
خانقين معترضة
ويقول علي حسين، وهو من أهالي خانقين المتنازع عليها في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن "القومية من الثوابت التي يجب أن تلازم الفرد ولا يمكن تغييرها وهي مرتبطة بهويتنا، وأن الحديث عن إزالة هذا الأمر من التعداد يتضارب مع الدستور العراقي".
ويوضح السياسي الكوردي نجم وارني، من مدينة خانقين في تصريح لشفق نيوز إن "الحديث عن خلو الإستمارة الخاصة بالإحصاء من فقرة (القومية) يتنافى مع مفهوم الدستور الاتحادي لسنة 2005 والدساتير السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 (الملكية والجمهورية ثورة تموز 1958) وغيرها لغاية عام 2003 والتي تؤكد بأن الهوية العراقية شراكة بين (العرب والكورد والتركمان والمكونات الأخرى)".
وأضاف أن "المادة الدستورية الخاصة بالمناطق المتنازع عليها المادة 140 الدستورية والتي لم تطبق لغاية الآن والتي تضم مراحل اساسية وهي (التطبيع/ الاحصاء /الاستفتاء)، فغياب سؤال القومية من استمارة الإحصاء يتنافى مع الدستور والمادة 140، وهو غبن وإخفاق وطمس للدستور الاتحادي والمادة الدستورية 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها".
وأكد انه "من الضروري على المعنيين والقانونيين والمحكمة الاتحادية المراجعة والنظر في هذا الإخفاق المثير للجدل دستورياً، وعدم محو الوجود القومي للدولة العراق الفيدرالي دستورياً".
كما بين وارني، أن "الإحصاء في المناطق المتنازع عليها يجب أن يسبقها تطبيع للأوضاع ولغاية الان لم يتم ذلك بسبب الوضع الراهن للبلد خصوصا بعد سيطرة داعش على مناطق متفرقة من محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى ونينوى وكذلك ما تبعتها من تغيرات سياسية في إدارة مناطق في كركوك وديالى".
"فقدت أهميتها"
وبدوره أكد المحلل السياسي هاوري كارزان، من السليمانية لوكالة شفق نيوز أن "غياب القومية من استمارة الإحصاء ووفقا لتصريحات المسؤولين في وزارة التخطيط الاتحادية يفرغها من مضمونها الفعلي كون ما يتبقى من مضمون الإحصاء هو العدد الفعلي للسكان وهذا يمكن الحصول عليه من وزارة التجارة او وزارة الداخلية".
وأشار إلى أن "الإحصاء من العمليات الأساسية والمهمة في بناء قاعدة معلومات رصينة ويجب أن تكون وفقا لمعايير علنية، ففي جميع الاحصائيات التي تمت في البلد ذكرت القومية ونتوقع أن المرحلة الحالية أكثر حاجة لذكر هذه الفقرة، خصوصا في المناطق المتنازع عليها حتى يتبين أعداد الكورد والعرب والتركمان والاقليات من الكورد الفيلية والمسيح وغيرهم حتى تكون قاعدة معلومات رصينة تعتمدها الدولة في التعامل مع الملفات الحساسة".
وأكد كارزان، أن "قضية تعداد المساكن كذلك سيكون فيها إشكاليات بسبب وجود مناطق متنازع عليه ليس فقط في صلاح الدين وديالى وكركوك ونينوى بل في الأنبار والبصرة والسليمانية، فكيف سيتم التعامل مع المساكن في تلك المناطق التي لم يحسم مصير انتمائها الجغرافي؟".
كركوك محور التعداد
من جانبه يقول الناشط والسياسي الكوردي في كركوك نوزاد شيرزاد لوكالة شفق نيوز، إن "إلغاء فقرة القومية من استمارة التعداد السكاني ولد مخاوف لدى الكورد في عموم المناطق المتنازع عليها وخاصة وان هذه المحافظات كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى لأن هذا المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل عاصمة اقليم كوردستان مازالت المشاكل فيها قائمة ولم تحل ولا يوجد أي حلول قريبة لها بين الطرفين".
وأشار إلى أنه "على وزارة التخطيط العراقية ان تضع آليات تحافظ على أعداد القوميات الموجودة في استمارة التعداد السكاني، لأن مخاوف الكورد تكمن في استمرار إجراء التغيير الديمغرافي من خلال زيادة العرب في كركوك ضد المكونات الاخرى، وهذا يعني تغييراً في الخارطة السكانية حيث شهدت كركوك موجات نزوح للكور بعد تداعيات أحداث 16 أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2017 ودخول القوات العراقية الى كركوك سجلنا نزوح وخروج عوائل كورية من كركوك باتجاه محافظات الاقليم وهذا الأمر سبب لوجود فوارق في نسبة الكورد في كركوك".
