ربيع "ماريا" الذي توقف مُزهقاً.. معايير "الحلال والحرام" المجتمعية تحدد "دواعي الشرف" 

ربيع "ماريا" الذي توقف مُزهقاً.. معايير "الحلال والحرام" المجتمعية تحدد "دواعي الشرف" 
2022-03-12T12:51:47+00:00

شفق نيوز / "لا أعرف هل طريقك خاطئ أو طريقي"، كانت هذه آخر الكلمات التي أطلقتها ايمان سامي مغديد أو ما عرفت على وسائل التواصل الاجتماعي في إقليم كوردستان بإسم "ماريا"، لتكون بعد ذلك جثة مرمية في احد شوارع مدينة أربيل، في مشهد يلخص وضع النساء اللواتي يقتلن بدوافع "الجهل والشائعات والأفكار البالية"، في مجتمعات تحكم على صوت المرأة، ووجهها، وأفكارها وملابسها معياراً لبقائها "حية أو ميتة"، من دون الاكتراث لما تعانيه هؤلاء النساء، قتلٌ فتح جرحاً، لم يندمل بعد، في المجتمع الكوردستاني، والعراقي بشكل عام بشأن قتل النساء بـ"دواعي الشرف".

ماريا قبل الاغتيال

ايمان محمد مغديد أو (ماريا)، هي شابة كوردية تبلغ من العمر (20) عاماً، وبحسب المقربين منها فقد تزوجت بعمر(12) عاماً، "وهو سنٌ لا يصلح لزواج الفتاة أو توليها المسؤوليات والاعباء المنزلية والزوجية والمجتمعية"، قبل أن تتغير ظروفها إثر انفصالها عن زوجها، لتخلع بعدها الحجاب وتطلق أفكارها التحررية عن المرأة وعن المجتمع، كانت ناشطة نسوية، وتهتم بالدفاع عن قضايا المرأة.

كما انها كانت نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص على تطبيق التيك توك، فضلا عن منشوراتها على موقع فيسبوك، وقبل أيام من مقتلها، نشرت ماريا على مواقع التواصل الاجتماعي، منشوراً قالت فيه: "لا أخاف من الآلام، لأنها دائما جزء مني".

ويبدو أن النظرة المجتمعية، في وضع (ماريا) وغيرها من الجرائم التي ترتكب ضد النساء، هي من تحدد "الحلال والحرام" للمرأة في ظهورها وتصرفاتها من وجهة نظر تكون اقرب للعادات والتقاليد منها الى العقيدة الدينية.

وبحسب المقربين، فقد نفوا شائعات انتشرت بشأنها ومنها تغيير (ماريا) دينها وإنها ابنة رجل دين في إقليم كوردستان، مبينين ان والدها يعمل كاسباً في أحد الأسواق بالاقليم.

ويبدو ان هذه "الشائعات والنظرة الضيقة" وغيرها من الأسباب دفعت شقيقها الى قتلها في وسط اربيل، لتصبح "نسخة اخرى عن المرأة التي يراها صحيحة" في المجتمع"، ليتجمع الناس والشرطة حول جثتها في أحد شوارع أربيل، وهي مغطاة بقطعة نايلون أبيض معتقدين انها جثة لامراة قضت بدافع "غسل الشرف" ولم يعلموا انها تعود لـ"ماريا" المشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي.

بعد "ماريا" القادم أسوأ

تقول الناشطة المدنية "رمزية زانا" لوكالة شفق نيوز، إن "سبب زيادة قتل النساء هو عقلية المجتمع"، متساءلة بالقول "إذا ارتكبت المرأة جرماً يجب ان يتعاملوا معها وفق القانون، فلماذا يتم التعامل معها وفق العادات والتقاليد ويتم قتلهن؟!"، وتحذر الناشطة المدنية من أن "استمرار هذا الوضع يعني ان الناس ستكون أمام مخاطر كبيرة إذا لم يتم معالجة الامر."

من جهتها تطالب عضو لجنتي شؤون المرأة وحقوق الانسان في برلمان إقليم كوردستان "كولستان سعيد"، حكومة الاقليم بـ"تقديم جميع قاتلي النساء الى القضاء ومعاقبتهم باشد العقوبات لأننا نعتقد اذا كانت العقوبات مشددة فاننا سوف نقضي او نقلل من حالات قتل النساء".