وأدت السياسات القومية التي اتبعتها الحكومات العراقية السابقة، مثل سياسة التعريب في عهد صدام حسين، إلى تغيير التركيبة السكانية في مناطق النزاع، ما زاد من تعقيد النزاع، ووفقًا لدستور العراق لعام 2005، تم الاعتراف بمفهوم "المناطق المتنازع عليها"، ونص على إجراء استفتاء وتعداد لتحديد مصير هذه المناطق. ومع ذلك، لم يتم مما أدى إلى استمرار التوترات.
في حين يقول الناشط السياسي والمختص في شؤون الإحصاء في كركوك من القومية العربية علي خليل لوكالة شفق نيوز، إن "إلغاء شرط القومية ولد مخاوف لدى مكونات كركوك لأن العرب في هذه المحافظة ليست اقلية من بقية المكونات، بل قد يتجاوزون أكثر من نصف إجمالي نسبة السكان، بدليل نتائج الانتخابات حيث حصد العرب في الانتخابات 6 مقاعد ولو كانت المشاركة أكبر منهم لوصل إلى نحو 9 مقاعد".
ويشير إلى أن "إلغاء فقرة القومية ولد مخاوف لدى عرب كركوك، حيث اليوم لهم ثقلهم الحقيقي واعدادهم ليست قليلة، ولا يجب علينا التخوف من فقرة إلغاء شرط القومية من تعداد العام الحالي 2024".
وتابع أن "الموقف العربي في كركوك هو مع إجراء التعداد السكاني ولكن لسنا مع ضم كركوك الى الاقليم والمادة 140 لم تنجح في حل المشاكل وتطبيع الأوضاع فيها والمادة استغلت من قبل الأحزاب الكوردية ولم تنجح في رسم خارطة طريق لمعالجة المناطق المتنازع عليها".
أما الناشط السياسي التركماني سمير عبدالله فيقول لوكالة شفق نيوز، إن "موضوع التعداد خطوة مهمة والغاء فقرة القومية ولد مخاوف لدى التركمان خاصة في كركوك وذات المناطق التركمانية لاننا بحاجة لمعرفة اعداد التركمان كمكون ثالث لأن معرفة الاعداد الحقيقية للقوميات يعطيها الحق في المطالبة بالمشاريع والوظائف من قبل ممثلينا في الحكومة".
وأكد أن "التركمان في كركوك لهم ثقلهم والغاء الفقرة في التعداد السكاني نعتبره خطوة غير موفقة وولدت مخاوفنا لعدم استغلالها من قبل الأحزاب الكبيرة في بغداد ولو علمنا اعداد التركمان والكورد والعرب لعرفنا التمثيل السياسي وحجم كل مكون في كركوك ولكننا نرفض استخدام هذه الأعداد في عمليات إجراء وتطبيق المادة 140 لان التركمان رؤيتهم بان تبقى كركوك مرتبطة بالحكومة الاتحادية في بغداد ولا نريد الانضمام الى اقليم كوردستان وهذا قرار مصري للتركمان".
رد حكومي
وفي الأثناء عقد مؤتمر تعريفي بأهمية الإحصاء وأدائه في موعده والتعاون مع فرق الإحصاء لإتمام المهمة وأكدت ميسون نوري مسؤولة شعبة إحصاء خانقين خلال كلمة لها حضرتها وكالة شفق نيوز أن الهدف من الإحصاء هو لمعرفة البيانات الخاصة بالمساكن والأفراد ولا علاقة لها بالجوانب السياسية وستضم الاستمارة 72 سؤالاً باستثناء سؤال القومية والمذهب.
ويشير المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي لوكالة شفق نيوز، الى أن الغاء فقرة القومية لا علاقة لها بأي أبعاد سياسية أو قومية، فالتعداد عملية اقتصادية وتنموية ولا دخل للوزارة أي مواضيع سياسية او أخرى.
وأكد أن الاحصاء سوف يشمل كل العراق ومنها اقليم كوردستان وكركوك وسوف يعطينا مؤشرات الحاجة التنموية في كل المناطق وسوف يستفاد منها الكورد والعرب والتركمان وكافة القوميات، إذن التعداد عملية اقتصادية تنموية ولا علاقة لها بالسياسة او ما يدور حولها.