وقالت سعيد في حديثها لوكالة شفق نيوز "نحن بصدد تقديم مقترحات لتعديل قانون العنف الاسري الصادر من برلمان كوردستان العام 2011 وتشديد العقوبات ضد مرتكبي جرائم القتل ضد النساء"، مضيفة "نسمع يوميا عن قتل النساء وعدد كبير من المتهمين يتم التساهل معهم في المحاكم، وسابقا كان مجلس القضاء يقول انه لايوجد العدد الكافي من القضاة ولكن حالياً العدد جيد وقبل فترة تم تعيين 47 قاض جديد ولهذا لم تبقى أي حجج والا فنحن امام خطر كبير يتمثل في الامن المجتمعي".

التواصل الاجتماعي بوابة العنف الاسري

من جهتها، تقول الناشطة النسوية "افان الجاف"، لوكالة شفق نيوز، إن "الغريب في الامر أن ماريا قتلت امام أنظار الجميع، وفي الشارع العام، وهذا بحد ذاته خطر كبير على الامن المجتمعي"، مطالبة قضاء إقليم كوردستان بـ"إنزال اشد العقوبات بمرتكبي الجرائم ضد النساء وعلى الشرطة التحقيق في الامر".

وتسلط الجاف الضوء على جانب آخر لهذه القضية تتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، قائلة ان "أحد الجوانب التي تؤثر على الملفات الخاصة بالمرأة هي مواقع التواصل الاجتماعي، لان الناشطة او المرأة تلجأ اليها لنشر افكارها وبالتالي أصبحت هذه الأفكار خطراً على المرأة نفسها، فنرى ان نظرة المجتمع تتغير عندما يتم إعطاء تفسيرات خاطئة لمنشوراتها ولهذا نحن في الفترة القادمة سنعمل على تصحيح هذا الجانب".

وفي السياق ذاته، يقول المقدم سفين طاهر، مدير دائرة مواجهة العنف الاسري في أربيل التابعة لوزارة الداخلية في حكومة إقليم كوردستان لوكالة شفق نيوز إن "التكنولوجيا تعد أحد اهم الأسباب حاليا في زيادة العنف الاسري".

ويبدي طاهر "أسفه"، عاداً ان "هناك من يستخدم التكنولوجيا بشكل خاطئ"، مبينا أن "مجتمعنا لم يصل الى مرحلة الاستفادة بالشكل الصحيح منها، ونحاول من خلال رجال الدين والمختصين النفسيين والاجتماعيين ان نوضح للناس أهمية الاستفادة بالشكل الصحيح من التكنولوجيا".

واستدرك قائلاً، "لايوجد في أي دين او قانون يحلل قتل النساء بدافع غسل العار او الشرف".

يذكر ان هناك قانوناً تم اقراره العام 2004 في اقليم كوردستان، يمنع تخفيف الاحكام عن مرتكبي جرائم "غسل العار"، لكن ذلك لم يردع القتلة (وهم احياناً كثيرة من افراد عائلة الضحية) من الاقدام على ارتكاب جرائمهم، ما يعني بحسب الخبراء، ان هناك حاجة ايضاً الى تعديل قانون العنف الاسري الذي تبناه برلمان الاقليم في العام 2011.

وكانت شرطة اربيل اعلنت قبل ايام العثور على جثة مقتولة في اربيل، وتبين انها تعود الى "إيمان سامي مغديد"، التي صارت تعرف باسم "ماريا"، المعروفة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وبمناسبة عيد المرأة، أصدر رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني بياناً اعرب فيه عن "قلقه لتزايد ظواهر القتل وتعنيف النساء وانتهاك حقوقهن"، مؤكداً "رفضه" لذلك، ومتعهداً بـ"دعوة المؤسسات في اقليم كوردستان الى التعاون والتنسيق لمكافحة الجرائم التي ترتكتب بحق النساء عموما، حيث سجلت العديد من جرائم قتل للنساء في الشهور الماضية، غالبتيها بدوافع غسل العار".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon